هل من سلام فعلي وحقيقي في اليمن؟!
 

ليسا جاردنر

ليسا جاردنر / لا ميديا -
لقد تجرَّع شعب اليمن 6 سنوات من الحصار والحرب من قبل التحالف السعودي والإماراتي وحليفاته من الدول المجاورة في المنطقة. وقد عانى منه الشعب اليمني الأمرّين. 
والآن وبعد 6 سنوات من المعارك والحصار والتدخّلات العربية والأوروبية قامت المملكة، بل انصاعت إلى إنجاز مبادرة سلام من أجل حل مشكلة اليمن لاستقرار أمن منطقة الخليج العربي وتفادي الخسائر الخليجية.
وها نحن أمام مبادرة السلام الفعلي لإيقاف الحرب وإنهاء الحصار والسماح باستخدام المطارات عدا مطارات المكلا وتعز والحديدة. لقد كان الأمير محمد بن سلمان يأمل أن ينهي حربه التي شنّها على اليمن برا وبحرا وجوا، ناهيك عن الحصار الذي تسبّب في قتل آلاف اليمنيين من الأطفال وقد يطول شرح هذه المعاناة الفريدة من نوعها للإنسان اليمنى. اعتقد الأمير محمد بن سلمان أنه سينتصر ضد حركة أنصار الله أو من يسميهم «الحوثيين»، وربما كان يأمل الأمير تحقيق هذا النصر في غضون أسابيع من شن الحرب على اليمن، وكانت تلك حجّة حربه الطارئة التي وصفها بعضهم بالطائشة! بذريعة إرجاع ما يسمى «الشرعية» والقضاء على «الحوثيين» وتمردهم كما يزعم، وبتر اليد الإيرانية في المنطقة، على حد قوله وقول النّاطقين الرسميين في المملكة.
ثم يأتي الأمير في مقابلة على الشاشة السعودية ويغير لهجته الجافة ويُعلن للعالم بلهجة متوترة واضحة أن اليمن جارة السعودية. وفي شأن حركة الأنصار «الحوثيين» نجده يُغير لهجته العدائية المملوءة بالوعيد والتهديد بلهجة خطاب ليّن، مشحون برسالة أمل أكثر من عملية «إعادة الأمل»، وهي فتيل الحرب والحصار التي شنتها المملكة على اليمن في 2015. وظهَرَ بلهجةٍ تبدو تصالحية حيث يقول: «إن السعودية لديها مصالح مع إيران والعكس». صحيح، وقد تُرجمت هذه المقابلات على أنها تبشر أو تحفظ ماء وجه السعودية وإعلان تراجعها عن الحرب في اليمن والعمل على الترويج الإعلامي الذي يُبرز أن الأمير ابن سلمان هو أمير عصريٌّ محبّ للخير والسلام، والإعلان عن المبادرة الرسمية لبلاده لإيقاف هذه الحرب!
شنّت المملكة السعودية والدول الحليفة، عربية كانت أو أجنبية، الحرب على اليمن وقامت بحصارها، فأغلقت المطارات والموانئ واستغلّت الخزينة اليمنية التي هي في قبضة «الشرعيّة» أو ما يسمى في اليمن «حكومة الفنادق»، وترجع هذه التسمية إلى وصف القائمين بمهامهم الرسمية تحت مظلة «حكومة هادي» غير الشرعية وفقا للدستور اليمني. لكنها «شرعيّة» فقط في عيون المملكة والإمارات اللتين اتخذتا من «إعادتها إلى اليمن» مبرراً حتى تتمكن المملكة من إدارة اليمن عن طريق حلفائها من حزب الإصلاح وحزب المؤتمر، والقضاء على خصمها اللدود في اليمن.
لكن ما نراه اليوم يبرز وبوضوح «الحوثيين» كقوة لا يستهان بها، فقد استطاعت في فترة زمنية وجيزة خلال 6 سنوات أن تثبت نفسها كدولة معترف بها، وخلال هذه الست السنوات لم تعد المملكة السعودية قادرة على كسب الحرب في اليمن، أو حتى إدراج حركة «الحوثيين» في قائمة الإرهاب.
ولا يخفى على المجتمع الدولي مدى معاناة اليمن شعبا وأرضا من هذه الحرب، فقد كشفت بيانات الأمم المتحدة عن قتل أكثر من 230 ألف شخص، وتبقى هذه الأرقام افتراضية، لأن أرقام الضحايا في الواقع تتزايد يوما بعد يوم ولا يمكن إحصاؤها بسبب الحصار وعدم وجود ما يثبت حقيقة عدد ضحايا الحرب في اليمن، بينما يعاني ملايين الأشخاص من الجوع والأمراض والبطالة والتشرّد.
لقد اختفى الجبير والعسيري من الشاشات والحوارات! هل تعلّم الأمير محمد درساً قاسياً من الحرب في اليمن، وتأكد أن من أشاروا عليه بإشعال هذه الحرب وإبادة اليمن أرضا وشعبا ليسوا إلاّ مستشارين فاشلين سياسيا للأسف؟!
قد لا نخطئ حين نقول إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كان يأمل ويتمنى تحقيق نصر سريع ضد من سماهم «المتمردين الحوثيين» من خلال خوضه الحرب في اليمن، وخلال 6 سنوات حتى الآن، كانت المملكة السعودية ودول عربية أخرى تدعم قوات «الرئيس هادي» في القتال ضد «المتمردين الحوثيين»، الذين تدعمهم إيران كما يزعمون، وهي العدو اللدود للسعودية. لكن ما تعكسه الصورة اليوم بوضوح هو تفوق «الحوثيين» المدعومين بالمجتمع اليمني وقبائله منذ بداية الحرب في 26 مارس/ أذار عام 2015.
إنّ هذه الحرب جعلت من حركة «الحوثيين» حركة مخلصة، وحركة متطورة وحركة فدائية، تدافع عن أرض اليمن وعن حقه كدولة ذات سيادة، وإنّ هذه الحرب مثلت الخطأ الفادح للمملكة، لأنها أرادت القضاء على «الحوثيين»، لكنّها بهذه الحرب زادت قوتهم والتفاف الشعب حولهم، في حين لم تعد السعودية قادرة على كسب هذه الحرب لأنها لا تحارب «الحوثيين»، بل هي تحارب جميع اليمنيين عدا فئة «حكومة الفنادق».
وهنا يقف الشعب اليمني وجها لوجه أمام مبادرة السلام التي قدمتها المملكة السعودية مؤخراً، والتي دعت إلى التعاون من أجل إنهاء الحرب في اليمن. فقد أعلن وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان بن سعود، أن المبادرة تنصّ على شرط وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد بمراقبة الأمم المتحدة. وهذا ما يضطرنا لنحلل ونعلن أن حكام الرياض يريدون فقط الخلاص وإنهاء الحرب وتخليص أنفسهم من الدخول في هذه الحرب العقيمة التي أنجبت الموت لليمنيين. تعلم المملكة بتوسع «الحوثيين» في اليمن، إضافة إلى اقتراب قواتهم من استعادة مدينة النفط مأرب، كما شنت ضربات جوية بصواريخ بالستية على مناطق استراتيجية حساسة في الأراضي السعودية مثل أرامكو وغيرها من المناطق في العمق السعودي.
والآن مطلب كل يمني هو إعادة فتح مطار صنعاء الدولي، وإنهاء الحصار، وفتح الموانئ، وعدم عرقلة السفن التجارية، والسماح بأن يتولى الشعب اليمني سيادة نفسه بنفسه، وإعمار البنية التحتية وما هدمته الغارات السعودية. لن تستطيع السعودية إرجاع القتلى، أو العناية بالأطفال والشباب بعد ويلات وصدمات الحروب، والمعاناة النفسية والجسدية من مخلفات الحرب والحصار والدمار في اليمن.
ولا نجانب الصواب حين نقول إن المملكة تستطيع تعويض المتضررين وإعادة إعمار منشآت البنية التحتية التي دمرتها صواريخها المشتراة من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول. لا يخفى على الجميع أن الولايات المتحدة الأمريكية مع مظلة الأمم المتحدة والوسيط الإقليمي العُماني بشرى خير رغم كل هذه المآسي والدمار والقتل! يقول المحلل تيموثي ليندركينغ إن الرئيس الأمريكي جو بايدن بعدما تولى الرئاسة قام بالضغط أو ربما بتوجيه الأوامر للعائلة المالكة في السعودية بوقف الحرب على اليمن، حيث صرح الرئيس بايدن بأنه لن يدعم ولن يساهم في الحرب على اليمن، وقام بسحب مساعدات أمريكا اللّوجستية ورفض أن يبيع الأسلحة للمملكة، وقد شرح الخبير بشؤون الشرق الأوسط «غيدو شتاينبرغ» من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن في برلين هذا الموقف بقوله: «خسرت السعودية الحرب في اليمن، ويرجع ذلك أساسا إلى أن حكومة بايدن أوضحت أنها لم تعد تدعم الإجراءات السعودية هناك»، وهنا على المملكة السعودية أن تقلّص التوتر في اليمن، والاعتراف بالقيادة الحالية في اليمن بلا قيد أو شرط، وعدم «التطبيل» الأخير في غاراتها على مطار صنعاء الدولي... و«يا فرحة ما تمت!»، حيث أعاد العدو السعودي هجماته العنيفة على مطار صنعاء الدولي.

كاتبة وأديبة إنجليزية يمنية الأصل.

أترك تعليقاً

التعليقات