حسن حردان

حسن حردان / لا ميديا -
يكتسي الاحتفال بعيد المقاومة والتحرير هذا العام أهميّة استثنائيّة لكونه يتزامن مع الانتصار الجديد والثمين الذي حققته المقاومة والانتفاضة الفلسطينية على العدو الصهيونيّ على أرض فلسطين المحتلة.
إن انتصار المقاومة التاريخي على جيش الاحتلال الصهيوني في 25 آيار/مايو 2000 بدحر جيش الاحتلال عن معظم الأراضي اللبنانية التي كان يحتلها في الجنوب والبقاع الغربي، من دون قيد ولا شرط، ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي ـ الصهيوني، قد دشن مرحلة هزيمة هذا الجيش الذي كانوا يُصوِّرونه على أنه قوة لا تقهَر وكلي الجبروت، فإذا بالمقاومة المستندة إلى معادلة الجيش والشعب والمقاومة، ودعم رسمي تجسد في المواقف القوية والحازمة للرئيس العماد أميل لحود، تحطم هذه الأسطورة، وتثبت أن كيان الاحتلال إنما هو أوهن من بيت العنكبوت، وأن ذلك يتحقق فقط عندما تتوافر مقاومة على رأسها قيادة تملك الإيمان والعقيدة والإرادة الصلبة والشجاعة، المستندة إلى عدالة قضيتها ودعم الشعب لها.
وها هو جيش الاحتلال يقف عاجزاً أمام صلابة وشجاعة وعزيمة وإرادة المقاومة في قطاع غزة التي نجحت في تكريس هزيمة جيش الاحتلال الصهيوني، بعد 21 عاماً على هزيمته الأولى المدوية في لبنان، مما جعل هذا الجيش الذي يستند إليه العدو الصهيوني في السعي إلى مواصلة مشروعه الاستيطاني التوسعي في فلسطين المحتلة، وفرض هيمنته على العرب وعموم المنطقة، وحماية أمن المستوطنين الصهاينة، وتوفير ما سُمّي يوماً الملاذ الآمن لهم، كي يواصلوا استيلاءهم على الأرض الفلسطينية، جعله عاجزاً عن الاستمرار في حماية أمن الكيان ومستوطنيه، وجعلهم يفقدون الثقة بقدرته على تحقيق النصر في مواجهة مقاومة أتقنت فنون القتال في مواجهته وأذلته وعرفت مواطنَ ضعفه وقوّته، ونجحت في إضعاف روحه المعنوية، وجعلته يصل إلى اليقين بعدم قدرته على تحقيق النصر على المقاومة.
على أنّ الدرس المهمّ الذي كرّسه انتصار المقاومة عام 2000، والذي ثبت في 2006، وفرض معادلات القوة والردع في مواجهة جيش الاحتلال، تمّ تكريسه أيضاً من قبل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة عبر فرض معادلات الردع وتوازن الرعب في مواجهة العدو، لكن على أرض فلسطين هذه المرّة، مما هزّ الركائز التي يقوم عليها مشروع الاحتلال، خصوصاً أنّ انتصار المقاومة الجديد في غزة تكمن أهميته من كونه ترافق مع انتفاضة فلسطينية عمّت كلّ أرض فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر موحدة الشعب والأرض الفلسطينية ومسقطة بذلك كلّ ما عمل عليه الاحتلال منذ اغتصابه أرض فلسطين، من محاولات لتجزئة الشعب الفلسطيني وإقامة الجدران العازلة التي تقطع أوصال الأراضي الفلسطينية بين 48 و67، وقطاع غزة، والسعي إلــى تذويـــب الهويــة الفلسطينية ومحوها من الوجود، في سياق مشروعه لتصفية القضية الفلسطينية وإقامة دولته العنصرية القائمة على نظام التمييز والفصل العنصري.
لا شك في أنّ الاحتفال بعيد المقاومة والتحرير هذا العام يأتي أيضاً ليؤكد أهمية ما حققته المقاومة من إنجازات هامّة على صعيد تعزيز هذا النصر بنصر آخر عام 2006، وزيادة قوتها وقدراتها الردعيّة في مواجهة العدو الصهيونيّ، خصوصاً بعد الانتصارات التي تحققت على قوى الإرهاب، وإنجاز التحرير الثاني بدحر الإرهابيين عن الجرود اللبنانية المحاذية للحدود من سورية، وبالتالي تعزيز موازين القوى لمصلحة المقاومة ومعادلاتها الردعية التي تحمي أمن واستقرار لبنان من الاعتداءات والأطماع الصهيونية، خصوصاً بعد نجاح المقاومة بامتلاك الصواريخ الدقيقة التي جعلت العدو الصهيوني يحسب ألف حساب قبل أن يفكر بشنّ عدوان جديد على لبنان، مما جعل احتمال شنّ الحرب يتراجع، ووفّر المزيد من عناصر القوة والحماية للبنان.
لهذا فإنّ ما ينعم به لبنان واللبنانيون من أمن واستقرار، إنما يعود الفضل الأول فيه إلى المقاومة وانتصاراتها ومعادلات الردع التي فرضتها في مواجهة كيان الاحتلال، إذ أثبتت أنّ الكيان الصهيوني القائم على العدوان والاحتلال، لا يفهم سوى لغة القوة، ولا يمكن ردعُه إلا من خلال مقاومة تملك عناصر القوة والجاهزيّة الدائمة، التي تمنع العدو من ارتكاب أيّة حماقة ضدّ لبنان، لأنّ المقاومة قادرة على أن تردّ له الصاع صاعين.
فالتحية والتهنئة للمقاومة، قيادة ومجاهدين، وللشهداء والجرحى والأسرى المحررين، فهؤلاء يعود إليهم الفضل في صناعة النصر وتحرير الأرض من الاحتلال، وتكريس معادلات القوّة التي تحمي لبنان أرضاً وشعباً وثروات.
والتحيّة أيضاً لكلّ من دعم ووقف ولايزال إلى جانب المقاومة قولاً وفعلاً، مدافعاً عنها في مواجهة الفتن التي استهدفتها ولاتزال، وفي مواجهة المحاولات الأمريكية الصهيونية المستمرة، عبر الأدوات، ووسائل الإعلام والأقلام المسخّرة والمأجورة، لشيطنة المقاومة والإساءة إلى سمعتها وصورتها الناصعة للنيل من الدعم والتأييد الذي تحظى به شعبياً؛ لبنانياً وعربياً وإسلامياً ودولياً.
إنّ انتصار المقاومة عام 2000 يجب أن يبقى شعلة مضيئة في سماء لبنان والأمة العربية، وتاريخاً مشرقاً يدرّس للأجيال للاستفادة من دروس هذا النصر وكيف تمّت صناعته بالتضحيات والمعاناة والصمود والبطولات التي سطّرها رجال المقاومة في ميدان مواجهة المحتلّ.. وكيف أكدوا وأثبتوا القدرة على إلحاق الهزيمة بهذا الاحتلال وتحرير الأرض، وإزالة الوهم الذي عشّش في عقول الأمة حول استحالة الانتصار على جيش الاحتلال، وهو الوهم الذي روّج له المستسلمون والمتخاذلون لإبقاء الأمة خانعة وتابعة للمستعمر الغربيّ الذي زرع كيان الاحتلال في فلسطين ووفر له كل عناصر القوة ليكون الأداة لتحقيق أهدافه الاستعماريّة في المنطقة، وفي مقدّمها نهب خيراتها وثرواتها.

كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات