أنامل السنوات
 

سرور الشريفي

سرور الشريفي / لا ميديا -
يمكنني اليوم أن أقول إن الحياة أشبه بوتر جائع مشدود على جانبي الزمن، يدوخ فيسرق كلما تمايل من مراحل أعمارنا المختلفة لحناً يوائم زوبعة تقلباته، يفصح عن مقطوعة تعزفها أنامل السنوات بمهارة على قيثارة ذرائعنا الباهتة حين نُباغت أوركسترا القدر بتهمة تلك النغمات الحزينة التي تنساب عبر ناي الوجع إلى أعماقنا فتحجمنا عن ممارسة الغناء مع هديل الحمائم الواقفة فوق منارات التحدي وقمم الكفاح.
أغمضوا أهداب الواقع جيدا، وتعالوا بنا نقتحم مواسم الذاكرة. هناك على مفترق المقارنة فجوة كبيرة بيننا الآن وبين تلك الطفولة التي لا أعلم يقيناً أنحنُ الذين تركناها وكبرنا كثيرا، أم هي التي مضت بعيدا وأسلمتنا لقطار ليس له سكة إياب! وهل كان في متناول قراراتنا ألا نقترف بحق أرواحنا كل هذا السفر؛ أن نكبر فيكبر حجم حقائبنا التي لا مجال لحملها إلا على عواتقنا؟!
الحياة التي وجدنا أنفسنا عليها، الزمن الذي يلوح لنا بكفي الليل والنهار، مراحلنا العمرية التي نذوي خلالها وغيرها، كلها ليست مجرد مفردات لظواهر خلقها الله فقط، إنها الفرقة بأكملها تقف أمام نوتات موسيقية من المفترض أن نكون نحن من نظم أنماطها لأجل أنفسنا. كم هو مؤسف أن يكون الإنسان مقعدا لا يسعه إلا أن يُنصت متوهماً المتعة أمام أداء هذه المنصة الكبيرة!
يلزمنا اليوم أن نعي جيدا أن ضحكة الطفولة في باحات اللعب واللامبالاة نسخة قديمة جدا مهما فضلناها لن تعود كما كانت عليه، وأن دفة المسؤولية أصبحت تنحني باتجاهنا، ولم يعد بإمكاننا النظر إلى وجه العالم ببساطة مع كل مشاكله التي لا تنتهي. بات ينبغي أن نتمتع بالنضج الكافي الذي يخولنا صناعة منجزات ذات قيمة حقيقية تتغير مقابلها كل تلك الاعتبارات الطفولية.
يلزمنا أن ندرك أن تساهلنا حالة من التخدير نعيشها في غمرة هذا الوجود الكبير، وأن معظم السبل إن لم يكن مجملها في طريقنا ليست آمنة كما كنا نعتقد!

أترك تعليقاً

التعليقات