تخيلوها «إسرائيل»!
 

مراد شلي

مراد راجح شلي / لا ميديا -
يحاول ذلك النمساوي المتأنق، والذي يعيش في الجهة المقابلة من الكرة الأرضية، أن ينطق كلمة (yemen) بطريقة جيدة، فالرجل لأول مرة يسمع بهذا الاسم، الذي برز فجأة وسط أحداث العدوان على غزة.
«سميث» النمساوي، الذي يحمل اسماً اسكتلندياً، بدين جداً وأشقر جداً ومتعرق جداً... يتصفح في كوخه صحيفة «لوموند» الفرنسية التي أبرزت في صفحتها الأولى عدة عناوين، أهمها تصريح وزير خارجية أمريكا، أنتوني بلينكن، الذي قال إن من غير المقبول أن يسمح العالم لليمن بتقويض الملاحة.
«سميث»، الذي يدلي قدميه على كرسيه الخشبي وهو يطالع صفحات الجريدة المرموقة، يقطب حاجبيه مستغرباً كمية اهتمام الصحيفة بتصريح بلينكن، فمنذ انطلاق العدوان على غزة والـ»لوموند» لم تتوقف عن نشر أخبار هذه الحرب من مصادرها الصهيونية؛ ولكنه بالمقابل يلحظ استمرار الصحيفة في نشر أخبار للهيئات والمنظمات الإنسانية التي تحذر دوماً من كارثة إنسانية، وظروف معيشية غاية في الصعوبة.
يتحدث «سميث»: يجب أن نقرأ مصادر مختلفة ونتمعن في روايات الطرف الآخر، ومن المهم معرفة اليمن؛ مضيفاً: لم يكن هنالك سبب واضح لمتابعتي واهتمامي المفاجئ؛ لكن الوضع الإنساني ربما هو ما جعلني أبادر للبحث في ما يجري هناك. ثمة سبب آخر زاد فضولي، هو كمية الإرباك التي ينتهجها الإعلام الغربي.
أيضاً هنالك سبب آخر للتعتيم المنظم للإعلام الغربي، فكوارث إنسانية لا تحتاج عبقرية لنعرف أن وراءها ضحايا ومآسي إنسانية غاية في الألم. كما لن أحتاج لشيرلوك هولمز لأدرك أن السبب التاريخي والموضوعي لهذا كله هو الاحتلال نفسه.
يكرس «سميث» وقته للاقتراب أكثر مما يجري، ويتصفح مواقع يمنية وعربية يعمل على ترجمتها. يتعرف أكثر على اليمن ويتابع صوراً لضحايا مجازر شبه يومية في غزة، تدمير شبه كلي لمقدرات وبنية قطاع غزة المحاصر منذ سنوات... «سميث» لم يبدُ متألماً كما هو عليه الآن.
بعد يومين يقف «سميث» أمام البرلمان الأوروبي مع مجموعة من الناشطين يرفعون صوراً مؤلمة لضحايا العدوان على غزة، فيما هو يتقدمهم رافعاً لوحة بيضاء مكتوباً عليها كلمتين: «تخيلوها إسرائيل!».

أترك تعليقاً

التعليقات