لا نزع للسلاح تحت النار
- نبيه البرجي الأثنين , 14 أبـريـل , 2025 الساعة 1:02:52 AM
- 0 تعليقات
نبيه البرجي / لا ميديا -
أسئلة كثيرة جارحة وجراحية أمام حزب الله: أين أخطأنا؟ أين أخطأنا أكثر؟ النكبة، أجل النكبة، فتحت العيون وفتحت الأدمغة على مصراعيها. لا بد من بعض الوقت، ولو بين الخناجر والسواطير، من أجل صياغة رؤية استراتيجية، ومن أجل صياغة مفهوم فلسفي وتاريخي للمقاومة في لبنان، إن في التعاطي مع الداخل بتصدعاته البنيوية، أو في التعاطي مع «إسرائيل» بالتكشيرة التوراتية التي -يا للغرابة!- لم تحدث الزلزال في قلب العرب ولا في عقل العرب.
الصورة مقلوبة، سريالية أيضاً. بدل أن يقود العرب التغيير في الشرق الأوسط، بعدما ضرب العفن وضرب الصدأ حتى نخاعنا الشوكي؛ «الإسرائيليون» يقودون التغيير؛ ولكن في الاتجاه المعاكس للتاريخ، كذلك المعاكس لله؛ الله الذي جعلناه إله الزوايا الميتة. كل ذلك المدى الإلهي الفذ اختزلناه بمعادلة الحلال والحرام. لا محاولة لكسر هذا التابو، والدخول في الزمن. لا مكان لنا حتى في العربة الأخيرة من الزمن.
لم نفاجأ بلغتنا المعلبة، وبصحفنا المعلبة، وبشاشاتنا المعلبة... هذا هو المطلوب من الإنسان العربي؛ أن يكون إما بين ساقي شهرزاد وإما بين يدي -أو قدمي- ولي الأمر! ما فاجأنا أن ذلك الإعصار الدموي بكل أهواله لم يؤثر قيد أنملة في ذلك الاجترار القبلي (الاجترار الجنائزي) للتاريخ. ترانا موتى إلى ذلك الحد؟! ابن رشد يسأل من قبره. أما من فيلسوف أو مفكر بين نصف مليار عربي (تناسلوا وتناسلوا وتناسلوا)؟!
عندنا ببغاوات الطوائف (والقبائل)، غربان الطوائف (والقبائل)، هم نجوم القرن. وها نحن ندخل التكنولوجيا بمكبرات الصوت على المآذن، لا تصمّ الآذان فقط، تصم العقول، لنبقى كما نحن ضيوف شرف على مائدة أبي جهل وأبي لهب على مائدة حمالة الحطب.
حزب الله أمام صور شهدائه، أمام أضرحة شهدائه (أمام أسئلتهم أيضاً). هذا ليس وقتاً للبكاء، ولا للهذيان. الانخراط، ومن الزاوية إياها في اللعبة السياسة الداخلية -بكل تجلياتها الطائفية، انخراط في لعبة الوحول. لفتنا تعبير الجنرال ديفيد بترايوس: «الخروج من استراتيجية المستنقعات». نحن بأمسّ الحاجة للخروج من ثقافة المستنقعات.
ماذا تعني المقاومة؟ لا داعي للبلبلة اللغوية ولا للبلبلة الفلسفية. لاحظنا كيف أن كل المنطقة، بل وكل العالم، في اتجاه آخر. الساعة لم تكن الساعة الكبرى، وهكذا قال السيد حسن نصر الله. مأساة «البيجر» بفظاعاتها كان يفترض أن تكون ساعة الوعي بحالنا وبحالتنا. أين هي «إسرائيل» بتلك الترسانة الإلكترونية الهائلة؟! وأين نحن؟!
لو كنا في بلد سوي لما كانت مشكلتنا في نزع سلاح المقاومة، وإنما في بلورة رؤية عامة، إن للمقاومة أو لسلاحها، الذي وُجد أساساً لاجتثاث الاحتلال بعيداً عن الصراعات الإقليمية، وقد أثبتت عبثيتها، وكذلك دورانها داخل الماكنة الأمريكية. ولكن كيف للغربان بالياقات البيضاء أن تتحدث عن لبنان اللبناني بالشعارات وبالتوريات اللغوية البهلوانية؟! لبنان في نظر حملة «السيادة»، وهم ماضون في استراتيجية التطييف، يعني الإقامة بين سراويل أو بين عباءات القناصل!
أجل، أسئلة كثيرة جارحة وجراحية، مثار ومدار مناقشة واسعة النطاق للتجربة، ما قبلها وما بعدها. المشكلة في إصرار الآخرين على أن يكون نزع السلاح الآن، وتحت النار. هكذا أمرت مورغان أورتاغوس بإصبعها، وكذلك بصدرها المرصع بنجمة داود (غريب أنها لم تأتِ إلى بيروت بدبابة ميركافا). على الأقل يا جماعة بعض الوقت من أجل انتشال الجثث من تحت الأنقاض.
نزع السلاح فقط؛ لأنه ضد «إسرائيل»، وحتى في حال اللا دولة. وهل يريد بنيامين نتنياهو قيام دولة في لبنان، أو قيام دولة في سورية؟! دونالد ترامب يريد أن يجعل من غزة «ريفييرا الشرق الأوسط»، وحيث تختال الفاتنات الأمريكيات! لبنان لاس فيغاس أم البيفرلي هيلز، بعدما احترنا بالدور، وقبل أن يظهر حزب الله في الضوء؟! هانوي أم هونغ كونغ؟!
لا شك أن خطأ قد حدث؛ خطيئة قد حدثت. الإيغال في الأدغال الداخلية، هنا التيه، المتاهة الكبرى، بالاستنزاف الدارمي للقضية وللصدقية، وحتى الاستنزاف الدرامي للوهج الذي أحدثته المقاومة على امتداد العالم العربي، وحتى في العالم، بعدما تمكنت بالدم من اقتلاع الأقدام الهمجية من أرض الجنوب. لنتذكر قول إيهود باراك حول «الخروج من جهنم»!
علينا أن نتوقع في ضوء معلومات موثوقة، وكذلك في ضوء مؤشرات واضحة، أن تزداد الضغوط حدة، وحتى هولاً، على حزب الله، في المرحلة المقبلة. ولكن هل يتجرأ أحد من أهل السيادة على المطالبة -غير الشكلية- بنزع سلاح المخيمات، الذي كنا نتمنى لو تم استخدامه ضد «إسرائيل»، لا ضد الإخوة في الشقاء وفي الدم. كذلك بوقف السلاح الذي يتدفق على النازحين السوريين في بعض المناطق، ومن معابر غير شرعية لا أحد يشير إليها، وكذلك على بعض رجال الدين الذين عادوا للتو من كهوف «تورا بورا»، بعد حدوث ما حدث في سورية.
ليكن نزع كل السلاح، بدءاً من السلاح الذي وُجد للقتال الفلسطيني ـ الفلسطيني، وللقتال اللبناني ـ اللبناني، ثم البحث في السلاح الذي ضد «إسرائيل»، والذي قيل لنا إنه لن يُنزع ولن يُنتزع تحت النار، سواء جاءت النار من بنيامين نتننياهو أو من أحمد الشرع، أو من الاثنين معاً، كما هدد أحد النواب.
ليتنا نعلم داخل أي إعصار نحن، وإلى أين يأخذنا، لنعرف أين نضع أقدامنا، وأين نضع رؤوسنا!
المصدر نبيه البرجي
زيارة جميع مقالات: نبيه البرجي