تواطؤ أم عجز؟
- مبارك حزام العسالي الثلاثاء , 26 أغـسـطـس , 2025 الساعة 8:57:18 PM
- 0 تعليقات
مبارك العسالي / لا ميديا -
في زمنٍ تتكثف فيه أوجاع الأمة وتُفتح جراحها على أكثر من جبهة، يطلّ علينا مشهد العدوان الصهيوني على اليمن كاشفاً حجم الانحدار الذي وصل إليه النظام الرسمي العربي. فاليمن، البلد العربي الأصيل، يتعرض اليوم لقصف مباشر من الطائرات والبوارج الصهيونية، فقط لأنه أعلن بوضوح وقوفه إلى جانب فلسطين وغزة المحاصرة. ومع ذلك، يغيب الصوت العربي الرسمي، أو يتوارى خلف بيانات باهتة وصمتٍ مُريب، يُثير السؤال الجوهري: هل هذا الصمت عجزاً أم تواطؤاً؟
الصمت في لحظات الدم والنار ليس موقفاً محايداً، بل هو مشاركة ضمنية في الجريمة. فالعدوان على اليمن محاولة واضحة لردع كل قوة عربية أو إسلامية تفكّر في نصرة فلسطين أو تحدّي المشروع الصهيوني. ومع ذلك، نجد أغلب الأنظمة العربية تتقوقع في دائرة الصمت وكأن الأمر لا يعنيها، بل وكأنها ترى في ضرب اليمن عقاباً مستحقاً لمن تجرأ على كسر قواعد الهيمنة.
لقد انكشف المشهد على حقيقتين أساسيتين:
الأولى: أن أغلب الأنظمة العربية باتت أسيرة تحالفاتها مع واشنطن والغرب، لا تستطيع أن ترفع صوتاً أو حتى تُصدر موقفاً خجولاً يُدين العدوان.
الثانية: أن هذه الأنظمة لم تعد ترى في فلسطين ولا في اليمن قضيةً تخصها أو تهمها، بقدر ما تُقارب كل ملف من زاوية «البقاء في السلطة» وإرضاء الحليف الأجنبي.
ولعل المفارقة المؤلمة أن الشعوب العربية في المقابل تعيش حالة من الغليان والغضب، تُعبّر عنها المظاهرات والمسيرات والتضامن الشعبي مع غزة واليمن. هذا التناقض بين موقف الشعوب والأنظمة يضع الأخيرة في خانة العزلة التاريخية والأخلاقية، ويؤكد أن المسافة بينها وبين جماهيرها باتت تتسع بشكل مخيف.
إن الصمت العربي أمام العدوان على اليمن يعطي الضوء الأخضر للعدو الصهيوني كي يتمادى أكثر، مطمئناً إلى أن رد الفعل العربي لن يتجاوز بياناتٍ بروتوكولية أو تبريرات دبلوماسية. كما يعزز صورة العجز العربي، ويُرسّخ لدى الشعوب شعوراً بأن الأنظمة ليست سوى أدوات في يد القوى الكبرى. وهو قبل ذلك وبعده، يُكرّس واقع «التطبيع النفسي» مع العدو، بحيث تصبح جرائمه أمراً عادياً لا يثير استنكاراً ولا يُقابل بمواجهة.
اليمنيون لم يُراهنوا يوماً على مواقف الأنظمة الرسمية، بل على إرادة الشعوب وصمودهم الذاتي. وقد أثبتوا في سنوات الحرب والحصار أنهم قادرون على تحويل المحنة إلى قوة، والعدوان إلى حافز للمقاومة. وما يجري اليوم سيزيد اليمن ثباتاً وصلابة؛ لكنه في الوقت نفسه يفضح من باعوا قضايا الأمة بثمن بخس.
إن أخطر ما في هذا الصمت أنه يوجّه رسالة إلى الشعوب مفادها: «لا تراهنوا على حكوماتكم». وهذه رسالة قاتلة لمفهوم الدولة والأمن القومي العربي. فإذا كانت الحكومات لا تدافع عن شعب عربي يُقصف لأنه وقف مع فلسطين، فمتى ستدافع إذن؟!
العدوان على اليمن امتحان حقيقي للنظام العربي الرسمي، وقد سقط فيه أغلب الحكام سقوطاً مدوّياً. صمتهم ليس عجزاً فقط، بل هو تواطؤ مكشوف، وستذكره الأجيال كوصمة عار في جبين تاريخهم. أما اليمن فإنه يسطر بصموده ومقاومته صفحة جديدة تُثبت أن الإرادة الحرة أقوى من كل تحالفات الخيانة والخذلان.
ويبقى الرهان -كما كان دائماً- على الشعوب، التي أثبتت أنها أكثر وعياً وإخلاصاً لقضايا الأمة من أنظمتها، وأنها وحدها القادرة على قلب المعادلة متى ما حان الوقت.
المصدر مبارك حزام العسالي
زيارة جميع مقالات: مبارك حزام العسالي