عبدالفتاح حيدرة

عبدالفتاح حيدرة / لا ميديا -

منذ شهور وأنا أشاهد وأتابع بتمعن وبحذر شديد تجربة ما يحدث في محافظة ذمار، وفي محافظة إب، ومدى التزام التغيير في مسألة تنفيذ الاستراتيجية العامة للجمهورية اليمنية بنموذج المسيرة القرآنية، وتنمر صراع التكتيك السياسي والإداري والعملي في حكم وإدارة وعمل السلطات المحلية القادم، فمحافظة ذمار يمثلها محافظ جديد قادم مباشرة من نجومية إعلامية غير طبيعية باسمه وصفته عضوا للمجلس السياسي لأنصار الله، ومحافظة إب يمثلها محافظ قديم قادم من نجومية اجتماعية وسياسية مفرطة باسمه وصفته رئيسا لفرع حزب المؤتمر، وهذا الإخراج لمنصب المحافظين الجديد والقديم هو إخراج تكتيك سياسي بحت، ليس له أية صلة باستراتيجية التغيير العامة للمجتمع والدولة معا أو حتى استراتيجية تغيير نظام الحكم بهويته الإيمانية أو حتى الوطنية.
حتى اللحظة لا توجد قوة أو مجلس سياسي أو إنساني ولا يوجد حزب ولا نقابة ولا جماعة ولا حركة سياسية، تمثلني كمواطن متبع لاستراتيجية عامة ذات هوية إيمانية يمنية بوعيها وقيمها ومشروعها يمثلها وعي المقاتل اليمني في الجبهات وقيم الشعب اليمني الصابر والصامد ومشروع القائد اليمني الإيماني والقرآني، وكل ممثلي القوى السياسية والأحزاب والمجالس السياسية والإنسانية تناقش كيفية (إصلاح) الأوضاع، ولا تناقش كيفية (تغيير) الأوضاع، وهذا يعني أنها تتخلى عن الاستراتيجية العامة، وتبحث عن ملاهي التكتيك السياسي لتكون مجرد ظل لنظام التبعية والارتهان السابق، حتى وإن أنكرت ذلك، فهي تساعده في خداع الجماهير، وتمنح فساده وفشله عمرا أطول.
طبعا محافظة ذمار هي محافظة مرور للناس فقط، لا يبات فيها أحد، إلا في ما ندر، لذلك تعيد ترميم وإصلاح الشوارع الرئيسية التي يمر منها الناس، ومن يمر من هذه الشوارع يلاحظ أن هناك اختلافاً حقيقياً وعملاً وجهد يستحق الشكر عليه، لكن هذا الشكر ليس شكرا يخدم استراتيجية الإصلاحات العامة، وإنما شكر تكتيكي، أي أنه تلميع لنجاح سياسي للمحافظ الجديد باسمه وبصفته، ولكونه ممثلا سياسيا يمثل المكتب السياسي ليس إلا، وللمجتمع الذماري كله، بينما محافظة إب محافظة سكن ومبيت وشوارعها تعيسة وقاتلة، وترميم وإصلاح الشوارع فيها ترميم وإصلاح تلفيقي ومخزٍ ومعيب، والمبيت والسكن فيها يجعلها تستحق اللعن، وهذا لعن تكتيكي، أي أنه فساد سياسي ومالي وإداري للمحافظ وحزبه، والمحافظة بكلها وكليلها ومجتمع المحافظة كله.
التكتيك يا سادة هو الموقف أو الحركة المرحلية أو المحلية التي يتم على مستواها الاشتباك بالقوى المتخاصمة سياسيا أو مناطقيا وعرقيا... الخ، وهي كما تكون موحدة في المركز تكون متنوعة من مكان إلى مكان، وكما تكون هجومية تكون دفاعية، وكما تكون عنيفة تكون سلمية، وتختلف تبعا لمواقف وحركة القوى المتخاصمة المشتبكة، وتستخدم فيها الوسائل الكافية لشل مقدرة الخصوم ثم تصفيتهم، وبالتالي لا يمكن حصر المواقف ولا الحركات ولا الوسائل التكتيكية لأنها في النهاية تعمق التجزئة وتحرم المركز من توحيد المعركة ضد العدو الخارجي، بينما كل ما هو مطلوب في التكتيك أن يكون في خدمة الاستراتيجية وفي نطاق الالتزام بها، وهذا بالغ الأهمية، وإلا انهار كل شيء وكل الخصوم وكل ما حولهم لصالح عدوهم جميعا.
للتوضيح أكثر وللعلم والمعرفة سوف أقدم معلومة حقيقية أتحدى أن ينكرها أحد، هذه المعلومة هي أن هناك منظمة عالمية اسمها منظمة "اليونيبس" دعمت مشروعاً لإصلاح الطرقات في عدد من المحافظات منذ عام 2018م وبمبلغ 50 مليون دولار، من هذه المحافظات محافظة (إب) وكان نصيب مديريتين فيها مبلغ 20 مليون دولار، وهما مديريتا القاعدة ويريم، وبقدرة قادر تم كولسة السلطة المحلية في محافظة إب وقام مجلس طاووس المنظمات بتحويل المنظمة ومبالغ المنظمة المخصصة لإصلاح وترميم مديريتي محافظة (إب) إلى محافظة (ذمار) وتحديدا مع تعيين البخيتي محافظا للمحافظة، صورة هذا المشهد كما هو يكفي لأي عقل سوي أن يقيس مدى خطورة الابتعاد الهمجي عن الاستراتيجية الإيمانية والوطنية، واللعب على أوتار صراع التكتيك السياسي والمناطقي والإداري والعملي.
لكن وعموما إن الانضباط الحديدي في المسيرة القرآنية ومركزية القيادة فيها ومقدرتها دائما على المحاكمة وتوقيع الجزاء الرادع على الذين يأخذون من الممارسات التكتيكية وسيلة للخروج على استراتيجيتها الإيمانية والقرآنية، هي مسألة حياة أو موت بالنسبة للهوية الإيمانية والوطنية وللشعب اليمني كله، هذا الشعب الذي بدأت استراتيجيته العامة تدخله على مرحلة، أن إيمانه هو بندقيته، وقيمه رصاصها، ووعيه هو الذي يحدد الهدف، وبغض النظر عن من تخلى عن دوره أو تخلف أو تأخر أو تخاذل أو تكاسل، أو تكتك، وبغض النظر عمن باع أو خان، وبغض النظر عن القسمة البائسة بين المتكتكين السياسيين، ولعبة قط العفاشيين وفأر اليساريين وصراصير الإصلاحيين، وثبات المقاتلين وتخاذل النخبة، يبقى السؤال معلقا على رقبة المتقين والمؤمنين بأهمية وضرورة وحتمية التغيير، وعلى عاتق من تقع مسؤولية التغيير الآن وفقا لاستراتيجية الهوية الإيمانية اليمنية فقط لا غير..؟!

أترك تعليقاً

التعليقات