علماء من أكاديمية الحاجة
 

د. أحمد عبدالله الصعدي

د. أحمد عبدالله الصعدي / لا ميديا -

عندما افتتح الرئيس الشهيد صالح الصماد، بحضور كبار الشخصيات السياسية والعسكرية، أول معرض للطيران المسيَّر، ضج المعادون والمعارضون بصيحاتهم الساخرة وبتعليقاتهم الشامتة، بينما وقف المواجهون للعدوان في حالة من عدم اليقين. لم يكن أحد بقادر على التنبؤ وعلى وجه التقريب بما ستصل إليه الصناعات العسكرية للجيش واللجان الشعبية. والجميع معذور، لأن ما أنجز حتى اليوم هو مما كان يعجز أي عاقل عن تصديقه على أساس المعطيات المتوفرة.
كان من بين التعليقات الساخرة في ذلك الحين ما كتبه أحد اليمنيين يقيم في ألمانيا، حيث عاب على رئيس الوزراء الدكتور عبدالعزيز بن حبتور حضور افتتاح المعرض. والحيثيات التي دفعته إلى قول ذلك -حسب زعمه- هي أن حضور الصماد وقادة جماعته افتتاح معرض طائرات بدائية مسيرة أو مشتراة من أسواق تباع فيها للهواة هو أمر طبيعي، لأن هؤلاء الناس يعيشون في كهوف ولا يعرفون شيئا عن العلم وبعيدون عن روح العصر، ولكن كيف أمكن للدكتور بن حبتور أن يشاركهم الحضور وهو المتخرج في الجامعات الألمانية؟!
لا نعرف اليوم ماذا يعتقد صاحب ذلك التعليق، إلّا أن المؤكد هو أنه يعرف أن الطائرات التي سخر منها هو وأمثاله صارت تطال الأماكن "المقدسة" للإمبريالية الغربية، وأعني بذلك شركة أرامكو، وتصل إلى مطارات الإمارات متجاوزة أحدث الرادارات ومنظومات الدفاع الجوي. كما أن الصواريخ اليمنية أصبحت مصدرا لقلق قادة الجيش "الذي لا يقهر" الصهيوني وقادة الكيان برمته. زد على ذلك أن الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية أصبحت محل الاهتمام الجدي لدى مراكز الدراسات العسكرية والسياسية في أهم عواصم العالم.
يؤكد التطور المتصاعد، الذي كان أحدث مظاهره منظومات الدفاع الجوي، وجود قدرة علمية يمنية كانت كامنة فأخرجتها الحاجة إلى الفعل. لا يعني القول بأن الحاجة إلى الحد من عربدة العدوان المتفوق تفوقا لا يقاس بما لدى المعتدى عليه بأية مقاييس كانت كافية لوحدها، وذلك لأن هذا النوع من الصناعات لا تكفي الإرادة والرغبة لإنجازه، لأنه عمل تتحد فيه المعرفة العلمية الدقيقة والإيمان برسالة العالم والصبر والأمل الذي لا يخبو بسبب فشل بعض التجارب.
سيحل اليوم الذي يصير فيه من الممكن أن نعرف علماءنا الكبار المجهولين ونقيم لهم النصب التي تذكر الأجيال المتعاقبة بمآثرهم، وكيف أنهم قرروا أن يكونوا فكانوا في أقسى الظروف وشح الموارد ومواجهة الموت. حتى ذلك الحين لا نملك غير أن نعتز ونفخر بعلمائنا الذين بزغوا من أكاديمية الحاجة وهبّوا لنجدتنا وقت الحاجة.

أترك تعليقاً

التعليقات