د. وفيق إبراهيم

د. وفيق إبراهيم / لا ميديا -
يلعب الصمود السوري إلى جانب النصر اليمني دوراً كبيراً في منع انهيار قضية فلسطين، والحدّ من هرولة الأنظمة العربية إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني. وهذا يشكل حلفاً سورياً ـ يمنياً له وقع الهراوة على رؤوس المتخاذلين.
مشهد سفير دويلة الإمارات في "تل أبيب"، محمد الخاجة، وهو يتلقى و"بفخر" بركات حاخام في "إسرائيل"، هو أكثر من إعلان نشوء تغييرات عميقة في الإقليم العربي وتركيا وإيران.
فإذا كان فقدان الإمارات من لائحة التضامن العربي قد لا يشكل خسارة كبيرة، نظراً لمحدودية القوة العسكرية الإماراتية، لكنه لا يستطيع إلغاء التغيير السياسي الكبير الذي يضرب المنطقة بأسرها.
هناك -إذن- تغييرات، وتتمحور في ثلاثة أقسام أساسية:
القسم الأول: يمني ـ سوري ـ إيراني، وهو يزداد نفوذاً وقوة.
القسم الثاني: تركيّ ـ مصريّ، يحاول الإيحاء من خلال التأييد اللفظي للقضية الفلسطينية بأنه أقرب إليها منه إلى "الإسرائيليين"، لكنه لا يفعل إلا مجرد بناء محاولات عميقة للسيطرة على المنظمات الفلسطينية، خصوصاً فتح القريبة من مصر وحماس المتقاطعة مع الإخوان المسلمين في حزب العدالة والتنمية التركي.
يتبقى القسم الثالث الذي تترأسه "إسرائيل" ويضم إلى جانب الإمارات دولة قطر وكثيراً من الدول العربية الملتبسة لغوياً لأنها تؤيد السلام عبر الاعتراف بـ"إسرائيل" دولة كاملة المواصفات في المشرق العربي.
يجب هنا الإشارة إلى أن الانتصارات اليمنية في جيزان المحاذية للحدود مع السعودية والتي ضربت قسماً من الجيش السعودي، هذه الضربة تركت أثراً كبيراً في السعودية ودفعت بسكانها لمطالبة الدولة بوقف العدوان على اليمن والانسحاب من أراضيها، خصوصاً أن دولة بني سعود لم تعد تجد بدلاء من الجيوش لتكليفها في الحرب ضد "أنصار الله" في اليمن، وهي تبدو كفريق يحاول النجاة من الكوارث بالدعاء والهيمنة الأمريكية، لذلك فإن النفوذ اليمني يثير رعب السعودية ويدفع بني سعود للخروج من منطق المزايدات إلى ضرورة البحث عن حلول بديلة: هل هو الانسحاب من اليمن أو استئجار قوة عسكرية جديدة تمارس ضغطاً على "أنصار الله"؟!
يكفي التذكير بأن أية ضربة جديدة لقوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية من جيزان إلى الداخل السعودي تعني زعزعة دولة بني سعود، وإثارة أجواء التضعضع والضعف بين قبائلها، مع استعادة قسم كبير من القبائل اليمنية التي تسكن الجانب السعوديّ منذ نصف قرن تقريباً.
لقد أدّت هذه الهزائم التي تكبدتها السعودية إلى إرغامها على البحث عن بدائل سلميّة وتحسين علاقاتها مع إيران وسورية وصولاً إلى احتمال الانسحاب من اليمن.
لذلك فإن الدور اليمني يضغط على السعودية للعودة إلى تأييد الفلسطينيين وعدم الغرق في مستنقعات "تل أبيب".
كما شكل الصمود السوري في شرقي البلاد وسيطرة الدولة على ثلاثة أرباع مساحة سورية خيبة أمل كبرى لـ"إسرائيل" والأمريكيين وقطر وتركيا والأكراد.
لذلك يلعب هذا الصمود السوري إلى جانب النصر اليمني دوراً كبيراً في منع انهيار قضية فلسطين والحدّ من هرولة الأنظمة العربية إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني. وها هي السعودية تتردد ألف مرة قبل التفكير بالإعلان عن علاقاتها بالكيان العبري المحتل، وهذا يشكل حلفاً سورياً ـ يمنياً له وقع الهراوة على رؤوس المتخاذلين والمانع لمزيد من انهيارات دولة محمود عباس في الضفة الغربية.
هناك مستفيد جديد من حركية هذه الصراعات في الإقليم العربي وهو إيران. لقد تمكنت هذه الجمهورية الإسلامية من نسج اتفاق مع الأمريكيين في الملف النووي، وهذا يعني على الفور حرية الحركة الإيرانية في سورية ولبنان وغزة والعراق، فيتشكل الطوق الكبير حول "إسرائيل" الذي يضمّ إيران إلى جانب سورية واليمن، وهو أكبر حلف يمكن أن يتأسس في واحدة من أغنى مناطق العالم.
بالمقابل تحاول تركيا التسلل الى الإقليم من خلال تأييد لفظي لفلسطين، لكنها تطلق صرخات الاستنكار وتصمت دهراً وكأنها ليست موجودة، فتركيا تريد أداء أدوار عسكرية في سورية والعراق، وأدوار سياسية في فلسطين وشمال أفريقيا.
أما مصر فنظامها أطلق تهديدات لغزة أثناء قتالها الأخير ضد "إسرائيل"، ومطالبتها بوقف القتال.
وتواصل مصر سرقة دور فلسطين نظراً لأهمية حدودها مع فلسطين المحتلة.
لكنها تحاول في هذه المرحلة رعاية مفاوضات بين محمود عباس وحماس من جهة و"الإسرائيليين" من جهة ثانية في مهمة تريد منها بناء دور الوسيط الدائم بين أطراف القتال.
فهل يتّجه الإقليم نحو حروب جديدة؟ الحروب آتية من دون أدنى شك، وتضم في أحلافها "إسرائيل" والإمارات وقطر مع حيادية مصريّة ومغربيّة في وجه حلف حماس، إيران، سورية، حزب الله والعراق واليمن من جهة ثانية. أما بقية الدول فهي تترقب الإشارة الأمريكية للاصطفاف حيث يريد البيت الأبيض.
هذا هو الشكل المقبل لحروب الإقليم، حيث سيكون حلف المقاومة صاحب الضربة المميتة في الحروب المقبلة.

كاتب وباحث سياسي لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات