عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبد القوي العبسي / لا ميديا -
إذا كان ممكنا لنا القول بأن القرن الأمريكي امتد من العام 1920 وحتى العام 2020، فإنه يمكننا القول بالمحصلة أن العام الحالي هو أول أعوام القرن الصيني، الواحد والعشرين.
وما يحملنا على هذا القول هو هذه التغيرات الدولية العاصفة والمتسارعة التي حدثت في العام الماضي والحالي والتي تكشف لنا وبأوضح صورة هذا الصعود المدهش لدول ناهضة كبرى ومتوسطة، وبروز مشاريع عملاقة، والإعلان عن سياسات واتفاقات وتحالفات جديدة كلها تسحب البساط من تحت أقدام النفوذ الغربي الأطلسي على العالم دفعة واحدة وتقلب الطاولة رأسا على عقب أمام هذا النفوذ الذي امتد لعقود من الزمن.
لقد ألقت نتائج الحرب العظمى الثانية بظلالها على المسرح الدولي على شكل صعود قوتين عظميين تجسدتا في المعسكرين الشرقي والغربي، لينتهي القرن العشرين على هيمنة أحادية أمريكية على خلفية ثورة المعلومات والاتصالات وتعمم النهج النيوليبرالي المتوحش وفتح الأسواق عنوة وتعاظم سطوة الاحتكارات الغربية الكبرى وتسيد نزعة العسكرة الأمريكية للعالم... لكن كل هذا بدأ يتلاشى خلال السنوات المنصرمة مع تزايد مؤشرات حدوث تغيير في النظام العالمي من الأحادية القطبية إلى التعددية، ومن النفوذ الأمريكي السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي إلى الانحسار والتراجع، ومن نهج التوحش النيوليبرالي إلى مناقشات العودة إلى السياسات الاجتماعية، ومن فتح الأسواق عنوة إلى بعض الحمائية، ومن التغلغل الأمريكي في كل مكان إلى التكتلات والتحالفات الاقتصادية والسياسية والعسكرية المضادة، ومن التفوق التكنولوجي الأمريكي إلى بروز التفوق الروسي والصيني في مجالات عديدة، ومن الكلمة المسموعة لأمريكا في كل مكان إلى المعارضة الواسعة والتحدي لأمريكا حتى في أوساط حلفائها في جميع أرجاء المعمورة، ومن الجدار الأمني الصلب إلى الهشاشة وسهولة الاختراق، ومن التماسك الاجتماعي الداخلي إلى تفجر المشكلات والأزمات الاجتماعية في المجتمع الأمريكي بل والمجتمعات الغربية الأطلسية ككل.
وبالإضافة إلى ما أظهرته كارثة وباء كورونا العالمي من مقدرة عظيمة ومدهشة لدولة الصين الشعبية ومعها دول شرقية ناهضة أخرى في التعامل الإداري الناجح والسيطرة على الوباء باستخدام أحدث التقنيات وأساليب التحشيد والتعبئة والتوعية والتنظيم مع بروز قدر كبير من التفوق العلمي في فهم الوباء وإنتاج لقاحات مضادة له على درجة عالية من الأمان والموثوقية قياسا باللقاحات الغربية.
بالإضافة إلى ما أظهرته دول غربية أطلسية عظمى من عجز وقصور إداري واجتماعي وعلمي أيضاً في كبح انتشار الوباء ووقف تداعياته الكارثية على الاقتصاد والصحة والأمن.
ولا شك أن نجاح الشرق الناهض إبان كارثة "كورونا" هو مؤشر إلى القوة الجديدة ومركز الثقل الحضاري الجديد، وسيحافظ هذا الشرق على ميزات الرعاية الصحية العمومية على اختلاف أنماطها تحسبا للعودة المتكررة للوباء وأشباهه، بينما سيلتقط الغرب ومناطق أخرى الدرس العظيم للعودة إلى ميزات التأمين الصحي والضمان الصحي والاهتمام الأوسع بالبنية التحتية الصحية كما كان الحال في السابق في القرن الماضي قبل الانتقال إلى التوحش الريغاني التاتشري.
إن كارثة كورونا ودروسها وتداعياتها سوف تحفز وتسرع قدوم موجة اجتماعية تاسعة (نقول إنها قد بدأت بالفعل منذ عامين تقريبا). إن أهم وأبرز نتائج هذه الموجة هو العودة إلى انتشار وسيادة نمط من الاقتصاد الاجتماعي يشبه ذلك الذي كان إبان سنوات (الثلاثينيات- السبعينيات) الذهبية.
والمفاجأة التي لا تنتهي لم تتوقف عند أزمة كورونا فقط، بل امتدت إلى مجالات أخرى ولمسناها من خلال حوادث أخرى لا تقل إدهاشا وأهمية ودلالة، كمثل الهجوم السيبراني واسع النطاق على الدولة الأمريكية الذي نفذه قراصنة شرقيون، والانقسام الحاد في المجتمع الأمريكي والذي ظهر بوضوح كبير أثناء الانتخابات الأمريكية الأخيرة والتراجع الأمني الكبير داخله جراء هذا الانقسام الذي تغذيه أفكار اليمين الأمريكي العنصري الانعزالي والتي تعكس في العمق ملامح الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تنخر هذا المجتمع منذ عقود.
لدى قطاع واسع من الأمريكيين رغبة في الانسحاب من المجال العالمي والانكفاء نحو الداخل لإعادة ترتيب البيت في إطار من شعور شعبي ونخبوي متعاظم بتراجع دور الدولة والأمة الأمريكية على الصعيد العالمي بسبب هشاشة الداخل اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وإبداعيا!!
الأزمة الأمريكية بما هي أزمة نظام رأسمالي إمبريالي متوحش كشرت عن أنيابها في تعاظم المديونية وزيف معالجات البطالة وتراجع الاقتصاد الحقيقي، والتراجع الاقتصادي التجاري أمام الصين وتفاقم الهشاشة واستمرار وتعاظم الركود وتراجع الابتكار وتعاظم إشكالات مخاطر الطاقة الأحفورية وتصاعد دعوات الانتقال إلى الطاقة البديلة وتزايد صراع قوى الاقتصاد الداخلي الكلاسيكي والجديد، وتزايد معدلات العنف والجريمة والعنصرية والتفكك الأسري وتعاظم ظاهرة اليمين العنصري المتطرف ومعاداة الهجرة والأجانب.
في الأثناء تزايد الحديث عن فقدان الحلم الأمريكي والشعور بخيبة الأمل في كتابات الباحثين والصحافيين وتصريحات الساسة، فأمريكا تغيرت وبدأت تفقد تفوقها الحضاري حتى في المجالات التي كانت تمثل في الحقيقة جوانب قوة وتطور حضاري لها!
إن التغير الطفيف في سلوك وسياسة الإدارة الأمريكية الديمقراطية الحالية حيال أهم وأبرز الملفات والقضايا الخارجية والداخلية هو مشهد صادم للكثيرين، فهو يعكس أيضاً مدى الهشاشة والارتباك والجمود الذي وصلت إليه الإدارة والنخب في الدولة الأمريكية، ولا أوضح مثال في ذلك من هذا العجز الراهن حيال قضايا "الشرق الأوسط" الذي تبديه هذه النخب في مقابل المبادرة والتحرك والنقلات الشطرنجية المدهشة لدول الشرق الناهض كالصين والهند وروسيا وإيران وباكستان وغيرها.
ففي الوقت الذي تخسر فيه أمريكا والغرب من رصيد قوتها في هذه المنطقة ومناطق أخرى من أقاليم الشرق، حتى حلفاؤها الذي سعت ولا تزال تسعى لتجميعهم في حلف واسع يشبه "النيتو الشرق الأوسطي" ضد الصين وروسيا وحلفائهما تجدهم مختلفين معها ومفككين وفي نزاع سياسي معها ومع زملائهم داخل هذا الحلف "الشرق أوسطي" وسط ارتباك وعجز أمريكي مقابل اقتراب يتسم بالدهاء من قبل الخصوم: روسيا والصين!!
