طه أبكر

الشيخ طه أبكر / لا ميديا -
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
بعد المقالة الأولى والتي كانت بعنوان "ربِّ زدني علما" نأتي إلى هذه المقالة فنقول ومن الله نستمد التوفيق والهداية والعون:
إن من يعيش الواقع وينظر إليه نظرة متكررة يعلم أن أصدق لفظٍ يعبر فيه عن الواقع هو الظلمات، فواقعنا واقع الظلمات.
ومن لا يرى الظلمات فإن لها مظاهر نذكرها لعله يشعر بها وهي: الخوف والحزن والضلال والشقاء.
ولا أقصد أن واقع الظلمات في بلاد محدودة من البلدان، بل أقصد الواقع العالمي.
وحديثنا ليس عن الظلمات، ولكنه عن النور، وليكن الحديث مفهوماً وظاهراً وبيناً لنرجع فيه إلى زمن كليم الله موسى عليه السلام وقومه بني إسرائيل، فإن الله قد ذكر من خبرهم فقال سبحانه وتعالى: "وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ، وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ" (سورة الأعراف).
فإن هذا الجزء من قصة موسى وقومه فيه إخبار من الله سبحانه وتعالى في زمن موسى عليه السلام فيما يكون في قادم الأيام وفي مستقبل الزمان.
فإن الله قال لموسى إنه سيكتب رحمته التي وسعت كل شيء في أتباع الرسول النبي الأمي، الذين آمنوا به ونصروه وعزروه واتبعوا النور الذي أنزل معه.
ولكن الذين كفروا من بني إسرائيل عارضوا الله سبحانه وتعالى في اختصاصه، وتجاهلوا أن الله سبحانه وتعالى "يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" (سورة آل عمران).
وكانت معارضتهم في زمن الرسول النبي الأمي لا تقل، بل تزيد عن معارضتهم للنبيين الذين من قبله من بني إسرائيل أنفسهم، حتى كانت عليهم اللعنة من الله على لسان داوود وعيسى بن مريم عليهم السلام.
وإن الذين كفروا من بني إسرائيل يعلمون أنهم لا يستطيعون من تغيير الحق شيئاً لأنه واقع، ولكنهم وبما توحي إليهم شياطينهم الذين يتبعونهم وبما يزين لهم الشيطان من أعمالهم أرادوا أن يغيروا كتاب الله سبحانه وتعالى ويبدلونه، وذلك أنهم كانوا يفترون الكذب وهم يُدعون إلى الإسلام كما قال سبحانه وتعالى: "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِـمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَـمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَـمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ، وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَـمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ، يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" (سورة الصف).
فكما تبين هذه الكلمات من كلمات الله سبحانه أن الذين كفروا من بني إسرائيل ومن إليهم من اليهود والنصارى افتروا ويفترون على الله الكذب وهم يدعون إلى الإسلام يريدون بذلك الكذب ليطفئوا نور الله بأفواههم.
ملخص لما سبق:
إن الذين كفروا من بني إسرائيل افتروا ويفترون على الله الكذب وهم يدعون إلى الإسلام، يريدون بذلك الكذب ليطفئوا نور الله بأفواههم.
ومن أجل تلك الإرادة الخبيثة أمر الله سبحانه وتعالى بقتالهم كما قال سبحانه وتعالى: "قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ، يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"، (سورة التوبة).
ولن يعلم لماذا أمر الله بقتالهم إلا من نظر إلى ما تلا الأمر بقتالهم من الحديث.
وإننا إذا علمنا ذلك ورجعنا إلى واقعنا من أجل قراءة واقعية صادقة ومفهومة سنعلم أن العدوان على اليمن في 26 مارس 2015 عدوان أمريكي "إسرائيلي" يقف وراء ذلك الذين كفروا من بني إسرائيل ومن إليهم، وأن السعودية والإمارات وبقية الدول والمكونات ما هي إلا أدوات رخيصة تقوم بما يُفرض عليها وأنها لم تملك من أمر هذا العدوان شيئاً.
وإن الغاية من هذا العدوان لا تخرج عن الغاية التي من أجلها تم افتراء الكذب في سنوات الدعوة المحمدية الأولى، أيام خاتم النبيين محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، وهي إطفاء النور الذي أنزل معه.
ولهذا نكرر: يجب علينا أن نعلم وأن نفهم أن البعد الحقيقي لهذه الحرب بعد ديني، وأن هذا العداون يراد منه القضاء والتخلص من الذين يتبعون النور الذي أنزل مع الرسول النبي الأمي، ولكي لا تتحقق الرحمة للمؤمنين، ولقد قال الله سبحانه وتعالى: "مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْـمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ"، (سورة البقرة).
ولقد طال بنا الحديث، وإن كثرة الكلام يُنسي بعضه بعضا، ولكني أتمنى أن نفهم لماذا كان هذا العدوان فهما حقيقيا، وأتمنى أن يكون الذين يتبعون النور الذي أنزل مع النبي عند المسؤولية.
وإن الذي لا يلتزم في هذه المرحلة بالمسؤولية التي عليه فإنه ومن يجهل حقيقة هذا العدوان، بل هو ومن يشارك فيه، على درجة واحدة من السوء، ولربما يكون أعظم جرما وإثما وذنبا وفسادا.
والذي ينبغي على الذين آمنوا جميعا في العالم كله وأينما كانوا أن يتبعوا النور، فإن رحمة الله قد كُتبت في من يتبعون الرسول النبي الأمي، وشرط تحقيقها أن يتبعوا النور الذي أنزل معه. وقد علم علماء بني إسرائيل بذلك، فمتى يعلم الذين آمنوا بذلك؟!
سبحان ربي رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أترك تعليقاً

التعليقات