د. أحمد عبدالله الصعدي

د.أحمد عبدالله الصعدي / لا ميديا -

أحيا حزب الله اللبناني الذكرى الـ13 لانتصار لبنان (المقاومة والشعب والجيش والقوى الوطنية) على الكيان الصهيوني في حرب تموز 2006 بحفل جماهيري أقيم يوم الجمعة 16 أغسطس الجاري في "بنت جبيل"، المدينة التي يتمنى قادة الكيان الصهيوني وجيشه محوها من الوجود؛ لأنها احتضنت مهرجان التحرير في مايو/ آيار عام 2000. وفي ذلك المهرجان أطلق أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، جملته الشهيرة: "إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت".
وفي المهرجان الذي حمل شعار "نصر وكرامة"، ألقى السيد نصر الله خطاباً متلفزاً تناول الأهداف البعيدة للإدارة الأمريكية من تحريض وتشجيع الكيان الصهيوني على شن الحرب، وأبعاد انكسار الجيش الصهيوني وانتصار المقاومة على الكيان وداعميه، وخيرات وفوائد النصر على لبنان وعلى المنطقة. كما تناول أيضا أهم عوامل النصر.
في السطور التالية سأحاول الإشارة إلى عوامل إضافية -من وجهة نظري- لانتصارات المقاومة اللبنانية قبل 2006 وبعده. هذه العوامل التي أود الإشارة إليها قد تبدو عديمة الأثر لدى البعض، إلَّا أنني لا لأراها كذلك. وإليكم ما أعنيه:
أولاً: حزب الله حزب مؤسسات. ذكر صفحي عربي صديق لحزب الله أنه كان في يوم 12 يوليو 2006 يتجول في الضاحية الجنوبية مع أصدقاء لبنانيين، وفجأة انصرف الأصدقاء وآخرون ممن كان موجوداً من المواطنين، ما أثار استغرابه، ولم يجد تفسيراً لذلك إلَّا بعد سماعه بتنفيذ عملية "الوعد الصادق"، وعرف فيما بعد أن كل شخص من أصدقائه الذين اختفوا فجأة انصرف إلى مهمته ومكانه المحددين بدقَّة شديدة، ولكنه لم يعلم من اتجه إلى المهام العسكرية، ومن إلى الخدمات الطبية، ومن إلى الدفاع المدني، ومن إلى الإنقاذ والإيواء... واكتفى بالإعجاب والانبهار بما رأى وسمع.
كان ذلك في اليوم الأول للعدوان (7/12)، أما صباح الـ14 من أغسطس/ آب، وهو يوم توقف الحرب بقرار من مجلس الأمن الدولي، فقد صحا العالم على مواكب المواطنين العائدين إلى القرى الجنوبية المدمَّرة، بفخر بالنصر وتحدٍّ وإصرار، بالرغم مما قدموه من شهداء وما تعرضت له بلداتهم وبلدهم من الدمار. ومن أول لحظة لتوقف الحرب، بدأت الفِرق الخاصة التابعة لحزب الله بدفع مبالغ مالية وفقاً لكشوفات محددة شملت الأضرار التي لحقت بالمنازل والممتلكات، والتي بلغت عشرات الآلاف من الوحدات السكنية والمباني، مع تقدير درجة الضرر، وتبين فيما بعد أن عملية الحصر بدأت من الساعات الأولى للعدوان الصهيوني.
هذه ملاحظات بسيطة، إلَّا أنها تعني أشياء كبيرة، أهمها: الاعتماد على مؤسسات، وعلى تحديد المهام والاختصاصات، وعلى الانضباط الصارم من قبل العاملين في تلك المؤسسات. كل عمل مهم، من إطلاق الصواريخ على عمق الكيان إلى الإسعاف والإيواء... ويذكر كثيرون كيف تناقلت وسائل الإعلام خبر توقف قناة "المنار" عن البث نتيجة لقصف مقرها؛ إلَّا أن تلك الوسائل عادت بعد دقائق لنقل أخبار عودة القناة إلى البث الذي استمر طوال أيام الحرب بدون أي توقف، وهذا يعني أن المكان الاحتياط كان مُعداً بإتقان.
وفي آخر مقابلة تلفزيونية للسيد حسن نصر الله، في مايو الماضي، على قناة "المنار"، سأله المذيع السؤال الذي يُقلق الملايين من مؤيدي المقاومة ومُحبي نصر الله في لبنان وخارج لبنان، وهو: ماذا لو حدث أي مكروه لزعيم حزب الله، كأن ينجح العدو في اغتياله؟! قال السيد حسن رداً على هذا السؤال: "إن حزب الله حزب مؤسسات، واغتيال قادة الحزب يزيده قوة ويُذكي جذوة الجهاد والمقاومة". وذكّر باغتيال الكيان الصهيوني للسيد عباس الموسوي، الأمين العام السابق لحزب الله، الذي لم يُضعف الحزب والمقاومة بل زادهما قوة وعنفواناً.
ثانياً: المراجعة والنقد الذاتي. يعمل حزب الله على إجراء مراجعات وتقييمات مستمرة لأدائه في مختلف الجوانب، ونجاحاته وإخفاقاته، ولا يخفي ذلك. وقد ضرب السيد حسن نصر الله أمثلة كثيرة على هذا النهج، ولا يميل الحزب إلى اعتبار قادته أو أعضائه ملائكة منزهين. ومازلنا نتذكر عندما قال السيد حسن نصر الله إنه مثل غيره من الإخوة، عمِل في حياته أشياء "منيحة"، وأشياء "مو منيحة"، وذلك لكي يبيِّن أن أشرف وأعز وأهم ما في حياته الجهادية كلها هو الموقف الصريح والقوي والواضح في رفض العدوان على الشعب اليمني وفي نصرة اليمنيين في مظلوميتهم التي لا مثيل لها.
وأخيراً: ذكر السيد نصر الله في خطابه الأخير اسم القيادي الكبير في الحزب، نواف الموسوي، الذي استقال من عضوية مجلس النواب، حيث أشاد بالنائب المستقيل وقال إن الموسوي استقال من البرلمان، ولكنه سيواصل عمله ومهامه في الحزب. وقبل استقالة نواف الموسوي كان حزب الله قد أعلن عبر وسائل إعلامه أنه أقر تجميد النشاط السياسي للنائب نواف الموسوي لفترة محددة كإجراء عقابي لكون النائب رفع صوته على أحد نواب البرلمان من كتلة أخرى. وبعد انتهاء الفترة المحددة أعلن الحزب عن انتهاء فترة العقوبة وعودة النائب المعاقب إلى النشاط السياسي، إلَّا أنه قدم استقالته. ويجب أن نعلم أن هذا النائب الذي عُوقب هو من أبرز قادة حزب الله وسياسي محنك ومحاور لبق، وكان أثناء حرب 2006 مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب. 
هذا ما يظهر من النقد والنقد الذاتي إلى العلن، ولا شك أن ما يجري في الحياة الداخلية للحزب هو أقوى وأقسى، وهذا ما يحمي الحزب من الترهل ومن شتى الأمراض التي تؤدي إلى الوهن والتراجع، ويجعل دم الحياة يتدفق في شرايينه ويجدد حياته باستمرار.

أترك تعليقاً

التعليقات