ثقافة وظيفية خاطئة
 

أحمد العماد

أحمد العماد / لا ميديا -
الملاحظات:
كلنا عن بكرة أبينا نرغب جميعاً بل ونطالب بتعييننا مسؤولين وقادة!
مؤهل أم لا، خبرة أم لا، تخصص أم لا، توجد حاجة أم لا، يوجد شاغر أم لا... المهم منصب أياً كان وكيفما كان!
وعاد أصحاب «صاحب الوادي تمنى واديين»، فتجد ابتداءً بأعلى السلطة السياسية وأنت تتأمل هبوطاً حتى أدنى مسؤول إداري، الكثير ممن لم يقنع بمنصب واحد بكامل مسؤولياته -غير المؤداة كما يلزم- من بيده منصبين وثلاثة وأربعة!
رغم أن ثقافتنا -المفترضة كمجاهدين- عظم المسؤولية وتحملها، ولا نعطي المسؤولية من يسعى لها، والرقابة الذاتية الإلهية، إلا أنك ترى مسؤولينا ذوي المسؤوليات والمناصب مثنى وثُلاث ورُباع، يتميزون كما تتميز جهنم «هل من مزيد؟!».
لا توجد إحصائيات دقيقة بهذه الحالات، إلا أني أكاد أجزم أن حجم هذه الحالات بالكم الذي يغطي نسبة لا بأس بها من الوظائف المكدسة بيد أفراد محدودين تكفي أن نستوعب فيها كثيراً من القابعين في بيوتهم منذ سنين من أهل المؤهلات والخبرات المجزية، ونحل كثيراً من حالات قصور الأداء نتيجة لتراكم المسؤوليات بيدٍ واحدة، فنفرغ الفرد لمسؤوليات وظيفة واحدة ليتقنها ويغطي القصور القائم. قالوا «صاحب المهرتين كذاب»، فما بالك بثلاث وأربع مسؤوليات ومناصب ليس مهرة فقط؟!
نستطيع القول وبكل ثقة إن عملية إنقاذ هؤلاء من التشتت الواقعين فيه بتحمل مسؤوليات عدد من الوظائف والملفات، وتخييرهم بالاكتفاء بوظيفة واحدة، لنفرغه لوظيفة واحدة فيتمكن من تحقيق الفاعلية والكفاءة والجودة فيها.
ثم ننظر في الوظائف والملفات الفائضة ونسند تلك الوظائف والملفات إلى أشخاص متفرغين أو يتم ترقيتهم من وظائفهم القائمة لاستلام إحدى تلك الوظائف أو الملفات الفائضة التي تم استخلاصها من متعددي الوظائف والملفات.
إضافةً إلى الفوائد المعروفة من تنفيذ هذا الإجراء فإن الفائدة الرئيسية هي إعانة الشخص الملقاة على عاتقه مسؤوليات عدة وظائف وملفات، بتفريغه لوظيفة واحدة، مما يعينه على النجاح والتطور في وظيفته ومسؤولياتها، وحياته العائلية والاجتماعية المهملة نتيجة انغماسه في مسؤولياته المتعددة!
قال سيد الأوصياء الإمام علي -عليه السلام- في عهده إلى مالك الأشتر: «وَاجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ، لَا يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا، وَلَا يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا، وَمَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ».
قال: «وَاجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ (كل وظيفة ومسؤولية واحدة) رَأْساً مِنْهُمْ (شخصاً واحداً)، لَا يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا (كبير مسؤوليات الوظيفة الواحدة)، وَلَا يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا (كثرة مسؤوليات الوظيفة الواحدة)، وَمَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ (أصبحت ملزماً مسؤولاً عن تقصير من عينته في مسؤولياته)».

التوصيات:
مبدأ «موظف لكل وظيفة، ليس وظيفة لكل موظف» معيار تنظيمي أصيل في أدبيات التنظيم الإداري ونظرية التنظيم. أما «عدة وظائف لموظف واحد» فبدعة ما أنزل الله عز وجل بها من سلطان، ولا أحد في العالم، وإنما سبب من الأسباب الرئيسية لضياع المسؤوليات والمهمات أو قصورها في أفضل تقدير.
قال الله عز وجل: «مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ» (سورة الأحزاب، الآية 4).
وبالله التوفيق.

أترك تعليقاً

التعليقات