د. أحمد عبدالله الصعدي

د. أحمد عبدالله الصعدي / #لا_ميديا -

يعاني بعض حكام الخليج، لاسيما جيل الأبناء، من جنون عظمة تاريخية تدفعهم إلى اصطناع تاريخ وهمي لمشيخاتهم يفوق حضارات عريقة معروفة، وإلى ازدراء تاريخ شعوب، وسرقة الشواهد المادية على حضارات شعوب أخرى، بمساعدة المارقين من أبناء تلك الشعوب، كما يحدث مع اليمن والعراق.
وقد بلغ الهوس ببعض شيوخ النفط -الإماراتيين تحديداـ المستوى الذي جعلهم يدعون بإصرار وجهل نادرين في أمور التاريخ القديم منذ نشأة المجتمع الإنساني، دعاوى مثيرة للشفقة وللسخرية. فحتى العام 2014 كنا نستطيع أن نقرأ كلاما معقولا، كالذي جاء -على سبيل المثال- في مجلة "الرافد" (العدد 80، أبريل 2014) عن اكتشاف "موقع أثري إسلامي في الشارقة.. انقلاب في المفاهيم والمسلمات التاريخية". وملخص الخبر أن علماء الآثار اكتشفوا موقعا أثريا إسلاميا في منطقة اللولية يثبت أن هناك اتصالات حضارية تمتد إلى دول الجوار في بلاد الصين وتسبق الوجود البرتغالي في المنطقة. وتضيف المجلة أن الحصن المكتشف يعود إلى القرن الثاني عشر/ الثالث عشر الميلادي، بناه سكان البلاد الأصليون قبل احتلال البرتغال للمنطقة. 
أما اليوم فإن ما يتمناه قادة الإمارات ويروج له إعلامهم ولا يتحرجون من الادعاء بواقعيته فهو أن تاريخ إمارتهم يمتد إلى 125 ألف عام!! إن هذا الهوس باختلاق تاريخ يناسب أوهاما ولدتها براميل النفط يدفع المرء إلى محاولة معرفة ما تتيسر معرفته عن ماضي الدولة التي نشأت عام 1971م بالتوافق مع مخططات استعمارية.
بين أيدينا كتاب بعنوان "ساحل القراصنة" من تأليف تشارلز بلجريف، وترجمة: د. عيسى أمين، أصدرته وزارة الإعلام والثقافة والتراث الوطني في دولة البحرين (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2005).
ومن الجدير بالأهمية الإشارة إلى أن المؤلف هو السير تشارلز بلجريف، المواطن البريطاني الذي استجاب لإعلان نشرته حكومة البحرين في صحيفة "التايمز" عام 1925 عن حاجتها لمستشار براتب شهري أكبر من راتب ضابط جيوش المستعمرات، فتزوج وسافر مع زوجته إلى البحرين حيث عمل مستشارا لحكومتها في الأمور المالية والإدارية خلال الفترة 1926 ـ 1975، ويمكننا القول إنه "المقاول" الذي بنى دولة البحرين ومؤسساتها، بما في ذلك مؤسسة القمع البوليسي. وقد شهد له بذلك الدور الراحل سلمان بن حمد آل خليفة عندما قال: "إن وضعنا اليوم هو نتيجة لجهود مستشارنا والذي لا نعتبره انجليزيا بل بحرينياً، إنه يدي" (ص 15). 
بنى المؤلف كتابه على مذكرات الضابط البحري البريطاني القبطان فرانسيس ارسكين لوخ، الذي قاد السفينة البحرية "إيدن" وقضى في الخليج من عام 1818 إلى 1820م ضمن حملة بريطانية لقمع القراصنة وللسيطرة على المنطقة.
في الكتاب الكثير من المعلومات التاريخية المهمة، إلا أننا لن نتوقف عندها، لأن الحيز لا يسمح بذلك. يقول الكاتب: "لقد كانت المنطقة الواقعة بين شبه جزيرة قطر وحدود عمان تسمى في الماضي ساحل القراصنة" (ص 27)، و"كان نشاط قراصنة البحر معروفا لدى مؤرخي الخليج منذ القرن الثامن قبل الميلاد" (ص 28).
وعندما يتحدث عن القرصنة في مطلع القرن التاسع عشر يقول: "ليس كل القراصنة في الخليج أو بحر العرب كانوا من أصل عربي، بل كان هناك قراصنة من أوروبا، وكانت مدغشقر قاعدة خاصة بهم حتى نهاية القرن السابع عشر، وكانت عملية تمويل بعض هؤلاء القراصنة تأتي من أميركا، بل كانت هناك أسطورة عن زعيمة إنجليزية للقراصنة الإنجليز في الفترة الزمنية المذكورة نفسها. وكان القواسم زعماء لقراصنة الخليج ويتمركزون في رأس الخيمة" (ص 62).
ويشير المؤلف إلى علاقة القراصنة وأعمال القرصنة بالوهابية، حيث وجد بدو الصحراء والقراصنة أن ما يقومون به من سلب ونهب تلون بالشرعية وتحت الراية الخضراء، بعد أن شاهدوا ما يفعله الوهابيون بكل من ادعى أنه مسلم ولم يقبل بالوهابية (ص 59)، وأن القواسم كانوا في الحقيقة يقدمون على هذه الأعمال بتوجيه من الوهابيين (ص 68).
وتذكر كتابات الأوروبيين التي اطلع عليها بلجريف أن القراصنة كانوا يعاملونهم (أي الأوروبيين) بطريقة أحسن من معاملتهم للهنود والعرب (ص 63).
نكتفي بهذا القدر لنشير إلى الصفحة "المشرقة" من تاريخ أسلاف الشيوخ الحاليين للإمارات العظمى! ففي عام 1804 ألقى القواسم القبض على سفينة كانت تنقل بحارة من بوشهد إلى الهند، وأخذوهم معهم إلى رأس الخيمة وطافوا بهم شوارعها، في حركة مسرحية كان القصد منها الاستعراض والاستهزاء. يقول أحد البحارة (بكنجهام): "إن النساء كُنَّ أكثر رغبة وفضولا لمعرفة الفرق بين الرجل المسلم الذي أجريت له عملية الختان وبين ذلك الكافر الذي لم تجر له من ناحية الشكل!" (ص 64).

أترك تعليقاً

التعليقات