حزب (الوقت بدل الضائع)
 

وجدي الصراري

يقدم الحزب الاشتراكي اليمني نفسه الآن بشكل يغاير ما كان يحاول تقديم نفسه به، مع بداية العدوان السعودي المبارك أمريكياً على اليمن، بالرغم من أن هذا التوصيف لا يحمل القدر الكافي من الدقة، فالدقيق يحتاج لفهم أعمق لموقع الحزب في صراع البلد الاجتماعي وما يمثله من (قيمة اجتماعية)، أي قراءة الحزب في حيز تواجده بين النظرية والممارسة.
استمرت قيادة الحزب الاشتراكي، مع بداية العدوان، بترديد كلام مثل (نحن نقدم أنفسنا كقوة ثالثة، نحن ضد العدوان الداخلي والعدوان الخارجي، نحن مع استئناف العملية السياسية) وغيرها... وهم بهذا الكلام يحاولون تجسيد الحياد سلوكاً سياسياً ومنطلقاً لهم في ممارسة العمل السياسي، بعد أن أخذ التناقض الداخلي للبلد شكله العسكري كامتداد لأزمته السياسية وصراعه الاجتماعي، وكانت قواعد الحزب الاجتماعية أحد أطراف هذه المعركة، ووقوداً لها. فما هو الحياد؟ وما هو حياد الحزب؟
يظن البعض أن الحياد موقف ثالث لا علاقة له بأطراف التناقض (الضدين)، وأنه شيء مختلف تماماً عنهما. وهذا خلط كبير جداً.
الحياد ليس موقفاً علمياً بتاتاً، والحزب الاشتراكي ليس محايداً، لأنه لا يعيش في كوكب آخر، وهو يتأثر بالصراع الاجتماعي، وهو جزء منه شاء أم أبى. والحياد في جوهر الأمر انحياز واضح لأحد أطراف الصراع، وبشكل خاص الطرف المعتدي (بقراءة أخلاقية) وصاحب القوة والأفضلية (بقراءة لمجريات الصراع الميدانية من حيث الإمكانيات والثروة)، فهل من الممكن أن نسمي موقف الحياد من صراع (ذئب وحمل) عدم انحياز؟
الحياد هنا انحياز واضح للذئب على حساب الحمل، وموقف واضح ينحاز مع القوي على حساب الضعيف. لهذا فالحياد موقف يخدم أحد أطراف التناقض والنزاع. في بادئ الأمر قدم الحزب الاشتراكي نفسه بهذه الصيغة منحازاً للجلاد على حساب الضحية، ولو بعباءة الحياد، والآن هو يذهب الى الرياض كامتداد لموقفه الذي طرح نفسه فيه منذ البداية، موقف الانحياز الواضح.
هذا التوقيت وهذا الموقف الواضح يكشف أيضاً، وبما لا يدع مجالاً للشك، انسلاخ الحزب عن موقعه الطبيعي، بل وجهله بصالح البلد العام وصالحه الخاص على حدٍّ سواء، وعدم قدرته على قراءة حركة مجتمعه نحو التحرر الوطني وصيرورته التاريخية، وحين نستخدم الجهل كمفهوم هنا نأتي به من باب افتراض حسن النية _ من جهة _ وأيضاً محاولة تجنب ألفاظ مثل (خانوا البلد، وباعوا مستقبله للغازي المستعمر... الخ)، من جهة أخرى. لكن هذا لا يغير من طبيعة الكارثة المستحدثة شيئاً، الحزب في النهاية يخسر كل شيءٍ في هذه اللحظات، انطلاقاً من مكانه الطبيعي وانحيازه للقضية الوطنية، ومروراً بخسارة الخارج والمستعمر الذي يحاول الارتباط به.
لم يكن الحزب الاشتراكي يوماً حليفاً للرياض، ولم يتناسق مع سياساتها، على صعيد تواجده الاجتماعي والطبقي، أو مع أبعادها الأيديولوجية المتطرفة. والشواهد التاريخية كثيرة على ذلك. ولأن الحزب لا يمكن أن يكون حليفاً للرياض، أو بشكل أكثر دقة لا يمكن أن تثق به الرياض (كونه غير مرتبط بها طبقياً واقتصادياً واجتماعياً، وكون الرياض
لم تغير مكانها السياسي والمصالح الامبريالية التي تعمل وكيلة لها)، يبقى مهدداً (أي الحزب)، ويمكن أن تتخلى عنه في أية لحظة.
والرياض، وهي تشن عدوانها على اليمن بحجة إعادة الشرعية، وتستثمر وجود رموز بعض القوى السياسية والاجتماعية فيه وانحيازها له في تدعيم هذه الحجة، هي تقوم بتحطيم المجتمع وتركيبته الداخلية، خصوصاً تركيبة وقواعد القوى المصطفة معها بشكل رئيسي، وهي عندما تسقط محافظة ما وتسميها محررة، تستحدث فيها سلطتين؛ سلطة الاستعمار، وسلطة الإرهاب، وهذا يعني أنها تنسف قواعد القوى السياسية والاجتماعية المنحازة لها، وما تسميه شرعية، عبر تقليص دورها الاجتماعي والسياسي الميداني، وتضعها تحت الركام، ولا نستثني الحزب الاشتراكي هنا. ولا يخفى علينا أنها تضطر للتعامل مع من لهم وزن حقيقي على الأرض، وهم القوى الوطنية المتواجدة للحوار في الكويت، ولو تمكنت الرياض في النهاية من الحصول على تسوية تناسبها مع القوى الوطنية في صنعاء، هذا يجعلنا نتساءل: ما مصير الشرعية؟ وما مصير الحزب الاشتراكي الذي يريد أن يكون شرعياً؟
سيرمون جميعاً في غياهب الجب، فحركة المجتمع وصيرورة حركته باتجاه التحرر الوطني، حتمية، وحينها لن يقبلهم الداخل، ولن يستفيد منهم الخارج.

أترك تعليقاً

التعليقات