لماذا؟ ابن سلمان مذعور من بايدن
 

د. وفيق إبراهيم

د. وفيق إبراهيم / لا ميديا -

يعيش ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قلقاً عميقاً من التداعيات المرتقبة للسياسات الجديدة التي يريد الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن تطبيقها في "الشرق الأوسط".
هذه السياسات لا تشمل "إسرائيل"، لأن هناك تطابقا كاملا في دعمها أمريكيا وسعوديا. أليست السعودية مَن أقنع الإمارات والبحرين والسودان بالتطبيع مع "إسرائيل"، وتتحضر لبناء علاقات مباشرة معها؟! فما هي إذن أسباب هذا الذعر السعودي؟
تشكلت في السنوات الأربع الأخيرة تيارات في الحزب الديمقراطي الأمريكي لاستهداف العلاقة الحميمة بين الرئيس ترامب ومحمد بن سلمان، فجرى الاستثمار في اغتيال خاشقجي وملاحقة الجبري في أمريكا وكندا والاعتقالات التي سجن فيها ابن سلمان أولاد عمومته ومعارضيه... هذا بالإضافة إلى فرض نفسه وليا للعهد وبدعم من ترامب، بما يناقض التوريث السياسي في المملكة القائم على انتقال الملك من شقيق إلى أخيه وهكذا دواليك، إلى أن تصل إلى أولاد الأشقاء وبالمداورة.
هذا هو السبب الأول الذي يرعب ابن سلمان، باعتبار أن حلفه مع ترامب ناصب الرئيس المنتخب بايدن ومجمل الحزب الديمقراطي العداء، وقد يبلغ هذا العداء حد عرقلة الانتقال الهادئ لولي العهد إلى العرش السعودي، وهو ما يستطيع الأمريكيون أن يفعلوه بسهولة مع مملكة يسيطرون على كل تضاريسها السياسيّة والاقتصاديّة.
أما السبب الثاني فهو مرتبط برفض الحزب الديمقراطي الموالي لبايدن للحرب السعودية ـ الإماراتية على اليمن، المتواصلة منذ خمس سنوات، ومطالبته الدائمة بوقف بيع السلاح الأمريكيّ للسعودية والإمارات في هذه الحرب.
لذلك يخشى ابن سلمان ضغطاً أمريكياً يوقف هذه الحرب فترتدّ سلبا عليه لجهة إعادة تشكيل يمن موحّد، مع إمكانية تبلور دولة يمنية قوية تتموضع على رأس جزيرة العرب وتتحكم بحركة الانتقال والتنقل من بحر عدن إلى قناة السويس مرورا بباب المندب نحو الخليج الهندي.. هذا يسبب ذعرا لبني سعود من التراجع الإضافي المرتقب لدولتهم ما يجعلها أكثر هامشية مما عليه الآن.
والسبب الثالث، الذي يرعبهم أيضاً، يتعلق باحتمال تقارب أمريكي تركي يقوم على إزالة الكثير من التعارضات التي تشكلت بين البلدين منذ العام 2012 تقريبا.
فأي تقارب لبايدن مع الأتراك يعني العودة إلى استخدام الإخوان المسلمين، الورقة القوية للأتراك في الكثير من البلدان، خاصة وأن السعودية لا تقبل باستعمال الإخوان آلية سياسية للتحرك الأمريكي ـ السعودي في المنطقة. كما أن أي نجاح للإخوان في الإقليم هو صعود لدور تركيا المنافس الفعلي للسعودية على زعامة العالم الإسلامي.
وبالتالي فإن أي تقارب أمريكي مع الأتراك سيدفع إلى مزيد من التراجعات للأدوار السعودية الخارجية وحتى في شبه جزيرة العرب.
أما السبب الرابع فيتعلق بإيران، حيث أن محمد بن سلمان يشعر بالخطر الكبير من أي هدنة أمريكية ـ إيرانية تستند إلى عودة الأمريكيين للاتفاق النووي، وبالتالي رفع الحصار عن إيران.
إذ يرى السعوديون في هذه الخطوة استعادة إيران لقدراتها في الحركة الإقليمية واسترجاعها لقوتها الاقتصادية، ما يؤدي إلى توسع نفوذها في آسيا الوسطى، وتمتين تحالفاتها في اليمن والعراق وسورية ولبنان. هذا بالإضافة إلى المقدرة الإيرانية على نسج علاقات مع الإخوان المسلمين في مختلف المواضع والأمكنة.
لذلك يبدو ابن سلمان محاصرا في طموحاته الشخصية، ومرعوبا من تغيير فعلي في الإقليم، وخائفا من نمو رغبة أمريكية بتغييره بأمير آخر من أولاد عمومته. كما أنه يعرف أن الدورين التركي والإيراني أكثر فاعلية من قدرة "إسرائيل" على حمايته، ما قد يضطره لدفع إتاوات جديدة للأمريكيين مع ولاءات سياسية واستراتيجية غير مسبوقة، فهل يمتنع بن سلمان عن دفع ألف مليار دولار للأمريكيين مقابل دعمه للإمساك بالعرش السعودي؟! لقد دفع لترامب نحو 500 مليار من أجل ولاية العهد، أفلا يستحقّ العرش أكثر من ذلك؟!
هذا هو المنطق السعودي والأمريكي في آن معا، والضحية بالطبع هم أهل جزيرة العرب الذين يتشارك في قمعهم الأمريكيون والسعوديون، ويجهضون أي محاولة فعليّة لتحرّرهم من قيود القرون الوسطى.
* كاتب وباحث سياسي لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات