٢١ أيلول والآمال المرتقبة
 

عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبد القوي العبسي / لا ميديا -
21 أيلول فيها مؤشرات البداية الجيدة، وأمامها كذلك الصعوبات والعقبات الجمة، ولديها ذلك الإرث الثقيل من تركة النظام السابق، وأمامها المتربصون الكثر في الداخل والخارح.
وشئنا أم أبينا، الواقع الراهن يؤكد ويشهد بوضوح أن اليمن قد دخلت عهدا جديدا ومسارا جديدا عنوانه الأبرز "عودة الروح" و"عودة الوعي" في آن معاً، حيث لا خلجنة منتظرة ولا أمركة أو تغريب ولا وصاية سعودية أو دولية، فـ21 أيلول تعني فيما تعنية إسقاط وصاية "الفصل السابع"، وتعني أيضاً ألاّ تطبيع يقترب من أبواب صنعاء، لا مشائخ ولا عسكر ولا إرهابيين، ولا قبيلة تتسلط على الدولة وتنفرد بالحكم... "بح"! انتهى كل ذلك!
وفي هذا السياق تحققت خطوة جيدة، لكن ما يزال هنالك الكثير الذي ننتظره، فذلك لا يعني ببساطة أن الطريق إلى سلطة الشعب والطريق إلى نيل الاستقلال كاملا طريق قصيرة وسالكة، إذ لا يزال أمام أيلول كثير من المهام الوطنية الديمقراطية لم تنجز بعد، وأولها تحقيق العدالة الاجتماعية.
نحن لا ننظر إلى 21 أيلول على أنها انحراف أو خروج على المسار، بعكس الآخرين الذين لم يفهموا المغزى التاريخي لـ21 أيلول، فظنوا بها ظن السوء انطلاقا من ملابسات كثيرة ومظاهر شكلية، وانطلاقا من أوهام الذات المنغلقة المتشائمة أو تأثير شطحات نظرية المؤامرة أو حمولات الماضي البغيض الفكرية بكل ما فيها من أفكار متحزبة ومتمذهبة أو منظورات مناطقية وجهوية سيئة كتلك التي سادت في سنوات الرصاص ما بين (1960 ـ 1990).
21 أيلول ثمرة لديالكتيك التاريخ، حيث الواقع المستبد الظالم المرتهن، واقع التبعية والإذلال، أنتج نقيضه الثائر الحر الرافض للتبعية والوصاية والاستعمار الجديد.
21 أيلول -إذن- هي ابنة التاريخ الشرعية، وليست سقطة أو غلطة أو انتكاسة للمسار، فهي تأتي كخطوة في الطريق الصحيح، كمحصلة لتراكم أخطاء نظام سابق أمعن في السير نحو الخطأ ولم يلتفت إلى النصائح أو يتدارك الأخطاء في حينه، محصلة لتراكم كمي من الأخطاء والاحتقان الاجتماعي أفضى إلى تحقيق الغضب الاجتماعي والانفجار الاجتماعي.
21 أيلول هي الانتفاضة الشعبية الثالثة، أتت لتصحيح مسار انتفاضتين شعبيتين سابقتين لها، وهما: الحراك الجنوبي في عام 2007، وفبراير الشبابية في عام 2011، وهما الانتفاضتان اللتان تعرضتا للاختطاف وحرف المسار.
21 أيلول انفجرت في وجه نظام كان يتفاخر بالتبعية لأمريكا والوصاية السعودية ووصفات البنك وصندوق النقد الدوليين المصممة للتجويع والإفقار الاجتماعي وخلق التمايز والفوارق الطبقية الواسعة...
نظام كان يتباهى بمشهد السيارات الفارهة جنبا إلى جنب مع المتسولين والمعطلين عن العمل والمتسربين من المدرسة والأطفال الصغار في سوق العمل والآكلين من القمامة ومشاهد عمال اليمن المطرودين من دول المهجر و... و... و... إلخ.
نظام كان يتفاخر بالفساد والتجهيل والإرهاب، يتفاخر بالدولة الهشة التي تخضع لسطوة مشائخ القبيلة وعساكرها والتجار الفجار ووكلاء الكمبرادور، يتفاخر بالتخلي عن دور الدولة الوظيفي الاجتماعي، يتفاخر بالحروب العبثية المحلية التي تبدد الثروة وفوضى تجارة السلاح، يتفاخر باستيراد الغذاء والملابس و... و... و... إلخ، واستهلاك كل شيء مستورد وبدون إنتاج محلي، يتفاخر بالبطالة والغش في الامتحانات والدروس الخصوصية وانقطاع الخدمات وانقطاع الكهرباء حتى في ليالي امتحانات الطلاب!
ومن يقارن اليوم بالأمس ينسى أن ما يحصل الآن هو بسبب الحرب الظالمة العدوانية ضد الشعب اليمني من قبل الأوصياء والمستعمرين ومن قبل أركان النظام السابق. ينسى أن ما يحصل الآن هو انتقام رهيب، لأن الشعب في أيلول رفع رأسه وأسقط الظلمة والأوصياء والعملاء، وهم أنفسهم الذين جعلوا من أنفسهم بالأمس ثورة مضادة للسادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر، بتصفيتهم لنظام الحمدي في الشمال وشنهم الحرب الظالمة في 1994، هم أنفسهم من جعلوا من أنفسهم ثورة مضادة للـ21 من أيلول/ سبتمبر، ويسعون إلى تصفية نظامها الوطني المقاوم.
وفي كلتا الحالتين والفترتين التاريخيتين، تجد بصمات بريطانيا وبناتها السعودية وأمريكا و"إسرائيل"، مع إضافة جديدة إلى المشهد تتمثل في مشيخة الإمارات.
21 أيلول لها البصمات الرائعة والاتجاه الصحيح، ولها الرؤية الاستراتيجية الوطنية ذات المعقولية والواقعية، ولها عشرية البناء التنموي (2020 ـ 2030)، لكن المهددة بالحرب والمتربصين والتركة الثقيلة من تخلف الإدارة والفساد والعصبية والنفوذ القبلي.
21 أيلول فيها الكثير من الآمال المرتقبة، أنها ستمثل بداية لتعزيز روح الشراكة الوطنية بمجرد انتهاء الحرب الظالمة العدوانية، وتحقيق ديمقراطية التوافق الوطني لمرحلة انتقال صوب عقد اجتماعي جديد، بعيدا عن الوصفات والنماذج الغربية الجاهزة، وأن اللامركزية في إدارة الحكم ستأتي كاختيار وطني سليم على أسس علمية ديمقراطية بدلا من المخطط التقسيمي التفتيتي الاستعماري الذي يستهدف إنشاء كانتونات متحاربة.
21 أيلول ستحقق استدارة نحو الشرق باتجاه المصالحة مع الذات الوطنية، ومغادرة الاغتراب والتبعية والزيف، والعودة إلى الأصالة وبعث الروح الوطنية من جديد.
متفائلون بأن نشهد مع أيلول ازدهاراً للثقافة الوطنية وترسيخاً للهوية، وأن نرى في ثورة 21 أيلول البعد القومي والأممي الجيد، فلا تعصب للعروبة ولا احتقار قومي للشعوب الأخرى؛ سوى الدول المحتلة الظالمة، دول الطغيان والاستكبار الاستعمارية.
ومن خلال الروح المتفائلة لدينا، تعني لنا ثورة أيلول فيما تعني: العودة إلى صف القضية الفلسطينية حقيقة وليس نفاقا أو ادعاء كما كان النظام السابق.
وتعني أيضاً انضمام اليمن إلى صف مقاومي التطبيع مع الكيان الصهيوني والرافضين للوجود الإمبريالي الأطلسي في المنطقة.
وتعني القوة العسكرية الضاربة والجيش الوطني القوي الذي يحمي المكتسبات الوطنية الاجتماعية.
وتعني العودة إلى اليمن الزراعي الأخضر المنتج، يمن البن وليس يمن القات.
وتعني الأمن الغذائي بعيدا عن استيراد الحبوب من أمريكا عدوة الزراعة.
وتعني التأسيس لمسار تنموي مستدام ومستقل، وامتلاك ناصية القرار الاقتصادي والسياسي المستقل، وأن الثروة ستذهب إلى الوطن فلا يسرقها الخليجي أو المستعمر وأذنابه.
وتعني البدء في إيقاف نزيف الفساد المبدد للثروة العمومية والمعوق للتنمية.
وتعني إيقاف انخراط اليمن في مشاريع أمريكية صهيونية ماسونية قذرة، مثل مشاريع الناتو العربي والتطبيع والدين الإبراهيمي الجديد.
وتعني حماية السيادة الوطنية وليس بيع الأرض والجزر والموانئ وإنشاء القواعد العسكرية الاستعمارية والتحكم في المياه اليمنية.
وتعني كيف نجعل اليمن حقا كما كانت: مقبرة للغزاة لا مقبرة للنفايات!
وأخيراً، تعني حسم الاتجاه شرقا نحو الأصدقاء، داعمي نصرة الشعوب، بدلا من الغرب الاستعماري الصهيوني.
وتعني الانضمام قريبا إلى منظمة شنغهاي، لا إلى الناتو العربي، وأن تغدو حقاً تدشيناً لمسار جديد وعهد جديد، فيه اليمن حر وديمقراطي موحد.

أترك تعليقاً

التعليقات