«ربِّ زدني علما»
 

طه أبكر

الشيخ طه أبكر / لا ميديا -
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
لقد تكرم الأستاذ صلاح الدكاك، رئيس صحيفة "لا" اليمنية - وفقه الله، بدعوتي للكتابة في الصحيفة، وذلك من منطلق ما يحمل من قلب محب ومن حب للمشاركة في تحمل مسؤولية الكلمة، وهذا شرف لي بإذن الله أكون مستحقاً له، فأسأل من الله سبحانه وتعالى أن يباركه ويرفع شأنه ويعلي مقامه... 
إن هذه المقالة بالعنوان المذكور أعلاه "ربِّ زدني علما"، وذلك الدعاء مما أمر الله سبحانه وتعالى به عبده وذلك من علمه سبحانه وتعالى وهو علام الغيوب بحاجة عبده للعلم، ولهذا فإنه أمره بأن يسأله العلم، وكان النهي منه سبحانه وتعالى أن يمد عينيه إلى زهرة الحياة الدنيا بعد ذلك الأمر.
ومن هنا علينا أن نتشوق ونتلهف إلى العلم الذي يكون من الله سبحانه وتعالى، فندعو الله سبحانه وتعالى أن يمنحنا ويؤتينا من لدنه علما.
وإذا أردنا أن نفهم العلم الذي يكون من الله سبحانه وتعالى فعلينا أن نقف وقفة متفكرة متأنية متأملة مع قصة موسى والعبد الصالح التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف.
فإننا إذا ذهبنا إليها تبين لنا أن ذلك العلم الذي من الله سبحانه وتعالى يكشف عن الحقائق الغائبة للأحداث والمستجدات التي يتوقف الإنسان عندها وقد نفد صبره وانتهت طاقته وقدرته على التحمل والاستيعاب.
وإذا علم الإنسان بتلك الحقائق الغائبة وفهم الأبعاد الغيبية وأحاط بها خبرا تحقق لقلبه الاطمئنان وحلت فيه السكينة.
ونحن إذا تجردنا من كل ما نحمل من ثقافات التبرير والأوهام وعشنا الواقع بصدق وبشفافية سنرى أحداثاً كثيرة نحن بحاجة ماسة لمعرفة أسبابها وبواعثها ومنطلقاتها، وإننا إذا علمنا ذلك كانت لدينا القدرة على معالجة الكثير من المشاكل وتطوير الكثير من القدرات وتنمية الكثير من الطاقات.
وتلك الحاجة تكون ماسة وشديدة عندما نكون في زمانٍ كثرت فيه التحليلات الخاطئة والخادعة، والتحليل الخاطئ ينتج سوء التقدير والتدبير والسلبيات في الواقع العملي.
وإننا اليوم نشاهد من نتائج القصور والسوء في قراءة الواقع أن الكثيرين يقعون ضحايا خداع المخادعين فيجعلون العدو ولياً والأشد عداوة وليا حميما، وليس هذا فقط، بل زيادة عليه يجعلون الأولياء أعداء والأصدقاء الأقربين بُغضاء بُعداء.
ومن هذا الواقع أن نرى موالاة النصارى ومن هم أشد منهم وأظلم: اليهود، أمراً طبيعياً، والاجتماع مع الذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم أمراً مستهجناً، حتى أنهم يطالبون الذين يقفون الموقف الحق بالتبرير. ولم يقف الأمر على ذلك فقد وصل بمن يدعون الديانة ويزعمون العلم إلى مطالبة المجاهدين في الأرض المحتلة في المسجد الأقصى بالبراءة من موقفهم الذي ينطلقون فيه من منطلق من لم يشكر الناس لا يشكر الله، وإن مطالبهم كانت دون أن يقوموا هم بالبراءة من عدوٍّ يقرون ويعترفون بعداوته. 
وما ذلك كله إلا لغياب العلم الذي من الله سبحانه وتعالى، ولو طلبوا العلم من الله سبحانه وتعالى وتعرضوا لمصادره عبر ما منحهم الله سبحانه وتعالى من وسائل السمع والإبصار والأفئدة لمنحهم الله سبحانه وتعالى منه، ولكان منهم التلهف والتشوق إلى الزيادة والمزيد من العلم لما تكون له من نتائج نفسية وواقعية.
وإن العلم الذي من الله سبحانه وتعالى يكون به الفضل بين المؤمنين، ولقد قال الله سبحانه وتعالى عن داود وسليمان: "وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالَا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْـمُؤْمِنِينَ" (الآية 15 سورة النمل).
فإن العلم من فضل ذي الفضل العظيم، ولقد رفع الله سبحانه وتعالى الذين أوتوا العلم على المؤمنين درجات.
"ربِّ زدني علما"، وسبحان ربي رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أترك تعليقاً

التعليقات