أكتوبر.. مسيحنا المصلوب
 

صلاح العلي

في الذكرى الـ54 لثورة أكتوبر المجيدة، هل تساءلتم أين انتهى الأمر بالثورة؟ وكيف هو حال عاصمتها عدن؟ وأين هم أبناؤها؟ وأين مكتسباتها وإنجازاتها؟
أقل ما يمكن قوله، أنها مصلوبة على جدار (شرعية) نسيت أن تقطن العاصمة (المؤقتة) التي أعلنتها، لتسكن عاصمة أخرى (الرياض) لبلد آخر! واستبدلت أسماء شوارعها بأسماء مسوخ قتلوا في معركة احتلالها الجديد -العام قبل الماضي- بدلاً عن أسماء أبطالها، فيما هويتها وتاريخها -وهو جزءٌ من الكل اليمني- يزنى به في مخادع الغيلان لصناعة آخر موسوم بـ(عقال) وناقة بدلاً عن (الجنبية) والبندقية.
يا إخوتي الواهمون، أفيقوا من حظيرة الغيبوبة، وأنقذوا ما تبقى، أوقفوا صلبها -الثورة- قبل أن يجف دمها نزيفاً على مذبح قرابينكم لأباطرة النفط والدعارة وأراجوزات (دكاكين) الديمقراطية ووعود (الاستقلال) الذي لن يكون إلا منكم أنتم وحدكم، وهاكم تلتفحون بناره قبل غيركم.
ها هو منزل مؤسس الاشتراكي الشهيد القائد فتاح ينهب ويمنح لإحدى القاذورات المستجلبة إماراتياً، هندي يحمل الجنسية الإماراتية. وها هي أسرة قائد الفدائيين -في حرب التحرير 14 أكتوبر- تطرد من منزلها ليتوطن محلها مسخ إماراتي!
إنه حقد تاريخي وجودي على الثورة ورجالها، ففتاح -مثالاً- الذي طهر شوارع عدن من أوساخ الإنجليز، ها هي الأوساخ تعود مجدداً وتدنس ذكراه وكفاحه كما دنست شوارع الثورة والجمهورية. ولم يكن من المتوقع مثلاً، أن يكون هناك موقف -إزاء هذا الحقد- لرجل قايض احترام شعبه، بل شعبه نفسه، مقابل سفارة لدى الملكة إليزابيث، بل منكم أنتم لأنكم المعنيون وأصحاب المصلحة، وليس ياسين (سعود) نعمان.
ها هو النموذج الذي حلمتم به تتكشف حقيقته أكثر وأكثر، وظهرت مفارمه الشبقة لطحن أجسادكم وأوهامكم وآخر أمانيكم اليتيمة يا إخوتي الجنوبيين.
إن الأكثر إيلاماً ممن دل أعداءنا إلى ثكناتنا، هو كيف ارتضيتم أن يكونوا بديلاً لنا، أحب إليكم من إخوتكم الذين قاسموكم نزيف الدماء، وتلقفوا عنكم بصدورهم رصاصات العدو، وهبوا مانحين جماجمهم لتسحق تحت جنازير الاستعمار كيلا تسحق جماجمكم.. ولا أقول إن ذلك كان جميلاً، بل كان واجباً مقدساً.
كيف ارتضيتم أن نكون في ميزان المقارنة أقل قدراً، وكيف صار الدم ماءً تغسلون به آثار إخوتكم الملتحفين أرصفة الجوع والبؤس بعد أن حشرتموهم داخل شاحنات الترحيل مجسدين الذهنية والبطر السعودي بلا خجل!
ولستم مظلومين من إخوتكم، بل من مراكز وكيلية إجرامية متربعة في كل الرقعة، وقهرتنا جميعاً، وقد أسقطناها في مناطقنا، بينما راكمتم قوتها وأسيادها من حيث تعلمون أو لا تعلمون.
اليوم هناك نموذجان يا إخوتنا المتنكرين لنا، ولكم أن تحكموا وتقارنوا، إلا إن أخذتكم العزة بالإثم، النموذج الأول قائم الآن في مناطق سيطرة ثورة 21 أيلول، ولا ندعي أنه فردوس الرخاء والرفاهية، لكنه فردوس الكرامة والسيادة والشرف والعزة، ولا يكون الأول إلا بالثاني الذي بدونه لا نصير أكثر من قطعان خليجية متألبة حول آبار النفط.
أما النموذج الثاني فهو الذي تعيشونه اليوم في المناطق التي أعلنت (تحريرها)، وأعتقد أن القاعدة وداعش ومشهد التصفيات والتفجيرات المتواصلة ودور الحسبة وحز الرؤوس ومعتقلات التعذيب والترهيب والاغتصاب الذي استخدمت لتنفيذه حتى الكلاب... هو المشهد السائد الذي يطوقكم بتوحش.
إن نداءات الاستغاثة وحدها اليوم لا تكفي، فما دُنس بالدم لا يتطهر إلا به، و(ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة)، إنها الفاتورة الحتمية التي تدفعها الشعوب لتتخلق مجدداً من بين خرائب البترودولار، ولتستعيد ذاتها ووجودها وهويتها وتاريخها.
أنقذوا (جنوبكم) الذي تفترعه ماكينات الاستعمار الإمبريالي من أقصاه إلى أقصاه، وقبل أن يكتمل دلوكه منتهياً لمصير أكثر بشاعة ومأساوية من الذي وصلت إليه سوريا والعراق وليبيا.
لا عزاء إلا في البندقية ومشافها المـُصوِب لاتجاه المعادلات، البندقية ذاتها التي طهرت جنوبنا -جميعاً- اليمني السليب بالأمس بأيدينا جميعاً.

أترك تعليقاً

التعليقات