د. وفيق إبراهيم

د. وفيق إبراهيم / لا ميديا -

دخلت دول الخليج العربي مرحلة ما بعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على متن حلف عسكريّ يجمع بين القيادة الوسطى للجيوش الأمريكية في العالم والقوات الإسرائيلية وقوات الخليج.
بذلك تصبح المنطقة الممتدة من حدود السعودية مع العراق إلى حدودها مع اليمن ميلاً نحو الأردن وفلسطين المحتلة إلى الجولان السوريّ المحتل، ميداناً واحداً تلعب فيه وتصول دول هذا الحلف بعد تنسيق عسكري بين قواتها.
يتضح هنا أن الأمريكيين عبر قواتهم الوسطى هم أصحاب هذا الميدان، لكن الملاحظة التي لا يجب التغافل عنها تؤكد أنهم يمسكون بهذا الميدان قبل إعلان الحلف الراهن، فلماذا أعلنوه إذن؟
هناك نقطتان مترابطتان تكشفان أسباب إنشاء هذا الحلف على قاعدة أن الأمريكيين هم الوحيدون الذين كان باستطاعتهم نشر قواتهم ضمن هذا المدى الكبير بموافقات مسبقة من الخليج و"إسرائيل" المحتلة.. فمَن هو المستفيد إذن من هذا الحلف؟
إن كل القوى الموقعة على الحلف مسموح لها الانتشار على أراضي دوله ضمن تنسيقات تكتيكية واتفاقات استراتيجية مسبقة.
بذلك يتضح أن "إسرائيل" المحتلة بما تمتلكه من قوات تكنولوجية وجويّة وجيوش متخصصة بحروب الانتشار والتموضع، قادرة بدورها على إنشاء قواعد وازنة في الإمارات والسعودية والبحرين وقطر وعُمان. قد لا تكون متساوية مع القدرات الأمريكية، لكنها تستطيع تشكيل جبهات قوية في شبه جزيرة العرب.
ما هي نتيجة هذه القراءات؟ ليس لديها إلا قراءة واحدة، وهي أن إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب أرادت قبل أيام عدة من رحيلها عن رئاسة البيت الأبيض توطيد الأبعاد السياسية للتفاهمات التطبيقيّة بإجراءات عسكرية.
يتضح إذن أن هذه المعاهدة إنما أبرمت لمنح "إسرائيل" حق الحركة والتموضع في شبه الجزيرة العربية بما يضعها في مواجهة اليمن والعراق. وينكشف أيضاً أن دول الخليج العاجزة أصلاً عن تأمين حدودها تريد نشر قواعد إسرائيلية على أراضيها لحماية ممالكها وإماراتها، مقابل تأمين مواقع لـ"إسرائيل" على أراضيها.
تكفي الإشارة إلى أن السعودية تستأجر قوات سودانية وباكستانية وتتحالف مع الإمارات وبريطانيا وقوات من الاتحاد الأوروبي في حربها على اليمن. وهي تعمل في كل الأوقات على منع إعادة تشكيل وحدة وطنية في العراق لأنها تعتبر أن الخطر على خليجها كما تراه هو (عراقيّ ـ يمنيّ).
"إسرائيل" إذن هي العنصر الذي تريده السعودية حليفاً لها لمجابهات مقبلة لها مع العراق واليمن. أما توقيت إعلان الحلف قبل أيام قليلة من نهاية عهد ترامب فسببه خوف أطرافه من التطور الاقتصادي الصيني الطامح إلى احتلال موقع متفوق على الاقتصاد الأمريكي في مدى الـ5 سنوات المقبلة وربما أقل من ذلك.
هذا ما يفرض على الصينيين تطبيق سياسة مرنة مع أية هجمات سياسية أمريكية، ولا تتحرك إلا عندما تصل التهديدات الأمريكية إلى محيط الجغرافيا الصينية في بحر الصين وتايبيه وتايوان وهونغ كونغ وكوريا الشمالية.. هذا هو الفارق الصيني مع روسيا التي تعتبر نفسها معنية أكثر من غيرها بالحركة الأمريكية في "الشرق الأوسط".
وإذا كانت الحركة الأمريكية الإسرائيلية الخليجية تستهدف إيران، فإنها توجه ضربات عسكرية إلى سورية. وهذا ما يعتبره الروس استهدافاً لهم بشكل مباشر في هذه المرحلة الانتقالية.
لأن التطبيع العسكري على الطريقة العربية هو تطبيع عام في السياسة والاقتصاد والثقافة والسياحة.. وكل شيء.
هناك نقطة إضافية وهي أن بايدن نفسه لا يستطيع تجاوز هذه الاتفاقات أو التحايل عليها، لما لهذه المواضيع من تداعيات على موازنات الداخل الأمريكي نفسه، لاسيما أن الحزب الديمقراطي الموالي لبايدن يحوز على معدل مقبول من أصوات اليهود الأمريكيين بما يعني احتمال خسارته عدداً كبيراً منهم في حال أقدم بايدن على إلغاء حلف القاعدة الوسطى أو استيعابه، بذلك يتضح أن "إسرائيل" هي الرابحة من هذا الاتفاق وليس العرب، لأن الكيان المحتل يعتبر أنه انتهى من الخطر العربي.
فسورية جريحة إلى أمد غير معروف، والعراق مترنّح لا يعثر على أرض السواد التاريخية، ومصر أصبحت حليفة مع الأردن والسلطة الفلسطينية. هذا ما يسمح للكيان الغاصب أن يركز على مهاجمة النقطة الأقوى التي ترفضه وهي إيران.
هذا الحلف الأمريكي ـ الإسرائيلي العربي معادٍ إذن لإيران بذريعة أنها تهدد الكيانات الخليجية، علماً أن إيران لم تعتدِ على أي من هذه البلدان منذ تأسيسها، كما أنها لم تهاجم بلداً عربياً منذ الفتوحات الإسلامية.
فإيران موجودة قبل تأسيس الدول في الخليج بآلاف السنين، ولم تتعارك معها ولو لمرة واحدة منذ تأسيسها.
وعلى الرغم من أن العراق هاجمها في الثمانينيات في مرحلة صدام حسين، فإنها اكتفت بإعادة الجيش العراقي إلى أراضيه ورفضت أن تدخل إلى أراضي العراق.
بذلك تنكشف الأضاليل الخليجية والأمريكية حول المخاطر الدينية على الخليج، ويتبين أنها أسانيد كاذبة لإعطاء موضوعية لحلف عدواني لا يفيد حالياً وبشكل مباشر إلا "إسرائيل"، واستراتيجياً الأمريكيين.
أما الخليج فهو مستفيد وهمي من خطر مفبرك يجري استعماله لتمويل حرب أمريكية إسرائيلية على إيران أو لتأمين توتير دائم عربي ـ إيراني، وذلك لإزالة كل ما تتعرض له "إسرائيل" من أخطار.
بالمقابل، فإن الحلف الإيراني السوري العراقي بدعم من روسيا والصين يعمل على التشكل ليؤمن الاتحاد القادر على منع العبث الأمريكي الخليجي الإسرائيلي من الهيمنة على المنطقة العربية.
وهذا مشروع ممكن بعد محاولات ترامب لتدمير العالم بما يفتح الطريق إلى الانكشاف الحالي لمشاريع ترامب المهزومة ويفتح الطريق إلى مفاوضات لبناء موازنات عالمية جديدة تتمحور حول "الشرق الأوسط"، ولا بد أنها تنطلق منه لبناء القطبية العالمية المنتظرة.

كـاتب وباحـث سـياسـي لبنانــي

أترك تعليقاً

التعليقات