لمن ليس لديه فكرة عن الخونة
 

إدريس هاني

إدريس هاني / لا ميديا -
اعتقدت خطأ أنّني أحطت خُبراً بالصهيونية من خلال ما دوّنه عباقرتها المؤسسون أمثال هرتزل؛ لكنني أدركت مؤخّراً أن هناك سرّاً عميقاً يصعب إدراكه من خلال ما كتبه مؤسسوها، الآن فقط أفهمه من خلال المتصهينين الذين تلبّسوا بمشاعر الصهيونية: يفرحون لفرحها، ويحزنون لحزنها، ولهم من خيال العبيد ما يبررون به سبب اندماجهم في نسقها ومنظومتها، ينبحون أكثر مما ينبح الاحتلال، ويصوّبون إنجازاته الجبانة دون اكتراث بآثاره الدّموية، وحقد غير متناسب، كونهم فضوليين في مهمّة إجرامية، ثمّ يحسبون أنّهم حسموا معركة ليسوا فيها إلاّ مستهلكين لفاسد بضاعتها، حاقدين على الأحرار حقد العبيد، مردّدين ما تنتجه غرف التضليل، باذلين الوسع في الإقناع بأنّ الاحتلال مسالم والمقاومة شرّ؛ كراهية متدفّقة بلا حساب؛ لكنهم جاهلون بمكر التّاريخ ومكر الواقع، عبيد الرجعية وخونة المواثيق العظمى للعدالة الدّولية.
بالفعل، الاحتلال ليس فقط هناك في أرض يسعى لتقويض الحق في تحريرها، بل الاحتلال فخّخ الأدمغة أيضاً، وتسابقت الانتهازية في سباق الاستبقار وخلط الأوراق وطرق أبواب بيع الذّمم، جوعة انتهازية لا حدود لها. المفارقة أنّ العبيد يتبخترون أمام الأحرار الذين لن ينصفهم إلّا الأحرار ومكر التاريخ الذي يجري بما لا تشتهي تمنّيات بنات آوى وآكلي الجيف من الرعاديد.
إن الاحتلال مجرم. وإن الصهيونية تهديد للعالم، مهما تماهى معها من لا وزن لهم في ميزان التاريخ سوى أطنان من الأحقاد وصفر أثر. انتظروا، فإن التاريخ يصنعه الأحرار المنبعثون دائماً من تحت الرماد. فما دمت تقاوم فأنت لم تهزم، كما قال مهدي عامل، ابن الجنوب المستهدف اليوم.
الاختباء خلف كل الشعارات المختطفة، وعلى رأسها الوطنية، لن تفيد العبيد. الوطنية قيمة سامية، بنت الكفاح والتحرر. وإن استعمالها والتمسح المغالط بها في تعزيز الخيانة والعبودية وتبرير جريمة الصهيونية دجل وجريمة وتضليل.
مفهوم أنّ الدول قد تناور بسياساتها ومصالحها، فما بال العبيد وسحليات قارعة الطريق؟! ومتى كانت الشهادة في مشوار كفاح الشعوب الحرة محل تشفٍّ؛ إلاّ عند من سُلبوا روح الإنسانية من قلوبهم؟! إنها لمهزلة أن أولاد الخونة يتهمون أولاد المقاومين في وطنيتهم! الوطني وحده يتألّم لأنين المستضعفين، ويقدّر كفاح الوطنيين بناء على المشترك.
لمن يلعب لعبة الوطنية الزائفة أقول: يا أقزام الخيانة، الوطنية ليست تلويحة، بل هي موقف يظهر في اللحظات الصعبة والمنعطفات الكبرى، وليس في الـ"كلاش" وخطاب الانتهازية. إنكم مشروع عملاء ومرتزقة، الوطنية عندكم صفقة، وليست مبدأ.
يسعى المتصهينون إلى نهج أسلوب محاكم التفتيش، والمكارثية، في قمع أي تضامن مع الشعوب المنتفضة في وجه الاحتلال، عبر أسلوب خلط الأوراق، والاتهام، والتشنيع، والانقلاب على كلّ القيم الديمقراطية والأنسنة وما تبقى مما يلوحون به عند استفحال الحجاج. يسعى عبيد الاحتلال أن يواصلوا الإرهاب. والغريب أنهم يرون في الجريمة وجهة نظر!
فهل يوجد عدوان وبؤس أكبر من هذا؟! انبحوا قدر ما يتيحه لكم عصر التّفاهة، فلا يصحّ في النهاية إلاّ الصحيح.

أترك تعليقاً

التعليقات