كنت أحلم!
 

ليسا جاردنر

ليزا روز / لا ميديا -
مع تسلل منتصف خيوط شهر كانون الثقيل في فصل الشتاء المطعون من البرودة، هربت الناس في حالة من الهلع إلى الأسواق لتشتري هدايا عيد الميلاد.
جميعنا يعرف أن في هذا الشهر الفضي يهطل الثلج القطني الأبيض، ويشككنا بعض أريج الأمنيات الخرافية، فنكتب لبابا نويل ونطلب منه أمانينا التي لن تتحقق البتة.
وبين الشتاء وزحمة التسوق، رويدا رويدا، تضمحل الأحلام، وتنتزع الآهات لنتعلم درساً قاسياً، تحت سماء الشتاء ومظلة الرأس مالية، ريثما نختمر بديون مبالغ الهدايا لتُخبز مسرحية الخلافات العائلية المغلفة تحت شجرة عيد الميلاد بكل حرارة وقرمشة.
تنتظر، وننتظر...
إنما، حتماً سنفتحها في يوم عيد الميلاد المجيد لتنفجر...
نختلف ونتخاصم، بل هناك قلوبٌ ستنتحر في يوم عيد الميلاد!
فإذا بنا نحتفل بعيد الميلاد والموت في آن واحد!
سيعود الليل بسرعة الضوء، وكأنه لا يستطيع العيش قبل أن يجثم على السماء، وعلى ذكرياتنا كالحرب.
ذهبت إلى السوق واشتريت ما يجب، ورأيت ما لا أحب؛ رأيت وجوهاً من الناس تشتري وتضحك، ووجوه البؤساء تشاهد بكل فتور ويأس ما يحمل المتسوقون من بضائع وأكواب الشكولاتة الساخنة.
مع تلألؤ سماء السوق كعروس تزُفّ إلى حبيبها، شعرها البارد الطويل المحفوف بأوجاع الطريق.
بين جمال عيد الميلاد بالأضواء وزينتها الجميلة، تتلبد السماء بالغيوم الرمادية، وتمطر قطرات من الأمطار الباردة لتغسل الأرض من مخلفات البشر. لكنها لم تغسل أحزاننا المتراكمة مثل الأموال الطائلة في البنوك.
أحزاننا ثقيلة كأنها جبال الأرض!
غمغمت متشردة:
هل هي تقرأ أفكاري، وتدق مع قلبي...؟!
فأنت أيها الشتاء تعرفني، وتعرف كم من الرسائل كتبتُ إلى بابا نويل.
ومازالت أمنياتي معلقة على حبال غسيل الأمنيات المدفونة في قبر أبي.
حبيبي سيدفع مبالغ باهظة لنحتفل معاً في عيد الميلاد.
قال لي بابا نويل بأنه سيخونني ويخذلني في كل الأحوال.
سيخذلني كما خذلنا البؤساء من النساء في ليلة العيد الباردة.
ستهرب الأضواء، وسيحرق شجرة عيد الميلاد، ويلاطف صديقتي الصهباء.
أعلم حق العلم أنه سيبرر فعلته، وسأصدقه مثل الحمقاء، كما صدقت أن البؤساء طبقات من نسيج المجتمع؛ هذه الطبقة الكادحة، وهذا قدرهم وعليّ التعايش والانتماء.
أود أن أصلي لأشكر الرب اليوم على طبقتي الاجتماعية، وعلى الهدايا السرية والسريرية... شكرا للرب!
أنا من طبقة النبلاء.
أعيش كل الفصول بتفاصيلها، فألد في الربيع، وأزدهر في الصيف، وأطير في الخريف، وأتبلور لأذوب في الهواء ندفة ثلج يتيمة في أيام الشتاء...
عندما مددت يدي الباردة ببعض الطعام الدافئ إلى الوجه البارد، ابتسمت بامتنان، وقالت: شكراً لكِ سيدتي! لديك قلب طيب!
بحثت عنها، عن الطيبة في عيون المارة، ولم أجدها، إنما وجدت المارة يحملون البضائع والهدايا.
وبعيدا، كانت هناك جحافل من الأشباح المشردة في المخيمات الباردة، تغني لحناً يشبهني ويشبه صوت السيدة فيروز، وتقول لي: ها نحن هنا، وسنعيش هنا، ونموت هنا... لن نفارقكِ، نحن بقربك، وفي أحلامك، ومع دقات ساعاتك سنكون الوقت الضائع.
نحن الأمنية والبلد الممزق.
أنا أحبك.
ومع زخات المطر وبكاء الحجر هتفت الأماني تصرخ: هيااا! عانقي أوجاعي وأشلائي المقطعة، ربما تستطيعي أن تحيكي لي فستاناً جديداً من الحديد، ليكون لي وطنٌ سعيدٌ، لكي لا يخترق جسدي رصاصهم.
وبينما نحن نشاهد الثلوج والمارة، أمسك بيدي طفل من الأشباح. كانت يده باردة مثلي. رأيت نفسي أطير معه إلى السماء. هناك وجدت قطعة أرض، وجدت جزءاً من وطن، وبعضاً من فتات الحب...
وكنت أحلم!

أترك تعليقاً

التعليقات