أبراج عاجية
 

سيف الدين المجدر

سيف الدين المجدر / لا ميديا -

من خلال تأمّلي في واقع بعض الوزارات في بلادنا وفي مسؤولياتها، أجد أن واقعها العملي لا يتوافق مع مسؤولياتها، مثالاً على ذلك وزارة الإدارة المحلية، التي تعد بمثابة العمود الفقري الذي تعتمد عليه جميع الوزارات الأخرى في الحكومة، ومن أبرز مسؤولياتها تفعيل وإدارة المشاركة المجتمعية في مجتمعاتنا المحلية، والذي يعتبر أهم مبدأ يقوم عليه تحقيق التنمية في أي مجتمع في العالم.
لكن بالنظر إلى واقع هذه الوزارة ومسؤولياتها، نجد أن هناك فجوة كبيرة بينها وبين المجتمع، وتتوسع بسبب الحساسية المركزية في التعامل مع أنشطة ومبادرات ومشاركات المجتمع، فما إن يرى بعض مسؤولي الوزارة أن المجتمع يتوجه إلى إقامة مبادرة تنموية ذاتية حتى يرتفع أمبير الحساسية والمركزية لديهم، فيسعوا إلى إيقافها وعرقلة أي تفاعل مجتمعي تنموي، بحجة أن هذا العمل من اختصاص الدولة ولا يجوز أخذ دورها، وأحياناً يتم إيقافه بوعود زائفة، إما وعود التمويل الحكومي وإما أن الدولة هي التي ستقوم بهذا العمل، فهي وعود تقتل روح المبادرة في المجتمع وتحوله إلى مجتمع منهزم ومستسلم للمعاناة، فاقد للثقة في نفسه وفي الدولة.
إن المسؤولية الصادقة هي استشعار حاجة الناس ومعاناتهم في هذه المرحلة، والسعي لخدمتهم وإشراكهم في التخطيط والتنفيذ عند إقامة أي مشاريع تنموية، ويكون المسؤول فرداً منهم، ولا ينتظر الحكومي ولا يستجدي المنظماتي، وهناك الكثير من هؤلاء الأبطال الذين يسطرون الانتصارات العظيمة على الساحة التنموية.
فالتنمية الحقيقية لن تأتي إلا ببناء المجتمع، وبغير ذلك لن تتحقق أبداً. والسبب في أن كل تلك المشاريع التي نفذت من قبل الدولة بالمليارات، لم يُكتب لها الاستدامة أو يستفيد منها الناس بالشكل المطلوب، هو عدم إشراك المجتمع فعلياً في التنمية وعدم الاهتمام به، لذا ظلت المركزية قائمة حتى وصلت إلى الحد الذي أصبحت فيه عائقاً أمام التنمية الحقيقية والمستدامة.
فمثلا، عملية صيانة بسيطة لأحد الطرقات تحتاج إلى خطط ودراسات وموازنات، كما يرى أصحاب البروج العاجية، واجتماعات تلو اجتماعات، ومعايير دولية، وفي الأخير لا يُنجز شيء. لكن لو أن الإدارة المحلية قامت بدورها المسؤول والحقيقي في تحفيز وتفعيل المجتمع لأنجز ذلك في خلال أيام معدودة.
يبدو البعض وكأنهم غير مدركين لهذه الحرب الشرسة، وهذه الهجمة الوحشية العدوانية التي تشن علينا، ولايزالون في "أبراجهم العاجية". ونتيجةً لذلك تأتي قراراتهم منافيةً تماماً لاحتياجات الواقع المحلي، لذلك هم بحاجة إلى ترك الأبراج العاجية، والنزول إلى الميدان وملامسة واقع الناس.
المفترض أن يستشعر الجميع مسؤوليته ويتحرك في مسار الثورة التنموية بجدية، بعيدا عن التفكير المادي والأناني، وبروحية عالية تؤمن بأن الله قادر على كل شيء.
نجاحات المبادرات المجتمعية الذاتية ليست ضرباً من الخيال، نحن نتحدث عن واقع ملموس، وهناك شواهد عظيمة في الميدان وهناك شواهد تاريخية وتجارب سابقة، المفترض أن ندرك أهمية دور المجتمع في التنمية، وعلينا أن نستجيب لتوجيهات القائد العلم السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي - حفظه الله، فقد وجه بدعم النهضة الزراعية وتحسين الجودة الإنتاجية بالتنسيق مع الجهات الرسمية المعنية، ومنها اللجنة الزراعية العليا، وكذلك وجه بدعم المبادرات المجتمعية الذاتية.
في الأخير نلاحظ أن في بلادنا إدارة محلية شكلية ليست فعلية، تترك تحت أقدامها كل تلك الإمكانيات الهائلة، وبصرها شاخص إلى الأعلى، ولأنها لا تؤمن بالمشاركة المجتمعية الحقيقية، وتغرق في مركزية التفكير القاتلة، أصبحت حجر عثرة أمام العديد من المشاريع التنموية.
ألهذا وجدت الإدارة المحلية؟!

أترك تعليقاً

التعليقات