سلام نتنياهـو: لبنان مستوطنة «إسرائيليّة»
- نبيه البرجي الأحد , 24 أغـسـطـس , 2025 الساعة 1:22:24 AM
- 0 تعليقات
نبيه البرجي / لا ميديا -
إذا كان الروائي الأمريكي دوغلاس كنيدي قد رأى في لبنان "المكان الذي لا تعلم فيه ما إذا كنت في الجنة أم في الجحيم"، فقد تحدث الأمريكي الآخر نيال فيرغستون، مؤلف سيرة هنري كيسنجر، عن "البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي ضاع فيه كيسنجر". فهل يضيع فيه بنيامين نتنياهو، بعدما قال أحد أسلافه في رئاسة الحكومة (ايهود باراك): "حتى الورود تقاتلك في تلك الأرض"؟
ألهذا كان قول الانكليزي ديفيد هيرست إن "الإسرائيليين يخشون من دهاء اللبنانيين أثناء السلم، ويخشون من شدة مراسهم أثناء الحرب"؟ ولكن أي سلام يراهن عليه دونالد ترامب بين لبنان و"إسرائيل" في مدة لا تتعدى العام، بعدما كان المعلق "الإسرائيلي" عاموس هرئيل قد قال: "لا يحتاج الأمر إلى أن نفتح الباب أمام أحمد الشرع"؟!
تحت رعاية توماس باراك، جرت محادثات باريس بين وزير الخارجية السوري أحمد الشيباني، ووزير الشؤون الاستراتيجية "الإسرائيلي" رون دريمر، حول السويداء؛ وكانت الصفقة ـ الفضيحة.
لم تقتصر المسألة على خروج محافظة السويداء عن السلطة السورية، بل وتعرية محافظة درعا من السلاح، ودون أن يُعرف ما مصير مرتفعات الجولان، وكذلك الجزء السوري من جبل الشيخ.
الفيلسوف الفرنسي اليهودي برنارد هنري ليفي لا يتردد في القول إن "الدولة العبرية" شريكة في إدارة الدولة السورية؛ بل إنه يتحدث عن التواجد "الإسرائيلي" حتى في وجوه كبار مستشاري القصر الجمهوري.
ستيف ويتكوف يريد للبنان أن يكون على خطى سورية في اتجاهها إلى التطبيع مع "إسرائيل"، دون أن ندري لماذا لا تكون لنا شخصيتنا الخاصة، ودبلوماسيتنا الخاصة!
تصوروا أن أحمد أبو الغيط (ومن هو أحمد أبو الغيط؟!) يوفد رئيس مكتبه، حسام زكي (ومن هو حسام زكي؟!)، للقاء الرئيس جوزيف عون، وكذا الرئيسين نبيه بري ونواف سلام - إذا زار هذا الرجل بلداً عربياً من يستقبله؟! بالكاد مساعد أمين عام وزارة الخارجية. الطريف أنه يزورنا ليسدي إلينا -بالطربوش الفارغ- النصح في كيفية التعاطي مع أزماتنا أو مع مشكلاتنا!
قناة "فوكس نيوز" قالت إن غالبية السوريين يؤيدون السلام مع "إسرائيل"، بعدما عانوا ما عانوه إبان الحروب المبرمجة في بلادهم، وكذلك ما يدعونه "سنوات الدكتاتورية السوداء"، باعتبار أنهم يعيشون الآن في "جمهورية أفلاطون" لا في جمهورية ياجوج وماجوج!
ولكن لماذا تشكلت في لبنان مقاومة ضد الاحتلال "الإسرائيلي"، ولم تتشكل مقاومة في مصر لتحرير صحراء سيناء، وفي سورية لتحرير مرتفعات الجولان، خلافاً للبنان الذي تمكنت المقاومة فيه، وبالدم، من إزالة أي أثر للأقدام الهمجية؟!
الإجابة أن في كل من البلدين نظاماً يعطي الأولوية له، لا للدولة، في حين أن لبنان ضائع بين الدولة واللادولة، وبين النظام واللانظام.
في أوراق الجنرال يهوشوا ساغي، رئيس الاستخبارات العسكرية إبان اجتياح العام 1982، كلام ينطوي على الكثير من الدلالات، أن "من الأفضل ألا يكون هناك مكان للشيعة على تخومنا، وأن يتم نقلهم إلى أقصى مكان في لبنان، أو إلى جهنم". هو الذي قال: "أن تسند رأسك إلى صدر حلفائك في لبنان كأنك تسند رأسك إلى صدور الغانيات".
لكن اللبنانيين يختلفون عن السوريين، رغم التاريخ المتداخل، والجغرافيا المتداخلة. اسألوا خالد العظم، الذي ألغى الوحدة الجمركية بين لبنان وسورية، واسألوا أديب الشيشكلي، الذي هدد الرئيس كميل شمعون بهدم قصر بيت الدين على رأسه، حتى أن شكري القوتلي وصف لبنان بالصنيعة الاستعمارية! المثير هنا أنه بقدر ما يعشق السوريون لبنان يكرهونه أيضاً.
التركيبة اللبنانية أكثر تعقيداً من التركيبة السورية، التي لم تشهد قط -قبل العقود الأخيرة- ذلك المد الطائفي المروع. لذا قال لنا وزير سوري سابق: "الأمريكيون يدعون اللبنانيين إلى الالتحاق بالسوريين، وهم في الطريق إلى إسرائيل، فيما المنطق يقول إن لبنان ينبغي أن يشق أمامنا هذا الطريق".
لاحظنا كيف أن القامات السياسية، والمقامات الروحية، ومن طوائف مختلفة، تدعو إلى التطبيع مع "إسرائيل" للخروج من مسلسل الحروب. ولكن كيف للمفاوض اللبناني أن يعبر ذلك الخط الطويل من الدم، وكذلك خط الخراب، إلى ردهة المفاوضات، بذلك الاختلال الهائل في موازين القوى؟! لكأنه الصلح بين هولاكو والموناليزا، كما كان يقول لنا المفكر اللبناني الفذ جورج قرم.
هذا حين نكون أمام ذلك التصدع، السياسي والطائفي، الذي طالما عمل "الإسرائيليون" لتوظيفه في خدمتهم. لا شيء أسهل على "الإسرائيليين" من اختراق حتى عظامنا. السلام هنا يعني تحويل لبنان إلى مستوطنة "إسرائيلية".
رغم كل ذلك الجنون الدموي الذي لم نشهد له مثيلاً في التاريخ، لم نعرف من هم "الإسرائيليون" حتى الآن! لكن الأمريكيين، الذين احترفوا صناعة الدم كمهنة تفرضها الثقافة الإمبراطورية، يدفعوننا إلى براثن بنيامين نتنياهو؛ "وإلا ابتلعكم السوريون". في هذه الحال، من الأفضل أن يبتلعنا السوريون؛ أم أن يبتلعنا "الإسرائيليون"؟!
السؤال ليس من قبيل الفانتازيا اللغوية، وإنما من صميم الواقع الذي يطبق على صدورنا من كل حدب وصوب.
المصدر نبيه البرجي
زيارة جميع مقالات: نبيه البرجي