عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبد القوي العبسي / لا ميديا -

لم يتغير شيء بخصوص المساوئ السياسية التي تتمتع بها الدولة الصهيونية، والتي جعلت منها دولة معزولة ومكروهة لدى غالبية شعوب المنطقة والعالم. ولا يحتاج المواطن البسيط في أي من شعوب هذه المنطقة للتذكير بأن هذه الدولة اللقيطة بالنسبة للشعوب العربية هي دولة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والعنصرية والدور الوظيفي كذراع إمبريالية والنظام الفاشي الذي يمارس إرهاب الدولة بحق هذه الشعوب.
كما لم يتغير شيء بخصوص الفشل المتراكم والمشاكل المتراكمة؛ كالأزمة الاقتصادية وكسر جدار العزلة ومعالجة مشكلة الانقسام السياسي وتغول المؤسسة الأمنية والعسكرية وزيف الممارسات الديمقراطية ووضع حل لمشكلة تفشي الفساد الذي يطال حتى أبرز رموز النخبة الحاكمة، بمعنى أنها في ظل هذه الوضعية وهذه السمات لا يمكنها أن تحقق أي نجاح يذكر أو تقدم أي نموذج يحتذى لشعوب ودول المنطقة.
فالدولة الصهيونية ومشروعها هي في أسوأ مرحلة من تاريخها، والنظام السياسي فيها يعاني من تآكل كبير لمصداقيته ومشروعيته أمام مواطنيه، فما بالك بذلك البريق الزائف والخادع الذي أخذ يتلاشى ويضمحل وإن لم تمل الآلة الإعلامية الصهيونية صناعته بشكل مستمر ومتجدد. ويؤكد صحة ما نقول تلك الاحتجاجات الشعبية التي تتفجر بين الحين والآخر، وازدياد زخم حركة المقاطعة في أوروبا الغربية نفسها، خصوصا بريطانيا التي كانت مركز الدعم السياسي والثقافي والاقتصادي للصهيونية عبر التاريخ. فشعبية النخبة السياسية والإدارية هي في الحضيض الآن.
لا يوجد أي تقدم أو نصر أو نجاح ولا في أي مجال من المجالات. ومن يظن أن الدولة الصهيونية لها ذلك البريق الذي كانته من قبل ليس سوى مواطن نخبوي يعيش في إحدى الولايات الأمريكية العربية في الخليج وغيره، وهؤلاء محكومون بعوامل الثقافة الأمريكية والنفسية البرجوازية الحقيرة، بالإضافة إلى التضليل والتجهيل الذي مارسته الآلة الإعلامية والثقافية الجهنمية للصهيونية العالمية والذي دام لعقود من الزمن.
ومن يراقب المشهد بعمق يجد أن الدولة الصهيونية عجزت عن تحقيق أي اختراق أو تمدد حقيقي في أوساط الشعوب العربية ذات الوزن السكاني والحضاري الثقافي التاريخي، كما هو الحال في الشام والعراق ومصر والمغرب العربي واليمن، حتى بالرغم من تنامي شعبية الأفكار الليبرالية في العقد الأخير الذي شهد اندلاع ثورات ما سمي "الربيع العربي" في هذه المناطق، وهي أيضاً تعاني من الهشاشة في مجالات كثيرة، حتى في الجانب العسكري الأمني، بحيث أنها لم تعد تضمن حتى الفوز في أي مواجهة عسكرية محتملة مع المقاومة العربية بفصائلها ومكوناتها المختلفة من أنظمة وحركات وقوى ممانعة، والأمر هنا يتعلق بالدرجة الأولى بالعقيدة، بالإضافة إلى الجاهزية وعناصر أخرى مهمة للفوز بالمعركة.

مهزلة التطبيع والهوس بالجائزة والكسب الانتخابي
لم يعد ينطلي على أذهان المواطنين البسطاء ما يفعله مهرجو البيت الأبيض والمسرحيات المضحكة التي ينتجونها بين الحين والآخر والضجيج والتلميع الإعلامي المحكوم دائما بالأغراض الانتخابية، وهذه المرة يضاف إليها هوس الفوز بجائزة "نوبل"، خصوصا بعد الوعود السرية بتقديمها لهم كمكافأة صهيونية ماسونية على خدمتهم الجميلة. وللأسف فالجائزة كثيرا ما تذهب إلى غير مستحقيها، وقد أضحت أداة من أدوات الإغراء والتلاعب بالعقول والنفوس، والأحرى أن تسمى "جائزة نوبل لأعداء السلام".
وينبغي لكل عاقل أن يسأل نفسه: ما هو هذا السلام الذي ينبني على مكافأة القتلة والأوغاد والمتآمرين وعلى تصفية القضية الفلسطينية وإلغاء حقوق الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت نير الاحتلال والعنصرية؟! أي عاقل ذي لب وفطنة لن يبذل أي عناء في فهم أن ما يحدث لن يؤدي إلا إلى تأجيج الصراع وإدامته ومزيد من الويلات والمآسي لشعوب المنطقة، فأين هو السلام مما يصنعونه اليوم ويبذرونه من بذور الشر الذي سيتفجر في وجه الجميع؟!
العرب ليسوا في حاجة لإقامة أي علاقات من أي نوع مع هذا الكيان الاستعماري العنصري المأزوم، بينما هو (أي هذا الكيان) في أشد الحاجة إلى المحيط العربي، ويحتاج إلى التمويل والاستثمار والتوسع والاعتراف والمكاسب التي لا حصر لها، وعينه على الثروة العربية والإمكانات والمزايا التي تتيحها عملية التمدد والخروج إلى المحيط العربي.

