ذل تتوارثه الأجيال
 

مصطفى عامر

مصطفى عامر / لا ميديا -

كانت دول الخليج قد أنفقت أموالًا طائلة لدعم حرب صدام على إيران. وقبل سقوط الكويت كان صدام يشتكي من أن الكويت تسرق النفط العراقي من حقل الرميلة. وردّت الكويت على مثل هذه الشكوى بمطالبته بسداد ما قامت بإنفاقه من أموال في حرب الخليج الأولى.
كانت الكويت آنذاك جوهرة الخليج، وكان يسيطر على حكامها شعورٌ متوهّم بالقوة يشبه تماماً الشعور الذي يسيطر على حكام دويلات الخليج الآن.
وسواءً أكان صدام حسين قد أخطأ أم لا، فإن الكويت، التي سيطرت عليها أوهام القوة آنذاك، سقطت قبل أن يرتدّ إليه طرفُه!
من الناحية النفسية البحتة، فإن ثمَّة شعوراً كامناً بالنقص والذُّل والضعة تتوارثه الأجيال في منطقة الخليج، فقد حدث -على سبيل المثال- أن قام السير بيرسي كوكس، المندوب السّامي البريطاني في العقد الثاني من القرن العشرين، بترسيم الحدود بين إمارة نجد والكويت. ووفقا لمرافق السير بيرسي كوكس فإن الملك عبدالعزيز بني سعود "والد سلمان" كان يبكي آنذاك على نحوٍ مثير للشفقة، ويُقبِّل يد السير بيرسي كوكس، حينها، والحادثة موثَّقة. قال المندوب السامي البريطاني جملته المشهورة: "سأرسم خطَّاً على الرمال". وعلى هذا النحو تم ترسيم الحدود بين البلدين.
بعد الطفرة النفطية في منتصف السبعينيات، أمطرت السماء على الخليجيين ذهباً، ومع الوقت ووفرة المال شعروا بأن أيام الذُّل ولَّت، وأنهم بالمال يستطيعون شراء أي شيء، وأي فرد، وأي دولة. إلَّا أن سقوط الكويت كان صفعةً أرسلها إليهم التاريخ ليخبرهم بأنّهم ما زالوا ضعافاً، وأن المال ليس بمقدوره شراء كل شيء. وفيما يبدو أن دويلات الخليج تنتظر الآن صفعة أكثر دوياً وأشدَّ إيلاماً، فقد نشأ على أية حال جيلٌ جديد بعد سقوط الكويت، وهو كسائر الأجيال التي مرَّت على منطقة الخليج لا تكفيه الإشارة.
بالنسبة للدول التي على شاكلة دول الخليج، فإن الضُعف قدر، وبالتالي فإنّها -فيما لو أرادت العيش بسلام- تحتاج على نحوٍ حتميٍّ لأن تربط علاقاتٍ من الودّ مع محيطها، فهي بطبيعتها لا تقوى على تحمُّل الصدمة الأولى في أية مواجهة، كما أنها تزداد هشاشة بزيادة العمران فيها؛ ولهذا فإن دبي القائمة على رعي الإبل -مثلاً- أقوى بكثير من دبي المكتظة بناطحات السحاب. وحينما يتعلق الأمر بالاحتمالات، فإن احتمال نشوب حرب في مضيق هرمز على سبيل المثال، وهو أمرٌ وارد بشدة، يعني بالضرورة إرسال دول مثل الإمارات والبحرين وقطر إلى مزبلة التاريخ، وهذا لا يعني بالطبع أن بمقدور السعودية الحصول على نهاية سعيدة، فالخليج، الذي أحاط ذاته بالعداوات وبراميل البترول، ما زال يملك من الحماقة ما يكفي لإضرام النار فيها.

أترك تعليقاً

التعليقات