د. وفيق إبراهيم

د. وفيق إبراهيم / لا ميديا -

لم يعُد لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلا الحرب مع إيران وسيلة للبقاء رئيساً للأمريكيين لمدة أطول.
هناك مشكلة أساسية تعترضه، وهي أن السماح له بإعلان الحرب يحتاج إلى موافقة مسبقة من الكونغرس الأمريكي، الذي يضم مجلسي النواب والشيوخ. الأمر مستحيل في ظل التوازنات الموجودة حالياً ضمن هذا المجلس.
فما العمل أمام ترامب وتكاد المخارج أمامه تقفل الواحد تلو الآخر؟! فبعد أسبوعين فقط سيجد نفسه مرغماً على مغادرة البيت الأبيض للاختباء في واحد من منازله أو أنديته الرياضيّة المتناثرة في أكثر من ولاية.
هناك -إذن- 3 احتمالات كي يمتلك ترامب فرصة الذهاب إلى حرب مع إيران من دون إذن مسبق من الكونغرس؛ الاحتمال الأول: أن تهاجم قوات إيرانية قوات أمريكية في أي مكان، والاحتمال الثاني: أن تتعرض قوات حليفة للأمريكيين في الخليج تحديداً لهجمات إيرانية، فتجد القوات الأمريكية القريبة من المكان نفسها مضطرة للهجوم، ما يتسبّب باتساع رقعة الحرب.
اما الاحتمال الثالث فيتعلق باندلاع حرب إيرانية ـ «إسرائيلية»، إذ تبدو «إسرائيل» الحليف الأساسي للأمريكيين في الشرق الأوسط، محشورة ضمن جبهات لبنانية وسورية وفلسطينية في غزة والضفة الغربيّة مع قصف إضافي إيراني قد يشبه نيران جهنم.
فأي من هذا الاحتمالات هو الأقرب؟! وهل أصبحت الحرب ممكنة فعلاً؟! لا شك في أن السبل ضاقت في وجه ترامب، وأصبح التمنع عن تلبية أوامره في المؤسسات الأمنية والعسكرية والدستورية كبيراً. ويقال إن السادس من هذا الشهر (6 يناير) موعد تثبيت الرئيس الناجح بايدن في موقعه الرئاسيّ هو الحد النهائي لعنجهيّات ترامب.
أما الاحتمال القادر على كسر هذا الانسداد، فهو اندلاع حرب إيرانية مع الإمارات والسعودية. ومع هذا الاحتمال قد لا يتأخر الكونغرس في الطلب السريع من الجيش الأمريكي إسناد حلفاء أمريكا بشكل فعلي، لاسيما أن الخليج مستمرّ في أداء دور البقرة الأمريكيّة الحلوب لنصف قرن مقبل. وما إعلان السعودية مؤخراً عن سلسلة اكتشافات لآبار في مناطق سعودية مختلفة من الغاز والنفط إلا وسيلة لتثبيت الأمريكيّين عند خطوة حماية مملكة بني سعود.
يمكن هنا إضافة التوتر الذي اندلع منذ أيام عدة بين إيران والإمارات على جزر أبوموسى وجوارها المتنازع عليها بين البلدين لدخول الأمريكيين الحرب على إيران.
كما أن الأمريكيين لن يتأخروا في إعلان الحرب على إيران إذا اشتبكت مع الكيان «الإسرائيلي»… لكن حظوظ ترامب في هذا السياق ضعيفة، لأن الإمارات والسعودية تخشيان حرباً فعلية قد يطول زمانها، أو ترتدي أشكالاً استنزافية تلتهم استقرار نظاميهما.
لجهة «إسرائيل»، فهي مع تدمير كامل لإيران عن بكرة أبيها، وتعرف أن هذا الأمر يحتاج إلى إسناد أمريكي، لكنها تخشى أن يطول الحسم مع تدخل فلسطيني وازن في غزة والضفة الغربية وأراضي 1948، خصوصاً بعدما ثبت لها وجود علاقات بين مجموعات من فلسطينيي الكيان المحتل مع إيران، وأصبحوا مسلحين على شكل مجموعات متفرّقة قادرة على الإرباك وتعميم شكل داخلي وازن يرتد بسرعة لمصلحة إيران وتحالفاتها في حروبهم مع الكيان المحتل.
ماذا تعني هذه الاحتمالات؟! تعلن بجهوزية قلّ نظيرها. الزمان القديم انتهى إلى غير رجعة، ولم يعد بالإمكان مفاجأة القوى العربية على حين غرة، كما حدث في حروب 1967، والجزء الثاني في 1973م، واختراقات الحدود التي لم تكن تنتهي قبل نجاح حزب الله بابتكار أساليب مجابهة جعلت جيش العدو «الإسرائيلي» يفكر ألف مرة قبل إدخال ولو جندي واحد إلى الأراضي اللبنانية. أما حكايات الصدامات الفجائيّة بين بوارج عسكريّة أو طائرات فإنها سرعان ما ستتسع لتدرك تدحرجاً في مستوى الحروب المطلوبة ترامبياً.
بالاستنتاج فإن إمكانية اندلاع هذه الحروب ضعيفة إن لم تكن مستحيلة، لصعوبة عناصر تكوينها. هذا بالإضافة إلى أن إيران وتحالفاتها في إطار محور المقاومة مع حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق وأنصار الله في اليمن، وأيضا الدولة السورية والقوى الداخلية في فلسطين، لن تهيئ ظروفاً احترابية قد يستفيد منها ترامب في الوقت الراهن.
وبذلك يتضح أن الحرب مرجأة إلى مرحلة ازدياد الانسداد في العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية، واستمرار التلاعب الأمريكي في شرق الفرات، وإصرار الأمريكيين على تفتيت العراق واستنزاف اليمن.
لذلك فترامب راحل غير مأسوف عليه، وبايدن آتٍ من دون وضوح في اتجاهاته، ولا يبقى إلا استمرار حلف محور المقاومة في التحضّر على أساس أن الحرب مع الأمريكيين وتحالفاتهم قدريّة وواقعة في مقبل الأيام القريبة، وضرورة الاستمرار بالصمود والمناوشات حتى رحيل النفوذ الأمريكي من المنطقة.

أترك تعليقاً

التعليقات