ربيع صيني مقابل خريف أميركي
 

غالب المقدم

غالب المقدم / لا ميديا -

يبدو أن الصراع بين أميركا والصين، على منطقة الشرق الأوسط، استحواذاً واستفراداً، بدأ يرسم ملامحه بما تفرضه أميركا من عقوبات اقتصادية على شركة "هواوي" الصينية العملاقة؛ وذلك ليس سوى رأس جبل الجليد في الصراع القادم بين التنين الصيني والولايات المتحدة الأميركية، فالحرب الاقتصادية لها أوجه عدة، ولها ميادينها الخاصة، وهي التي تسحب البساط من سابقاتها من الحروب، لجهة أهميتها في هذا النزاع، وهي أيضاً التي ترسم ملامح الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط.
وما يحدث الآن ناتج عن تفاعل كبير كان يختمر منذُ عقود، فالصراع السياسي يظل قائماً في أروقة السياسة، وما ينتقل إلى الميادين إلا المشاهد الأخيرة منه.
فلو نظرنا إلى ما يحدث الآن، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، في منطقتنا المشتعلة بالحريق، لبدا للناظر أنها حروب عبثية، وأنها لا تحقق شيئاً، إلا مزيداً من نزيف الدم لشعوبنا. ولكن لو تمعنا بنظرة فاحصة، وقرأنا المشهد السياسي العام قراءة عميقة، سنجد صراع استحواذ وسيطرة استراتيجية.
وما يرعب أميركا حالياً هو النشاط الصيني الذي بات يقض مضجعها، والذي يحاول ربط أوروبا بآسيا براً، وآسيا وأفريقيا وأوروبا بحراً، عبر المشروع الاستراتيجي "طريق الحرير".
وكل ما تفرضه أميركا من عقوبات على الصين هو محاولات عرقلة للمشروع الصيني الكبير الذي تشعر أميركا بأنه يستهدف إزاحة وجودها في المنطقة، لأن ملامح الخريف الأميركي بادئة الظهور، بينما ربيع الصين يبشر بالقدوم.
فلماذا تصر أميركا على إبقاء منطقة الشرق الأوسط على صفيح ساخن؟! ولماذا بالذات تأجيج النار في كل من العراق وسوريا واليمن، وإدخال هذه الدول في أتون حروب لا منتهية؟!
أليس ذلك لأن عوامل الجغرافيا التي تمتلكها هذه البلدان مهمة للمشروع الصيني، ويريد ربطها ببعض؟! أيضاً وهو الأهم، لأنها قررت التحرر والخروج عن سيطرة الكابوس الأميركي الجاثم عليها منذُ عقود. محاولة الانفتاح على العالم بما يثمر، ويجعلها قادرة على مواكبة تغيرات المناخ السياسي والاقتصادي. قررت واشنطن حرقها بأيادي أدواتها بني سعود وعيال زايد، وتشظيها دون فقدان أية خسائر، بل بمزيد من الأرباح في ناتج الدخل القومي الأميركي، من خلال بيع الأسلحة لأنظمة الخليج، وعلى رأسها مملكة بني سعود، التي تقتل الشعوب العربية، وفي مقدمتهم الشعب اليمني.
ولكن يبقى السؤال: ما القيمة التي تمثلها اليمن حتى تصر أميركا على استمرارية الصراع؟! وأين موقعنا من كل هذا الصراع؟! ولماذا هذا الإصرار على إبقائنا في فوهة البركان؟
أستطيع أن أرد على هذه الأسئلة بالقول: إن جغرافية بلادنا هي محور ارتكاز في الصراع القادم، وخاصة إذا استطعنا أن نحرر مناطقنا المحتلة من أيادي النفوذ الأميركي (السعودية والإمارات)، حينها نستطيع مواكبة المرحلة المقبلة، ولعب دور هام في صناعة تقرير المصير والتحرر العربي في منطقة شبه الجزيرة العربية. وهذا ما تخشاه أميركا على "إسرائيل" أولاً، وثانياً لأنها تعلم أن استراتيجية الصراع تغيرت، وثالثاً ـوهو الأهم- أن الولايات المتحدة تدرك أن الاقتصاد والتكنولوجيا هما مرتكزات الصراع الجديد، وليس النفط، ولهذا فإن الأهمية التي كانت تمتلكها دول الخليج بدأت تفقدها بسبب تغير اتجاه الصراع، واليمن شارعة بها، وموقعها الاستراتيجي يمكنها من تعزيز قدرتها على أن تلعب دوراً هاماً في الملاحة البحرية الإقليمية والدولية، وحماية وتأمين خطوطها، الدور الذي غُيب منذُ اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، الذي عقد مؤتمر حماية مياه البحر الأحمر، عام 1976 م، ومعه اغتيل مشروع اليمن الكبير، الذي بدوره يلغي دور مدن الملح والزجاج، وها هو الآن الشعب اليمني ينفض من جديد غبار الوصاية السعودية الأميركية، بعد أن كسر مخططاتها بصموده الأسطوري الفريد في مواجهة عدوانها العسكري بالدرجة الأولى، وكما كسرهم أول مرة فإن هذا الشعب قادر أن يكسرهم ألف مرة.
أعود من جديد إلى الصين، التي أصبح نموها الاقتصادي المتزايد الهاجس الوحيد الذي بات يزعج الهدوء الأميركي في المنطقة.
وبما أن الحرب هي حرب اقتصادية مستعرة، لكلا الطرفين، فأين نحن من كل ما يجري؟! باعتقادي أن كلتا الدولتين تتمتعان بنفس عميق في الصراع، ولديها من الحلفاء والمصالح في كافة القارات، وإذا ما استمر هذا الصراع على هذا النحو فقد يكون مكلفاً لكلتيهما، وغير معروف أو متوقع مَن مِن الطرفين يستطيع الخروج منتصراً. ولأن الحلول هي أهون الشرور، فمن الممكن أن يجلسا ويتشاورا من جديد في سبيل إيجاد حلول ترضيهما، ومربحة لكليهما، خشية دفع ثمن باهظ لا حاجة إلى دفعه في الوقت الراهن.
ولكن يظل السؤال الذي يحير الكثيرين: هل صدام بكين مع واشنطن سيأتي بانفراجة تستنهض الشعوب، وتخرجها من الهيمنة الأميركية، أم ستظل هذه الشعوب في سباتها كما هو حاصل الآن؟!

أترك تعليقاً

التعليقات