على حب الحُسَيْن يجتمع المسلمون
 

د. فضل الصباحي

د. فضل الصباحي / لا ميديا -
الخطاب الديني بين المسلمين يجب أن يمهّد لمرحلة جديدة من الانفتاح بين المذاهب والطوائف الإسلامية، بعيداً عن خطاب الكراهية والتعصب. والخلافات البسيطة لم تمنع الأمة الإسلامية بمختلف مذاهبها وطوائفها من الإجماع على حب الإمام الحُسَيْن (عليه السلام) الذي يعتبره المسلمون جميعاً مدرسة في الحق والعدل والتضحية والإيمان الصادق. ومن يخرج عن هذا النهج من المسلمين، سنّة وشيعة، فليس له من حب الحُسَيْن شيء.
في يوم عاشوراء صعدت روح الحسَيْن (عليه السلام) إلى ربها عندما وصل الحقد البشري الذي حركته الأطماع الدنيوية البعيدة عن الدين والأخلاق والقيم الإنسانية التي تُرِيد الدنيا ومتاعها على حساب دماء بيت النبوة أصحاب الحق والزعامة الحقيقية في الدين والدنيا ملوك التقوى والخير والسقاية وإكرام الضيف ومساعدة الفقراء والمحتاجين ونصرة المظلومين.
يوم عاشوراء، تظاهرة سنوية لم يشهد التاريخ مثيلاً لها. تهتز لذكرى الحُسَيْن المدن والساحات والقرى والشعاب حزناً على عليه. رحل الرسل والزعماء والملوك والقادة العظام ولا يذكرهم إلَّا القليل؛ ولكن للحسين مع المسلمين والإنسانية موقف آخر؛ إذ إنه يمثلُ جرح بيت النبوة ومثال التضحية والفداء ومدرسة الحياة الكريمة، ورمز المسلم الساجد العابد، القرآن الذي يمشي على الأرض، يمثل قدوة الأخلاق الإنسانية وقيمها ومقياس الحق فيها، صاحب الوجه الذي تشع منه أنوار النبوة ورثها عن جده النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
لقد تغير تاريخ البشرية عندما سالت دماء بيت النبوة يتقدمهم سيد شباب أهل الجنة وابن ريحانة رسول الله الإمام الحُسَيْن (عليه السلام)، الذي انتصر على قاتليه بأشرف ما في النفس الإنسانية من غيرة على الحق وكراهية للنفاق والباطل والمداراة، وانتصر قاتله يزيد ابن معاوية ابن أبي سفيان بأرذل ما في النفس الإنسانية من جشع ومراء وخنوع لصَغَار المتع والأهواء.
يقول عباس محمود العقاد: “ثورة الحُسَيْن واحدة من الثورات الفريدة في التاريخ لم يظهر نظير لها حتى الآن في مجال الدعوات الدينية أو الثورات السياسية، فلم تدم الدولة الأموية بعدها حتى بقدر عمر الإنسان الطبيعي، ولم يمضِ من تاريخ ثورة الحُسَيْن حتّى سقوطها أكثر من ستين سنة”.
بعد مرور ألف وأربعمائة سنة ما يزال الحُسَيْن يشكل نموذجاً فريداً في إلهام القادة العظام من مختلف الديانات، الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية وغير ذلك من الحركات التحررية في العالم!
لقد كان الإمام الحُسَيْن (عليه السلام) ملهماً ومدرسة ثورية للزعماء والقادة والمفكرين والأحرار، إذ وصفه الزعيم الروحي للهند المهاتما غاندي بالقول: “تعلمت من الحُسَيْن كيف أكون مظلوماً فأنتصر. لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحُسَيْن، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء، واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الحسين”.
ووصف الأديب الألماني يوهان جوته مأساة الحُسَيْن بقوله: “إن مأساة الحُسَيْن هي مأساة للضمير الإنساني كله، وإن الحسين جسد الضمير الإنساني بدفاعه عن القيم والمثل الإنسانية الرفيعة”.
وقال المستشرق الألماني ماربين: “قدّم الحُسَيْن للعالم درساً في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيته، وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهم. لقد أثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر أن الظلم والجور لا دوام له، وأن صرح الظلم مهما بدا راسخاً وهائلاً في الظاهر إلّا أنه لا يعدو أن يكون أمام الحق والحقيقة إلا كريشة في مهب الريح”.
الخلاصة: لو فهم علماء المسلمين حقيقة مظلومية الإمام الحُسَيْن وبشاعة الفعل الذي اقترفه يزيد ابن معاوية ومن نفذ وتآمر ورضي بقتل الحُسَيْن لما استمر الخلاف حتى الآن، لكنه الكبر الذي أصاب بعض علماء الأمة الذين كانوا يجهلون مكانة الحسين وآل بيت رسول الله، وغذى ذلك الفهم الخاطئ أعداء الأمة، لذلك فإن المسلمين جميعاً، سُنّة وشيعة، بحاجة ماسة إلى تفهم بعضهم، وتحكيم العقل وتجاوز الخلافات ونبذ الطائفية وعدم الانجرار خلف المخططات الغربية التي تهدف إلى تمزيق وحدة المسلمين ونشر الفتنة والكراهية وإشعال الحروب بينهم.
الصراع الشيعى السُنّى بركان مرعب وانفجاره سيدمر العالم الإسلامي، والمستفيد هو العدو المشترك للمسلمين الأمريكان والغرب والصهيونية العالمية.

أترك تعليقاً

التعليقات