دول غرب طريق الحرير(الشرق الأوسط الصيني) 
لكن مهلاً، نقول أيضاً لأولئك التغريبيين من العرب عشاق الغرب المنبهرين به، إن هذا الكيان الدخيل المصطنع مثله مثل بقية الدول العربية سيكون في القريب العاجل عبارة عن حلقة في السلسلة أو العقد الذهبي الاقتصادي الجيوسياسي للعملاق الصيني، أو ربما محطة تجارية على الطريق ليس أكثر. لن يكون هناك أي وجود لأي مشروع "شرق أوسط" تقرره هذه الدولة أو هذا الكيان كما كان يحلم الإرهابي المعتوه بيريز بحيث تحقق من خلاله هذه الدولة القيادة والريادة والهيمنة وتصوغ ملامحه كمشروع صهيوني استعماري يتوسع ويتمدد في المنطقة.
أجل، فقد ولى زمن الوهم الأطلسي الغربي، والزمن قد تجاوز قيام هذا المشروع، لصالح مشروع آخر بات معروفا الآن، ولن يوجد سوى "شرق أوسط" صغير سينمو كجزء من شرق كبير يقوده العملاقان الصيني والأوراسي في العقدين القادمين، ولكن على أسس من العدالة والسلام والحقوق، وهو ما سيفرض صياغة إقليم جديد خال من النفوذ الأمريكي الأطلسي، وبالتالي الماسوني الصهيوني.
وحتما سيختفي الحديث عن "الشرق الأوسط" كمفهوم ومنظور إمبريالي أطلسي صهيوني، ليحل محله إقليم جديد مندمج متكامل ضمن إطار وتكتل عالمي أوسع يقوم على أساس التنمية والتعايش بين شعوب الشرق العظيمة ككل، ذات الحضارات والعلاقات التاريخية التجارية الثقافية العريقة، وقبل ذلك على أساس من الحل العادل للقضية الفلسطينية وتصفية النزاعات بين الشركاء التجاريين في الإقليم وفق تسويات تاريخية عادلة يمليها منطق المصلحة المشتركة والتنمية التي تحتاج إلى الاستقرار، وهذا لن يتم إلا عبر معادلة فرض السلام العادل بالقوة والإصغاء إلى منطق القانون الدولي وليس منطق الاستقواء بالاستعمار الغربي كما تفعل الحركة الصهيونية ونظامها الرجعي البليد المتغطرس.
لكن الحركة الصهيونية ونظامها هي أضعف وأعجز من أن تنخرط في حل سلمي حقيقي شامل يستند إلى العدالة والحقوق، فرموزها وقياداتها تحمل فكرا رجعيا استعماريا عنصريا، وعقلية فاشية إرهابية تؤمن بالخرافات الدينية والأفكار الظلامية البالية، لهذا نقول طالما بقيت الحركة الصهيونية موجودة وفاعلة وحاكمة في أرض فلسطين فلن يوجد حل للقضية الفلسطينية إلا بالانتفاضة الشعبية المسلحة في الضفة والقطاع من جهة وإسقاط النظام في الداخل المحتل عبر انتفاضة شعبية ديموقراطية من جهة أخرى، في ظل صعود وتنامي النفوذ المشرقي الجديد في المنطقة الذي تقوده روسيا والصين، وهو نفوذ حتما سيصب في مصلحة شعوب المنطقة، وفي المقدمة منها الشعب الفلسطيني، وسينعكس إيجابا في تقديم الدعم والمساندة للنضال الفلسطيني بأشكال متنوعة ملموسة.
إذ ذاك ستشهد القضية الفلسطينية انتصارها التاريخي. وحتى ذلك الحين سيتعاظم المشهد الكفاحي ابتداء من هذه اللحظة القبيحة، لحظة الزهو والغطرسة الإمبريالية الصهيونية الماسونية التي يزعم فيها العدو أنه مسيطر ويحقق اختراقا تاريخيا وأنه يضع الآن المنطقة برمتها على شفا هاوية الابتلاع الاستعماري الوجودي والتي يسميها هو بلغة ناعمة مخادعة الاندماج والتعاون والتكامل.
إن هذه الحقائق البسيطة عن المتغيرات والتغيرات في المنطقة والعالم كفيلة بأن تنزع أي بريق أو جاذبية مزعومة لدى هذا الكيان في عيون المواطنين العرب اليوم، حتى جيل الشباب المراهق منهم. كما أن جوار المنطقة يشهد انبعاث دول إقليمية هي ليست بعيدة عن الفضاء الصيني الجديد وستندمج معه قريبا، دول تحقق الآن إنجازات مبهرة وتقدما على عدة صعد، وتنافس هذا الكيان وأظهرت قدرا من التحدي له سياسيا وثقافيا واقتصاديا وأمنيا، وأصبحت الآن تنسج تحالفات في المنطقة تمثل عناوين بارزة لهذا التحدي الحضاري الثقافي الجيوسياسي، وتقدم هي أيضاً دعما وعونا ملموسا للنضال الشعبي الفلسطيني ونضال المقاومة العربية الساند له.

أترك تعليقاً

التعليقات