يأس أمريكي من السيطرة على اليمن
 

د. وفيق إبراهيم

د. وفيق إبراهيم / لا ميديا -

الحرب العسكرية المفتوحة على اليمن منذ نصف عقد تقريباً هي مشروع سياسي يعمل الجيشان السعودي والإماراتي ومرتزقة محليون وأجانب على تحقيقه بالقوة العسكرية المتنوعة البرية والبحرية والجوية، بتغطية أمريكية مفتوحة على كل المستويات.
بما يعني أن اقتطاع "المجلس الانتقالي الجنوبي" الموالي للإمارات، محافظات عدن ولحج والضالع، وسيطرة السعودية وحزب الإصلاح التركي على محافظات حضرموت وشبوة والمهرة ومأرب والجوف، لا تعني انتصار المشروع السياسي الأصلي، أي الاستحواذ على كامل الدولة اليمنية وتطويعها في إطار الهيمنة السعودية والنفوذ الأمريكي الجيوبوليتيكي.
نحن إذن أمام مشهد يعكس فشل المشروع الأمريكي الأساسي للحرب، بدليل أن قوات الجيش واللجان الشعبية لـ"دولة صنعاء" تسيطر على الساحل الغربي وصولاً إلى أعالي صعدة قرب الحدود مع السعودية، وتتوغل جنوباً وشرقاً في مواجهة القوات الإماراتية والسعودية والإصلاح الإخواني التركي الهوى في جنوبي اليمن، مقابل مليشيات يمنية تابعة للإمارات تتقاتل في الميدان الجنوبي مع مليشيات حزب الإصلاح التي تنحاز إلى الطرف السعودي لأن مناطق سيطرتها في مأرب متداخلة مع المليشيات المؤيدة للسعودية.
هناك ضرورة لعرض تحليل عقلي يستند إلى مجريات هذه الأحداث المتتابعة للإعلان بصوت قوي عن سقوط المشروع الأمريكي في يمن موحّد.
أولاً: توجد مصلحة أمريكية استراتيجية بالإمساك الكامل وإلى حدود الخنق بالخط البحري من بحر عدن والمتفرّع نحو المحيط الهندي من جهة وباب المندب ـ قناة السويس البحر المتوسط من جهة ثانية.
هذا خط يختزن حركة العبور التجاري بمعدل 20% من التجارة العالمية، مسهلاً عبور قرابة 18 مليون برميل نفط يومياً، مهيمناً على حركة الإبحار من مضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران وتستعمله لأغراضها التجارية بحريّة كبيرة حتى الآن، ما يزيد من أهمية ممرات اليمن البحرية للنفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط.
ثانياً: إن حجم الانصياع السعودي ـ الإماراتي للسياسات الأمريكية الشرق أوسطية والخليجية لا جدال فيه على الإطلاق وصولاً إلى اقتناع مراكز البحث العالمية أن السعودية والإمارات لا تستطيعان بناء مشاريع عسكرية وسياسية خارج كيانيهما السياسي إلا بالاتفاق المسبق مع الأمريكيين، وللتأكيد على هذا الأمر فهو موجود في السابقات التاريخية والارتباط الخليجي مع الأمريكيين في كل شيء منذ 1945، تاريخ معاهدة كوينسي بين الرئيس الأمريكي روزفلت والملك السعودي عبدالعزيز. 
هذا ما يدفع إلى طرح السؤال التالي: هل بوسع السعودية والإمارات فتح حرب للسيطرة على اليمن بما يعنيه من أهميات استراتيجية دولية متنوعة من دون التشاور المسبق حول هذا الموضوع؟
إلا أن التشاور المسبق يتطلّب اقتراباً في الأوزان السياسية، وهذا ليس موجوداً لجهة قياس الأحجام بين عملاق أمريكي ودمى خليجية قرون وسطية.
ثالثاً: مشروع السيطرة على اليمن هو جزء استراتيجي من المشروع الأمريكي الذي ابتدأ منذ 1990 بإعادة هندسة الشرق الأوسط وفق رغبة أمريكية كاملة مستغلة انهيار الاتحاد السوفياتي وتراجع دور الدولة الروسية في حينه.
إزاء هذه المعطيات يجب اعتبار الحرب السعودية الإماراتية على اليمن، حرباً أمريكية كاملة بعنوان خليجي، مع الإقرار بوجود مصلحة سعودية تريد احتلال اليمن لمنعه من تشكيل دولة قوية تتموضع على أعلى نقطة مشرفة على جزيرة العرب بجناحها السعودي والعثماني.
فإذا كانت هذه الحرب الأمريكية، فماذا يعني الصراع السعودي ـ الإماراتي على مناطق الجنوب والشرق اليمنيين؟ وهل بإمكان السعودية والإمارات التقاتل داخل الجنوب اليمني من دون "إذن" أمريكي؟
لذلك فإن التحليل العلمي يؤكد أن هناك إحباطاً أمريكياً كبيراً من العجز في حسم حرب اليمن، يذهب إلى الخوف من انفجار الوضع في الجنوب ونشوب انتفاضة فيه على الاحتلالين السعودي والإماراتي. هذا إلى جانب التقدم اليومي لقوات الجيش واللجان الشعبية لـ"دولة صنعاء".
لقد استحوذ على العقل الأمريكي هاجس يعتبر أن سيطرة الجيش واللجان الشعبية على مأرب هي مقدمة انهيار سعودي بنيوي مع انطلاق تمرّد ضخم في الجنوب، وهذا يعني خسارة اليمن وضرب الاستقرار في السعودية (البقرة الحلوب)، لذلك أوعز الأمريكيون (للسعودية والإمارات) بإشارات لتقسيم الجنوب والشرق بينهما على قاعدة إلغاء كل القوى الجنوبية المستعدة لبناء مقاومات شعبية لطرد المحتلين السعودي والإماراتي.
هناك نقطة ثانية في الإشارة الأمريكية، وتقضي بالعودة إلى مفاوضات ستوكهولم، في محاولة لتجميد الأزمة اليمنية عند خطوط القتال العسكري الحالية، وللسماح للسعودية والإمارات بترويض المناطق التي اقتسمتاها في اليمن.
هذه مشاريع أمريكية تجهر بإعلان فشلها السيطرة على كامل اليمن، ولن يكون بوسعها تمرير مخططها الجديد، لأن "دولة صنعاء" بالمرصاد، وتتجه إلى بناء تحالفات مع قوى يمنية جنوبية، بما يؤدي إلى سحب كل الذرائع السعودية الإماراتية مع العودة إلى مقاومات قابلة للانتصار، وتأسيس الكيان العربي الوحيد القادر في هذا المدى الخليجي على ممارسة دور إقليمي لمصلحة اليمن وكامل المنطقة العربية ودورها الأساسي في الشرق الأوسط.
*  كاتب وباحث سياسي لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات