الآراء الكـلاميــة والسياسيــة للإمــام زيـد بـن علـي في الإمامــة والسيـاســة (الحلقة الأخيرة)
- فؤاد علي الزريقي الثلاثاء , 21 مـايـو , 2019 الساعة 11:54:35 PM
- 0 تعليقات
فؤاد علي الزريقي / لا ميديا -
1) جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل:
يرى زيد بن علي أن علي بن أبي طالب كان أفضل الصحابة بعد الرسول "إلَّا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها وقاعدة دينية راعوها من تسكين فائرة الفتنة وتطبيب قلوب العامة، فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريباً، وسيف أمير المؤمنين علي عن دماء المشركين من قريش وغيرهم لم يجف بعد، والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي، فيما كانت القلوب تميل إليه كل الميل، ولا تنقاد له الرقاب كل الانقياد، فكانت المصلحة أن يكون القائم بهذا الشأن من عرفوه باللين والتؤدة والتقدم بالسن والسبق في الإسلام والقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم". ومع اعتقاد زيد أن علياً أفضل الصحابة، إلا أنه لم يعتبرهما مغتصبين للخلافة، لأن الخلافة فوضت لهما لمصلحة المسلمين. ويفسر موقف زيد هذا الدكتور النشار بأنه "لتبرير موقف جده علي من خلافة أبي بكر وعمر تبريراً واقعياً".
المهم أن زيداً يرى أن المصلحة هي أساس الأفضلية في تولي الخلافة، فالأفضلية ليست ملازمة للخلافة، لأن الخلافة اختيار للأقدر على تحمل العبء، والذي لا تؤدي خلافته إلى فتنة، والاختيار يكون بالشورى، تجوز للأصلح، واشتراط زيد أن يكون الإمام فاطمياً هو شرط أفضلية، إذ يرى أنه يجوز لأهل الحل والعقد أن يختاروا إماماً غير فاطمي منهم، بشرط أن تستدعي مصلحة المسلمين ذلك، ولكن يجب اختيار الفاطمي إذا لم تستدعِ المصلحة غيره، لأنه أفضل. ويرى الشيخ أبو زهرة "أن أهل السنة الذين أخذوا بإمامة المفضول مع وجود الأفضل، لم يروا رأي الشيعة في أن أبناء علي من فاطمة أفضل دائماً، ولكنهم قالوا ذلك فقط كقاعدة عامة في التولية من قريش، الذي هو مذهب أهل السنة".
وهكذا نرى أن زيد بن علي أعاد أمر المسلمين إليهم، ونلاحظ أن زيداً مع تولية الشيخين لم يتطرق إلى خلافة عثمان، إذ إنه لم يقل بشرعيتها، ولم يدنها في نفس الوقت.
2) الخروج:
يعتبر الخروج أهم مبادئ زيد بن علي في الإمامة والسياسة، وشرطاً أساسياً لاستحقاق الإمامة، وقد تمسكت كل الفرق الزيدية بهذا المبدأ، يقول الشهرستاني: "جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم شجاع سخي خرج بالإمامة، أن يكون إماماً واجب الطاعة، سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين". فزيد بن علي يرى أن خروج الإمام شاهراً سيفه على الدولة الظالمة، شرط لاستحقاقه الإمامة، وفي حالة السلم يرى زيد أن من يرى بنفسه الكفاءة من البيت الفاطمي لشغل منصب الإمامة، أن يظهر نفسه، ويعلن رغبته حتى يرى أهل الحل والعقد إذا ما كان صالحاً للإمامة بعد مقارنته بالمرشحين الآخرين.
ولكن لماذا اشترط زيد أن الإمامة في أولاد فاطمة، ولا يجوز إمام من غيرهم؟ لأن "أبناء فاطمة هم أقرب الناس بنسبهم الطاهر إلى العدالة والسخاء والشجاعة، وأنهم بنسبهم إلى فاطمة الزهراء سيصبحون أكثر من غيرهم عمود الدين وسند الإسلام". ويرى د. صبحي أن اشتراط زيد كون الإمام فاطمياً ليس بدافع من "عصبية لأبناء فاطمة الزهراء، وإنما لكي لا يتصدر لقيادة الثورات أفراد يسبون علياً ويكفرونه كالخوارج، أو يذمونه ويلعنونه كابن الزبير، فضلاً عن أن يظل لواء مقاومة الظلم معقوداً لآل البيت".
جواز خروج إمامين في قطرين في وقت واحد
يرى زيد جواز خروج إمامين في قطرين في وقت واحد "ويكون كل منهما واجب الطاعة في بلده، على أن يكون الأمر لأكفئهما وأولاهما بالإمامة بعد تقويض دولة الظلم". ويرى د. صبحي أن زيداً قرر هذا المبدأ قاصداً "أن تتعدد الثورات في الأقاليم، فتعجز السلطات الغاشمة القائمة عن مواجهتها معاً، فيكون ذلك أدعى إلى انتصارها".
ولكن يرى الشيخ أبو زهرة أن ما دفع زيداً لإقرار هذا المبدأ هو "ما لاحظه في عهده من اتساع رقعة الدولة الإسلامية، فقد امتدت من سمرقند إلى الأندلس وإلى جنوب فرنسا، وأن المصلحة في تجزئة الحكم، على أن يكون الولاء كاملاً والتعاون شاملاً". ويذهب د. النشار إلى أن المبدأ "وضعته الزيدية الذين تابعوا الإمامين محمداً وإبراهيم ابني عبدالله بن الحسن، في ثورتهما على المنصور"، ولكن لم يورد الدكتور النشار ما يؤكد ما ذهب إليه. ويلاحظ أن أهل السنة يرون أنه "لا تصح الإمامة إلا لواحد في جميع أرض الإسلام، إلا أن يكون بين الصفين حاجز من بحر أو عدو لا يطاق، ولم يقدر أهل كل واحد من الصفين على نصرة أهل الصف الآخر". ويشترط علماء المذهب الزيدي لتطبيق هذا المبدأ، ألا يكون هناك إمام مختار من أهل الحل والعقد، شملت ولايته الأقاليم، لأنه إذا سبق بالولاية إمام مستوفٍ للشروط يكون الثاني الخارج باغياً، ويحل دمه تطبيقاً لقول الرسول: "من جاءكم وأمركم على رجل واحد فاقتلوه".
الفرق الزيدية
استمرت آراء زيد بن علي السياسية بعد استشهاده، وتبلورت في الفرق الزيدية "وهي أصناف ثلاثة: جارودية وسليمانية وبترية، والصالحية منهم والبترية على مذهب واحد".
يقول جولد تسهير: "ونلاحظ أن الفرق الزيدية على الأخص هي في تفصيلات مذهبها أوثق صلة بتعاليم المعتزلة بدرجة أعظم من الفرق الإسلامية". والحقيقة أن التشيع الزيدي يمثل اتجاهاً وسطاً بين أهل السنة، وفرق الشيعة، لاسيما الاثني عشرية والإسماعيلية. وسوف أناقش هذه الفرق الزيدية الثلاث: الصالحية والسليمانية والجارودية، باختصار شديد.
أولاً: الصالحية:
تنسب إلى الحسين بن صالح الهمداني المتوفى عام 168هـ، وكان فقيهاً متكلماً، كما أنه شخصية موثوقة من قبل أهل السنة، إذ أخرج له مسلم والبخاري. خرج مع زيد، وبعد استشهاده رافق ابنه عيسى. كما أن هناك شخصية أخرى تنسب إليها الفرقة، هو إسماعيل بن نافع النواء الملقب بالأبتر، ولهذا تسمى الصالحية أحياناً البترية، وتعتبر هذه الفرقة من أكثر الفرق الزيدية تأثراً بالاعتزال. يقول الشهرستاني عنها: "أما في الأصول فيرون رأي المعتزلة حذو القذة بالغدة"، ويصفهم الملطي بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقولون بالعدل والتوحيد، كما أنهم "أحسن حالاً عند أهل السنة من أصحاب سليمان بن جرير". والصالحية في الحقيقة تعتبر أكثر الفرق الزيدية اعتدالاً وقرباً من آراء أهل السنة، وهي تعتبر حلقة وصل بين السنة والشيعة.
مبادئ الصالحية
1) إمامة المفضول مع وجود
الأفضل إذا كان راضياً:
ترى الصالحية أن علياً هو أفضل الناس بعد الرسول، ولكنه سلم بالأمر راضياً عند انتخاب المسلمين للصديق خليفة الرسول، ويقولون: "ولو لم يرضَ علي بذلك لكان أبو بكر هالكاً"، ولهذا، فالصالحية يقولون إنهم راضون ومسلمون بخلافة الشيخين، ولكن موقفهم من عثمان كان مرجئياً، إذ يقولون إنهم حائرون بين مواقفه العظيمة في الإسلام وأخطائه في مدة خلافته، لهذا قالوا: "تحيرنا في أمره وترفقنا في حاله ووكلناه إلى أحكم الحاكمين". ويرى أبو زهرة أنهم يخالفون زيداً في مبدئهم إمامة المفضول مع وجود الأفضل إذا كان راضياً، لأن زيداً يرى أن "المصلحة العامة للمسلمين هي شرط جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل، وليس رضا الأفضل".
2) أفكار التقية:
ترى الصالحية أنه لا يكون إماماً من يفتي بالباطل، وميزوا ذلك بالخوف من الظالمين، فالإمام يجب عليه أن يفتي دائماً بالحق، لأنه إذا كان يفتي أحياناً عن تقية، فهذا يؤدي إلى البلبلة عند الناس لعدم تمييزهم بين الرأي الصادق والرأي الصادر عن تقية، فهم يرفضون الإمام المنغلق على نفسه. وقد تعرض الصالحية لإنكارهم التقية لهجوم أشياع الصادق الذين يتبعون إمامهم القائل بالتقية، ويقول النشار إن الصادق برر التقية وقال: "التقية ديني ودين آبائي".
ترى الصالحية أن "من شهر سيفه من أولاد الحسن بن علي رضي الله عنهما، وكان عالماً، زاهداً، شجاعاً، فهو الإمام. وشرط بعضهم صباحة الوجه". وإن خرج منها إمامان وجدت فيهما الشروط، ينظر إلى الأفضل والأزهد، فإن تساويا ينظر إلى الأمتن رأياً والأحزم أمراً، وإذا خرج إمامان في قطرين "انفرد كل واحد منهما بقطره، ويكون واجب الطاعة في قومه، ولو أفتى أحدهما بخلاف ما يفتي الآخر، كان كل واحد منهما مصيباً. وإن أفتى باستحلال دم الإمام الآخر"، وهذا مبدأ غيب لأنه سوف يؤدي إلى أن يستحل كل فريق من المسلمين دم الآخر لمجرد اختلاف أئمتهم، وقد وصف الشهرستاني مبدأهم هذا على "أنه خبط عظيم".
ثانياً: السليمانية:
تنسب إلى سليمان بن جرير. ظهر أيام أبي جعفر المنصور، وكان من أتباع جعفر الصادق، ولكنه انفصل عنه لتمسك الصادق بالتقية وقوله بالبداء. ويقول البغدادي: "وأهل السنة يكفرون سليمان بن جرير من أجل أنه كفر عثمان رضي الله عنه".
مبادئ السليمانية
1) جواز إمامة المفضول مع
وجود الأفضل:
ترى السليمانية أن الإمامة شورى "وأنها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين، وأنها قد تصلح في المفضول، وإن كان الفاضل أفضل في كل حال". وترى السليمانية أن الأمة أخطأت في البيعة للصديق والخطاب مع وجود علي بن أبي طالب الأفضل، ولكن هذا الرأي اجتهادي ولا يصل الى درجة الفسق. وهذا الرأي قريب من رأي إحدى الفرق الزيدية الصغيرة، وهي النعيمية نسبة الى نعيم بن اليمان "الذي ذهب إلى أن الأمة ليست بمخطئة خطأ إثم في أن ولت أبا بكر وعمر رضوان الله عنهما، ولكنها مخطئة خطأ بيناً في ترك الأفضل". ولكن سليمان بن جرير طعن في عثمان رضي الله عنه، للأحداث التي أحدثها.
2) إنكار التقية:
طعن سليمان في الإمامية لاعتناق أئمتهم مبدأ التقية، إذ إن هؤلاء الأئمة، ولاسيما الصادق، كانوا يجيبون شيعتهم في مسائل جوهرية في الدين عن تقية خشية الحكام.
