عبدالفتاح حيدرة

عبدالفتاح حيدرة / لا ميديا -

أصبح ميدان السياسة ملعبا للجهل والتجهيل والخصومة والعداء والكراهية الذي يبذل فيه الأعداء جهدهم الجهيد في محاولة منهم لتزيين المصطلحات التضليلية، والالتفاف على وعي الناس، كأن يحاورك أحدهم في مسألة الخيانة ويريد منك أن تعتبر تبريراته للخيانة وجهة نظر، واختلافاً في الرأي تحت وطأة حرية التعبير. هذا أوقفه عند حده وقل له إن الخيانة خيانة، أما السياسة المحترمة والواعية فهناك فرق كبير بين التنافس والخصومة والعداء، يمكنك أن تنافس الأصدقاء والحلفاء، ويمكنك أن تخاصم من يختلف معك في الأساليب والأدوات والإجراءات، أما من يتناقض معك في ثوابت الله وقيم الإنسانية ومصالح الوطن العليا، فهو العدو.
إن الحرب والعدوان والحصار السعودي - الأمريكي على اليمن، وما قابله من صبر وصمود وتحدٍّ يمني شعبي كشف للعالم كله الكثير من مهازل السياسة وجهل المثقفين وتفاهة الحداثيين وخواء المتحررين ودناءة الانتهازيين وانحطاط مدعي الإنسانية. وعلى الرغم من هذا الانكشاف لا يتوقف جهد ونشاط وعمل وتحرك أطفال أنابيب السياسة في تزيين المصطلحات الفكرية لتضليل الناس، بل يبذلون كافة الجهود ليلا ونهارا لتزيين الفقر والجوع والمرض، وتحت شعار الإنسانية، وعبر مشاريع منظمات الإغاثة والدواء والغذاء، بينما يكفي فقط نصف الجهد والمال الذي يبذلونه في تزيين ذلك للضغط من أجل إيقاف الحرب والحصار وإدخال الغذاء والدواء وصرف الرواتب لتحسين مستوى دخل الفرد.
يا سادة، الصمود اليمني أدخل العالم كله اليوم في مرحلة الانكشاف الكبير، وحشر العالم كله في لحظات سقوط الأقنعة والوجوه البلاستيكية، وحصر العالم كله في زاوية تتطاير فيها العقول والرؤوس والرقاب وتنهار دول وتهزم جيوش بالإيمان والصبر والصمود، وإذا لم نستعد لتحمل المسؤولية الفردية لما تسببنا به للعالم ولما هو مقبل وبالثبات والصمود والوعي والبصيرة، سوف تتواصل فصول الكارثة، وأي انقطاع فيها لن يؤدي لبديل حقيقي، بل ربما تتفاقم المأساة ويسفر عنها جحيم أشد وطأة مما هو قائم. وعلى النظام والسلطة أن يتسعدا لتحمل المسؤولية الجماعية، فالنظام لديه سلطة يستطيع من خلالها توجيه الشعب لما يحقق الصالح العام لنفسه وللشعب، ولديه سلطة إجبار للمواطن على احترام القانون، ولديه سلطة وضع الخطط ومتابعة التنفيذ ومعاقبة المقصّرين.
تحمل المسؤولية هذه إذا لم يشعر بها المواطن والمجتمع والسلطة، ويكونوا جميعا على عقل وقول وفعل رجل واحد، فإن الضرر الناجم عن لهاث مصارعة ثيران مصالح السياسة هو إصلاح الخطأ بخطأ، وهذا أشد وطأة اليوم على المواطن اليمني من الخطأ نفسه، وخاصة أخطاء الحذف والتهميش ونكران الحقوق المعنوية وإسقاط الكرامات، فهذه الأخطاء بالذات هي رفيقة درب دائم لكل رؤية تضليلية ومنحرفة وفاسدة عبر التاريخ كله، لأن ما يستعصي على ثيران وأطفال أنابيب السياسة إدخاله من عنق زجاجة مصالح الشلل ومشاريع التأويل وعنجهية الأيديولوجيا، يتم بتره، وكل نتوء أو نشوز يهدد مصالحهم أو يكشف عورات فسادهم وانحرافهم يتم تسوية كرامته بالأرض..
ختاما، أقولها لكم اليوم وبكل صدق وفخر واعتزاز وثقة: لا توجد اليوم قوة تعادل قوة الشعب اليمني المؤمن بذاته، ولا توجد سلطة قادرة على حكم شعب برضاه واختياره وترحيبه في عصر العدوان ومرحلة الحصار ولحظات الجوع مثل سلطة أنصار الله. وإذا كنا نريد التغيير الحقيقي يجب أن نزرع داخل كل روح في الشعب اليمني فكرة أنه قادر، أنه صاحب أكبر وأعظم تاريخ انتصر للدين والدولة معا، يجب أن يعلم أن شعبه اليمني هو أول شعوب الأرض وأكثر شعب في العالم ثورة على الظلم والظالمين، وأنه من شعب بادئ الحضارة ومعلم البشرية، وهذا ليس خداعا بل حقائق مذكورة بكل الكتب السماوية وبكل سطور العزة وقصص المجد التاريخية. لهذا تقع المسؤولية الأكبر في النهاية على من بيده سلطة احتواء وإصلاح الناس والإحسان إليهم وتحقيق العدل وحفظ الكرامة والسيادة، ومن يترك أو يهمل القيام بهذه المسؤولية فإنه يترك الملعب لسياسة الجهل والتجهيل لتزين للناس المصطلحات التي ترسخ فيهم الانحراف والفساد والتخريب والتبعية والارتهان وفق رؤية أعدائهم.

أترك تعليقاً

التعليقات