الانتقال إلى دولة النظام والقانون
 

محمد طاهر أنعم

جاءت فرصة نادرة لليمن لم تتكرر منذ أيام الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي المقتول سنة 1977، بإنشاء دولة النظام والقانون.
كان السبب الرئيسي لمقتل الرئيس الحمدي هو رغبته في تكوين دولة حقيقية في اليمن مثل بقية دول العالم، لا تكون خاضعة لمشايخ القبائل ومراكز النفوذ العسكرية والاقتصادية، والتي نشأت بعد ثورة سبتمبر 62، وتضخمت كثيراً بعد الانقلاب على الرئيس السلال سنة 67.
في فترة الرئيس الإرياني صار مشائخ القبائل يشكلون كانتونات مستقلة في كثير من المحافظات الشمالية، ويرفضون وصول الدولة أو تدخلها في مناطقهم، سواء بيت الأحمر وبيت أبو شوارب في حاشد، أو بيت أبو لحوم وبيت الشايف وغيرهم في بكيل، والكثير أمثالهم في مأرب وذمار وصعدة.
دخلت الدولة حينها في مرحلة موت سريري، أسهم فيه مشاركة النظام السعودي بخبث منقطع النظير في دعم أولئك المشائخ وتوفير الأموال الهائلة لهم نكاية في النظام الجمهوري، الذي صار حقيقة لا مهرب منها في اليمن رغم كل محاولات بني سعود في مرحلة الستينيات من القرن الماضي.
ولاحقاً صارت هذه هي السياسة الرئيسية للنظام السعودي في اليمن، والتي أنشئت من أجلها اللجنة الخاصة السعودية التابعة لرئاسة الوزراء هناك، وتم تعيين الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع السعودي السابق، رئيساً لها حتى وفاته، والتي توفر رواتب لمئات المشائخ والعسكريين اليمنيين، لجعلهم مستقلين عن الدولة اليمنية، ومتمردين عليها.
عرف اليمنيون في تلك الفترة والفترات اللاحقة أن الدولة تنتهي تماماً بعد الخروج من مدينة صنعاء لمسافة 10 كيلومترات فقط، وتبدأ حينها سلطة القبائل التي لا تستطيع الدولة أن ترسل طقماً أو جنوداً لها، والسبب أن كل قبيلة لديها من المسلحين والميليشيا والأسلحة الثقيلة ما يمكنهم مواجهة الدولة لفترات طويلة، والسبب كله دعم اللجنة الخاصة السعودية لمراكز النفوذ تلك التي تهدد الدولة.
قام الرئيس الحمدي بانقلاب سنة 1974 كحركة تصحيح لإنقاذ الدولة اليمنية وإعادة الاعتبار لها، وتعرض لمواجهات عنيفة وتشويه مركز من مراكز النفوذ القبلية والعسكرية، وكذلك من الجماعات المتحالفة معها مثل جماعة الإخوان المسلمين.
استطاع الرئيس الحمدي حينها تقوية الدولة وإضعاف مراكز النفوذ، ولكنها تآمرت عليه واستهدفته، وتعاونت مع السلطة السعودية لاغتياله بعد 3 سنوات، للتخلص منه.
وجاء بعده الرئيس الغشمي ثم الرئيس صالح ثم الرئيس هادي، والذين تعمقت في عهودهم سلطة مراكز النفوذ، وضعفت الدولة وتراجعت، وانتشر الفساد والفشل وتضييع الأموال والهدر على تلك المراكز للنفوذ.
اليوم جاءت فرصة كبيرة لإضعاف مراكز النفوذ تلك بعد إسقاط أكبر مراكز النفوذ في حاشد وسنحان، وجعلها مثالاً وعبرة لبقية مراكز النفوذ في كل القبائل والتجمعات والشلل العسكرية.
لا يجوز تضييع هذه الفرصة التاريخية، مهما ضغطت السعودية وعملاؤها في الخارج والداخل.

أترك تعليقاً

التعليقات