ولاحظ شيعتهم أن هناك تناقضات في أجوبة الأئمة على المسألة الواحدة. كما لاحظوا الجواب الواحد على مسائل متعددة ومتناقضة، ولما استفسروا أئمتهم أجابوا أن جوابهم يكون في أكثرها عن تقية، وأن هذا حق لهم. ولكن سليمان أنكر هذا عليهم، لأنه يجعل شيعتهم لا يعرفون متى يكون أئمتهم يفتون عن صدق، ومتى يفتون عن تقية، ويجعل هذا من الأئمة أشخاصاً لا يعرفون لهم حقاً عن باطل، فانشق عن الإمامية، وأصبح زيدياً لرفض الزيدية مبدأ التقية.
ثالثاً: الجارودية:
تنسب إلى أبي النجم زياد بن المنذر الملقب بالجارود، المتوفى عام 150هـ تقريباً. كان من الشيعة الإمامية قبل انفصاله عنها، ولهذا، حملت آراؤه رواسب كثيرة من أفكار الشيعة الإمامية.
مبادئ الجارودية
1) الخروج:
يرى الجارود أن كل إمام فاطمي شجاع خرج وقام بالدعوة لنفسه، فهو الإمام، ولا تكون الإمامة إلا في أولاد فاطمة "وهم كلهم فيها شرع سواء من قام منهم ودعا لنفسه، فهو الإمام المفروض الطاعة بمنزلة علي بن أبي طالب، واجبة إمامته من الله عز وجل على أهل بيته وسائر الناس كلهم". واعترض على الباقر والصادق لعدم خروجهما، وانعزالهما عن الناس "ومن ادعى منهم الإمامة وهو قاعد في بيته مرخى عليه ستره، فهو باطل، وكل من اتبعه على ذلك ومن قال بإمامته". ولعنه الباقر وسماه سرحوب "أي شيطان أعمى يسكن البحر". كما لعنه الصادق وقال إنه "أعمى القلب والبصيرة". وقد ساق الجارود الإمامة من علي، إلى الحسن ثم الحسين ثم زين العابدين، ومنه إلى زيد بن علي، ومنه الى محمد أبي النفس الزكية، متجاوزاً الباقر والصادق لعدم خروجهما.
2) النص على علي بن أبي طالب
بالوصف دون التسمية:
يرى الجارود أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نصَّ على علي رضي الله عنه "بالوصف دون التسمية، وهو الإمام بعده، والناس قصروا حيث لم يتعرفوا الوصف ولم يطلبوا الموصوف، وإنما نسبوا أبا بكر باختيارهم، فاختلفوا بذلك". ولم يشر زيد بن علي إلى فكرة نص النبي "صلى الله عليه وسلم" على إمامة علي بعده، وفكرة النص الذي أورده الجارود هي نتاج تأثره بالشيعة الإمامية قبل اعتناقه الزيدية.. يقول د. صبحي: "إن فكرة النص الخفي بالوصف دون التسمية، هي أكثر أفكار الجارودية قبولاً لدى كثير من الزيدية". وقد رفضت الشيعة الإمامية القائلة بالنص الجلي، فكرة النص الخفي "الجارودية"، كما رفضها السنة الذين يرفضون فكرة النص، الإيصاء جملة وتفصيلاً. يقول الهيثمي: "ولقد سأله العباس أن يبايعه «أي عم علي» فلم يقبل، ولو علم نصاً عليه لقبل". ويذهب الجارود إلى "أن الناس قصروا حيث لم يتعرفوا الوصف، ولم يطلبوا الموصوف".
3) العلم السري:
نسبت الجارودية العلوم السرية إلى أئمة آل البيت، وأن علمهم "كعلم النبي، فيحصل لهم العلم قبل التعليم فطرة وضرورة، بل فهم متساوون فيه من المهد"، وأنه "لا يحتاج إلى تعليم أحد منهم ولا من غيرهم". وجعل الإمام عنصراً أبستمولوجياً يدل على تخلي الفرق الزيدية المتأخرة عن النسق الفكري لزيد بن علي ذي الطابع العقلاني، ولذا اتهم الملطي الجارودية في الفترة الأخيرة بأنها قالت بالمهدية، بل ذهب إلى أنها قالت بالثنوية والزرادشتية، كما يقول د. النشار، ولكن النشار يرى أنه "من المحتمل أن الجارودية قد انصهرت في الإمامية".
المصدر فؤاد علي الزريقي
زيارة جميع مقالات: فؤاد علي الزريقي