التباكي ملاذ الهاربين
 

وجدي الصراري

ما لم يستطع إحداثه صالح في صنعاء لا يمكن أن يحدثه طارق في شبوة أو أحمد في الرياض وأبوظبي، ليس الرجال من يحددون طريق الشعوب وحركة التاريخ، بل الشعوب نفسها عبر احتياجاتها الإنسانية، وفي العادة عبر حاجتها (أي الشعوب) للتطور أو التحرر هي من ترسم الطريق.
وفي نفس السياق الذي يحاول تعظيم معركة صالح في صنعاء وتعظيم هروب طارق إلى شبوة، نقول: يمثل التباكي على صالح أو على زمنه في هذه الأيام ملاذ الهاربين من الواقع واحتدام معاركه، وهو الهروب المنطقي لمن يقول لك (كنا مرتاحين في عهده)، بالطبع أنت كنت مرتاحاً في عهده، لكن (وحدك)، لأنك لا تستطيع النظر أبعد من قدميك حيث تحملانك على استحياء.
لو كان في عهده راحة لما رأيت النار في عيون الجنوبيين تشتعل أكثر من النار التي تراها تحت وجبتك في مطعم (السلتة) الذي تتناول غداءك فيه بعد شروتك لقات أتيت بقيمته من ابتزاز مواطن مسكين يريد أن تسير معاملته بسهولة في مصلحة حكومية تعمل فيها. إن محاولة انسلاخ إخوتك في الجنوب إذا كنت تعتبرهم (إخوة) من هويتهم اليمنية لصالح هوية جنوبية عربية، هو تعبير صريح لتلك (الراحة) التي جسدها لك نظام صالح بالسماح بفساد كهذا يستطيع موظف صغير (مثلك) القيام به في (أطرف) مؤسسة حكومية، ولك أن تقيس هذا الفساد على نطاق أكبر في منظومة الدولة كاملة، التي كان نظامها (يأكل ويؤكل) حسب وجهة نظرك التي تثرثر بها في كل مكان، وفي رؤيتك للأمور حيث لم تتعد قدميك هذه الرؤية كما أشرنا، والصحيح أن نظام صالح كان يأكل ويأكل ويأكل.
ما حصل في الجنوب وفي صعدة من حروب وقتل وجوع هو الراحة التي كنت تلمسها في عهده، والأمان الذي وفره له جيشه الذي لم يخض حرباً وطنية واحدة، وهذا الجيش لم يتسلح أو يتم إعداده إلا لقمع من يعارض سلطة (يأكل ويأكل... حتى التخمة)، بينما الآخرون يتضورون جوعاً، وأنت لا ترى أبعد من قدميك غباءً أو حتى تجاهلاً و(دعممة)، ولو نظرت قليلاً للأفق لرأيت أن البلاد خرابة كبيرة يعاني فيها الناس، خصوصاً في الأرياف، من غياب أبسط الخدمات كالكهرباء والمياه والطرق والمرافق الصحية والتعليمية وغيرها، وبإمكانك بـ200 ريال أن تذهب لترى حي (السنينة) على سبيل المثال، وتشاهد واحداً من أكبر منجزات هذا النظام، مع العلم أن حياً كبيراً كحي السنينة هو أحد أحياء العاصمة التي تعتبر أكثر المدن اليمينة تطوراً عمرانياً وخدمياً.
إن الترحم على عفاش وعلى آله (الحمر) الطيبين الطاهرين، هو نزوع المأزومين للأسهل، كون التفاعل ومواجهة الأزمات والتحديات يحتاج شجاعة أكبر يفتقرون إليها، ويمثل هذا الترحم بالنسبة لهم الحجة دامغة الذكاء التي يرمونها في وجوه الآخرين التواقين للمستقبل والحالمين بالغد الجديد، بينما (الترحم) لا يعبر بصراحة عن أي شيء أكثر من كونهم عاجزين عن الحركة، وكونهم كسالى من جهة، وفاسدين من جهة أخرى، وإذا نظرنا إليها من وجهة نظر أخرى، يمكننا القول إن (سلام الله على عفاش) هي نفسها سلام الله على (علي محسن وهادي وأولاد الشيخ الأحمر)، فلا يمكن أن يكون الزمان جميلاً بدونهم، فهم عترته وأهل بيته، وهم ما لن يضل بعده المأزومون أبداً (الميثاق الوطني وأحمد علي وعائلة صالح). لا يمكن أن يكون كلامكم هذا موضوعياً بتاتاً، فلو كان نظام صالح (صالحاً) ما كانت عناوين تاريخ اليمن المعاصر ثورتا فبراير وسبتمبر، وبعدهما العدوان، الصحيح أن تستيقظوا وتعرفوا جيداً أن المستقبل يحتاج جهودكم لتحرير هذا البلد من النفوذ السعودي، ما يهيئ الأجواء لتحرير القوى العاملة والتنمية الاقتصادية، وما يخص خلافاتكم السياسية والأيديولوجية يمكنكم أن تخوضوها أينما شئتم ومتى شئتم، فبكونكم أحراراً تستطيعون اتخاذ قرارات كهذه مستقبلاً.

أترك تعليقاً

التعليقات