عادل الكمالي

عادل الكمالي / لا ميديا -
اتفاق إيراني سعودي وعودة العلاقات الدبلوماسية بعد ما يقرب من نصف قرن من أزمة العلاقات السياسية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة السعودية من العام 1979، بعد الإطاحة بشاه إيران، في حين كانت إيران تمثل شرطي الولايات المتحدة، وكانت العلاقة بالمملكة السعودية على مستوى عال واستراتيجي مع إيران، باعتبار أمريكا الراعي الرسمي لقوة العلاقات بين الدول الصديقة.
*قامت الثورة الإيرانية، بزعامة آية الله الخميني، وتم تسمية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتغيير نظام الحكم الذي كان يوالي أمريكا و"إسرائيل" إلى وضع آخر يختلف تماما، وهو نظام يهتف بزوال "إسرائيل" المغتصبة وينادي بتحرير المقدسات الإسلامية الممثلة بالأقصى وكل فلسطين.
أشهرت إيران خصومتها للنظامين الأمريكي والصهيوني، مما أدى إلى تغيير التعامل الأمريكي مع إيران، الذي ألقى بظلاله على المملكة السعودية لتتغير وفق التوجه الأمريكي "الإسرائيلي" وإعلان العداء والحرب على الثورة الإيرانية، والدفع بالعراق لشن حرب عليها بدعم أمريكي سعودي خليجي استمر ما يقارب 9 سنوات.
واستمر التوجه السعودي متواكباً مع المشروع الأمريكي الصهيوني، وشاركت في الحرب الأمريكية على العراق بتحالف دولي شاركت فيها 30 دولة بدعم وضخ وتمويل سعودي خليجي، في العام 1990، واستمر ذلك العدوان العسكري 10 سنوات، حتى تم احتلال العراق تماما في العام 2000 وبسط الاحتلال الأمريكي وجوده على كامل العراق.
في الوقت نفسه، وفي المرحلة نفسها، عملت السعودية على التوغل في الأراضي اليمنية ومارست الضغط على اليمن بدعم أمريكي، وعملت على الإطاحة بالوحدة اليمنية في عام 94... واستمرت المملكة السعودية تعمل على سحق كل القوى الإقليمية وإبراز وجودها لتزعم المنطقة والهيمنة على القرار الإقليمي.
أضمرت المملكة السعودية العداء الشديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية، مواكبة للضغوط والعقوبات الأمريكية على إيران، وإخافة السعودية بالنووي الإيراني الذي يستهدفها وإشعال التوتر وتغيير فكرة العدو الصهيوني واستبداله بالعدو الإيراني، وجعل السعودية المحارب الأمريكي الصهيوني بالوكالة في مواجهة إيران تحت عدة تسميات، وخلق جو عدائي لأي دولة صديقة لإيران، باعتبارها عدواً للسعودية، وفق التوجه الصهيوأمريكي، وتم الإعداد لما سموه "الربيع العربي" وإشعال الفوضى في الدول العربية وخلق أجواء ثورة تحت يافطة "التغيير وتحسين الأوضاع والحرية والديمقراطية"، وخلق الهالة الإعلامية وضخ مخرجات السجون والمتطرفين والمشردين الذين تم استجلابهم من الدول والإطاحة بها وإسقاطها، بينما دويلات المشيخيات والإمارات والمملكات لم يثر فيها المشروع الثوري بالمنطقة وتشكيل مزيد من الضغط على الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وتجاوزت المملكة السعودية الدور العدائي المركزي لكل دولة أو مكون ذي علاقة جيدة بالجمهورية الإيرانية، وعملت على شن حروبها المباشرة وغير المباشرة على دول المنطقة المناهضة للكيان الصهيوني وذات العلاقة الجيدة مع إيران، فشنت عدوانها على سورية وضخت عشرات المليارات وحشدت مرتزقة الأرض إليها باعتبارهم مواطنين سوريين تواقين للحرية، وهم من جنسيات أوروبية وأفريقية وبمئات الآلاف من الإرهابيين تم ضخهم إلى سورية الممانعة والمقاومة.
كما شن تحالف عربي عدواني قوامه 17 دولة الحرب على اليمن، وحشد مرتزقة الخارج واشترى العملاء اليمنيين من أحزاب سياسية مع قوامهم "القاعدي" بالجملة واشترى المرتزقة وضخ السلاح والمال تحت فزاعة محاربة إيران باليمن، والتي استمرت 8 سنوات حتى الآن ومازال مستمرا في عدوانه العسكري والحصار واحتلال الأرض.
* وجاءت الأحداث القتالية والحرب المستعرة في أوروبا الشرقية وتحرك الدب الروسي لتنفيذ عملية عسكرية في أوكرانيا، باعتبار هذه العملية حرباً مرتبطة بالسياق نفسه بهدف إحباط المشروع الأمريكي الذي يسعى إلى ضرب محور المقاومة ابتداء في روسيا وعلاقاتها الجيدة مع الدول التي تستهدفها أمريكا وتحالفها الغربي والانتكاسة التي منيت بها أمريكا ومجمل حلفاء الأطلسي وصمود التنين الصيني الذي هو جزء من محور المقاومة، والذي تعتبره أمريكا القوة التي يجب إجهاضها مبكرا.
تحولات سعودية تجبرها الأحداث على تغيير سياستها وفق المشهد العالمي القائم، ومحاولة مد جسور العلاقة السعودية الروسية الصينية، وضمان الحيادية وعدم المشاركة في هجمة العقوبات الدولية على روسيا، وفتح أفق العلاقات الاستراتيجية السعودية الصينية والتبادل الاقتصادي والتعاون العسكري، ودور الصين في تكوين تجمع دولي تضمن عدم شراكته مع النظام الأمريكي، مما جعل الصين تلعب دور الوسيط في إزالة التوتر والوضع العدائي السعودي الإيراني، وفتح أفق التبادل السياسي وعودة العلاقات الدبلوماسية، لتكون هذه الخطوة أحد الخناجر القاتلة للغطرسة الأمريكية في العالم، والتي من خلالها ستعمل على حلحلة كل الملفات الساخنة في المنطقة، بما في ذلك تقديم الضمانات والالتزامات الصينية فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، الذي أصبح على عتبة اللمسات الأخيرة، إن لم يكن قد اكتمل إنجازه، والطمأنة الصينية للسعودية.
* هذه التغيرات رافقها وسيرافقها تحسين العلاقة مع الجوار، وإعادة النظر في مواقف دول الخليج برمتها، باستثناء البعض المنفرد كقطر التي يبقى موقفها مرتبطا بالموقف التركي، الذي باتت علاقته مع الأمريكي في وضع ضبابي وفيه من التباينات والضغوط الأمريكية ما جعل تركيا تعيد النظر في علاقاتها مع دول الجوار مثل سورية، ومحاولة حلحلة بعض الملفات مع العراق وحزب الله في لبنان وتعميق التبادل الاقتصادي والسياسي بين تركيا وإيران، في حين كانت تركيا من الدول التي لم تلتزم بالعقوبات على روسيا ولا من الدول الداعمة لأوكرانيا، وهذا يعني أن أمريكا فقدت قوتها وهيبتها وتواجدها السابق، وأصبحت عرضة لفقدان أذرعها التي كانت تفسد في الأرض باعتمادها على تلك الدول لإشعال الحروب بالمنطقة.

عودة العلاقات السعودية الإيرانية وآثارها على الواقع المتأزم
بالتأكيد سيكون هناك آثار واضحة وسريعة، ويجب أن تكون الملفات التي يجب فتحها جزءا من صدق هذه الخطوة، وتتمثل بالآتي:
1 - سرعة إيقاف العدوان على اليمن وفك الحصار، وخروج قوى الاحتلال من كل المناطق المحتلة، والعودة إلى ما قبل العام 2015، وإعادة ما دمره العدوان والتعويضات الكاملة لليمن، باعتبار السعودية وعبر كل بياناتها وتصريحات ساستها أنهم يشنون عدوانهم على إيران في اليمن، وعدم التدخل في الشأن اليمني الداخلي، وسحب مرتزقتها، وتسليم اليمنيين الملطخة أيديهم بالدم اليمني، ورفع الوصاية التامة عن اليمن.
2 - سحب كل المرتزقة الذين تم جلبهم إلى سورية وإخراجهم منها، وإيقاف ضخ المال والسلاح لهم، وتحمل تبعات تلك الحرب بتقديم التعويضات الكاملة لسورية.
3 - عدم التدخل في الشأن اللبناني، ورفع الوصاية عن لبنان، وإيقاف شحن العداء ضد حزب الله المقاوم للكيان الصهيوني.
* بالتأكيد عودة التبادل الدبلوماسي الإيراني السعودي وبوساطة صينية ضامنة سيحدث ردود أفعال أمريكية تعمل على إفشال مثل هذه الخطوة وتحاول إشعال حرب مباشرة تخلق مواجهات ودخول الصهيونية بالمشهد باستهداف المنشآت النووية الإيرانية لتغيير المسار الدبلوماسي ومحاولة جر السعودية لمواجهة عسكرية مع إيران بأي شكل قبل إتمام الاتفاق النهائي وإفشال نجاح الدور الصيني بذلك، وهذا قد يكمل حلقة اتساع دائرة الحرب العالمية الثالثة، التي ستكون منطقة "الشرق الأوسط" ساحة الاقتتال فيها. ننتظر القادم.

أترك تعليقاً

التعليقات