من فريسة إلى مواطن شريف «نحو الأكمل»
 

وليد مانع

وليد مانع / #لا_ميديا -

المرة الوحيدة التي دخلت فيها قسم الشرطة طرفا في خلاف، كانت قبل حوالى 3 أعوام (عفوا! بل كان ثمة مرة سابقة؛ لكنها قديمة وليس فيها ما يستحق الذكر). دخلت القسم رفقة صاحب البيت الذي كنت أستأجره. هو صاحب حق كمالك عقار، وأنا صاحب حق كمواطن ملتزم بكل واجباتي نحو المجتمع والدولة. شعرت بالإشفاق على (بعض) مسؤولي وأفراد قسم الشرطة. كانوا عاجزين عن إنصافي كمستأجر، وأكثر عجزا عن إنصاف "غريمي" كمالك عقار ليس له مصدر دخل غيره؛ ووضع البلد لا يحتمل القانون المعمول به!
حينها "خلع" بعض أفراد الشرطة مسؤوليات بزاتهم الرسمية (المسؤوليات، وليس البزات)، وحملوا بدلا منها مسؤولياتهم الاجتماعية، كمواطنين وأبناء قبائل يمنيين، وأصلحوا بيني وبين "غريمي"!
رغم ذلك بقي انطباعي السيئ عن الشرطة، مؤسسات عموما وأفرادا في بعض الأحيان. فالشرطة في ذهني كانت على الدوام مجرد "غريم" للمواطن، حليف أو متواطئ مع المنحرفين والمجرمين، وجبان رعديد أمام السلاح والبلاطجة.
سجون، تعذيب، ابتزاز... وفقط ضد البسطاء والضعفاء وذوي المسلك المدني! هكذا كان انطباعي عن الشرطة، رغم أنني لم أحتك بمرافق الشرطة كثيرا؛ لكن أحاديث وشكاوى الناس، عموم الناس، هي التي خلقت في نفسي -وماتزال- هذا الانطباع.
ومساء الجمعة الماضي، طالعتنا بعض وسائل الإعلام بخبر "عاجل" مفاده أن ناطق وزارة الداخلية سيتلو -عصر السبت- بيان الوزارة بشأن عملية "فأحبط أعمالهم"، العملية التي تم فيها ضبط خليتين إجراميتين خيانيتين.
لم أعر الأمر أهمية تُذكر... وقلت في سريرتي: لا بيانات تستحق الاهتمام إلا تلك التي توافينا بها عدسات الإعلام الحربي. وحدها تلك البيانات نلمس فيها أفعالا، لا مجرد أقوال وثرثرات مملة!
يكفي الأجهزة الأمنية فخرا ما نراه من اختلاف الوضع الأمني في مناطق السيطرة الوطنية عنه في المناطق والمحافظات المحتلة.
بمقارنة سريعة بين الوضع الأمني في صنعاء وفي عدن، مثلا، نعرف جيدا أن الأجهزة الأمنية في صنعاء تقوم بواجباتها على وجه يكاد يكون كاملا، وبصمت... فما الداعي لبيانات لم نعهد منها إلا الكذب وتزييف الحقائق وتبرير الانتهاكات والمخالفات...؟!
غير أن ما وافانا به ناطق الداخلية، عصر السبت، كان مختلفا عن المعهود!
صحيح أن ما جاء به مايزال ضمن واجبات ومسؤوليات أجهزة الأمن؛ إلا أن الأداء الذي رأيناه يستحق الإشادة والتقدير، سواء ما تضمنه البيان، أم بلاغة صياغته وفصاحة إلقائه... وعلى الأقل بالقياس إلى ما سبق، فإن ما جاء في بيان ناطق الداخلية يستحق أن يوصف بأنه "إبداع" في أداء الواجب على طريق "الوجه الأكمل".
لم نعهد في الخطاب الأمني كل هذا الصدق، ولا مثل هذه المكاشفة، ولا هذه الكفاءة حتى على مستوى اللغة التي صيغ بها البيان، والأسلوب الذي قرئ به.
وفوق كل ذلك، فإن مما يبهر ويبهج في هذا الأمر، أن مسؤولا أمنيا استضافته قناة "المسيرة"، عقب قراءة البيان، للتعليق على ما جاء فيه، قال إن اعترافات المقبوض عليهم المذكورين في البيان، توضح أن أولئك الخونة وجدوا صعوبة شديدة في تجنيد متعاونين معهم، وعلل ذلك بأنه يعود إلى كون اليمني حرا شريفا بطبيعته.
5 أعوام فقط ولمسنا هذا التغيير في الأجهزة الأمنية، لا في مستوى الكفاءة فحسب، بل قبل ذلك وأهم منه، في القيم والتوجهات.
فبعد أن كان المواطن في نظر الأجهزة الأمنية مجرد فريسة، أو متهم، على الدوام... صرنا نجد هذه الأجهزة لا ترى في اليمني إلا حقيقته: حرا شريفاً. 
إلى كل هذا، فإن الأمر مايزال يحتاج من الأجهزة الأمنية أن تصغي إلى الناس أكثر، وتجتهد في الاهتمام بما تسمع من شكاواهم ومعاناتهم، خصوصا حين تكون هي ذاتها موضوع الشكوى!
شكرا لكل من أسهم في "فأحبط أعمالهم". شكرا بيان الداخلية. شكرا لمن قرأه. شكرا لمن علق عليه... ومزيدا من الإنجاز والإبداع.

أترك تعليقاً

التعليقات