العام الحالي هو عام الأرقام الصينية المدهشة، حيث أعلن صندوق النقد الدولي أن الصين وصلت هذا العام إلى مستوى أكبر اقتصاد في العالم اعتمادا على مقياس ومؤشر أكثر صوابا وهو مقياس القوة الشرائية، وهذا اعتراف متأخر فجر مفاجأة سارة للكثيرين جنبا إلى جنب مع حقائق أنها باتت المصنع الأكبر والتاجر الأكبر والمقرض الأكبر في العالم، وباتت تقود طابورا طويلا من التعاون الاقتصادي الدولي يمتد لعشرات الدول من مختلف القارات، بل وتحقق اختراقا مدهشا ومعها حليفتها (روسيا) في منطقة "الشرق الأوسط"، وآخر مفاجآت هذا الاختراق هو اتفاقية التعاون الاستراتيجي الصيني ـ الإيراني والذي يضع محاولات أمريكا وحليفتها الدولة الصهيونية لتدمير إيران في مهب الريح!
فإذن، يمكننا أن نقول إن العام الحالي هو البداية الزمنية الفعلية لقرن جديد، حيث الانعطافة التاريخية لمركز ثقل جغراسياسي حضاري جديد، حيث بدأت ترتسم فيه الخارطة الجديدة للممرات التجارية البرية والبحرية، ومعها ارتسمت بالفعل ملامح النفوذ الجيوسياسي الاستراتيجي الجديد والتغير الحاصل في موازين القوى العالمي لتصبح قارة آسيا ومعها الاتحاد الأوراسي مركز الثقل الاقتصادي والسياسي والعسكري الجديد في العالم. ويكفي أن نرى عدة ممرات تجارية عالمية بديلة جديدة يتم التهيئة لها حاليا لتلعب دور الشرايين الجديدة في جسم الاقتصاد العالمي القادم في القرن الجديد: ممر القطب الشمالي وممر جنوب- شمال (العابر لإيران)، بالإضافة إلى الممرات البرية والبحرية لمشروع طريق الحرير الصيني العملاق، أضخم مشروع في التاريخ، ومشاريع أنابيب الطاقة بين الصين وسيبيريا ومشاريع السيل الشمالي والسيل التركي وغيرها، وكلها تؤدي إلى نهضة تجارية عملاقة للشرق، وينتج عنها آثار جيوسياسية استراتيجية عظيمة تصب في مصلحة نهوض أركان الشرق الناهض الجديد.
في هذا العام أعلنت الصين حدوث تفوق في مجال عسكرة الفضاء وحرب الأقمار الصناعية ونفذت العديد من المناورات العسكرية العالمية بالشراكة مع حلفائها وأكثرت من إطلاق التهديدات في وجه الإمبريالية الأطلسية ردا على تدخلاتها وسياساتها العدائية ضدها.
وبدأت تبرز إلى الواجهة ملامح الحرب التنافسية التكنولوجية في مجال الاتصالات والنقل، وأخذ الاهتمام يتعاظم بقضية تغير المناخ، وأبدت الصين أيضاً اهتماما بهذا المجال ولتعلن عن مشاريع جمة في المدن الخضراء ولتعترف بضرورة التغيير في أسوأ ملف تعاني منه الصين (تلوث المدن) بسبب الطفرة الصناعية التي حدثت في الخمسين عاما الماضية.
إن مشاريع المدن الخضراء والنقل النظيف السريع الكهرومغناطيسي والطاقة البديلة وربط المدن في الصين والجوار بهذه المشاريع الثورية ستنقل واقع بلدان الشرق إلى مرتبة الصدارة الحضارية في غضون ثلاثة عقود فقط.
هذه المشاريع أخذت تحتل الحيز المعقول في خارطة التنمية الاستراتيجية، وهو ما يعني تسريع النهج الجديد والبداية الجديدة وحث الخطى على طريق قرن جديد قادم تدشنه الصين هذا العام في إطار استراتيجية كبيرة وصولا إلى العام 2049، وهو العام الذي تطمح فيه الصين إلى أن تصبح القائد الأكبر لمسيرة حضارة القرن الواحد والعشرين.
وبالمقابل نرى تحركا أمريكيا أطلسيا وغربيا يائسا ومسعورا لكبح جماح هذا التبدل المفاجئ ومحاولة استخدام مختلف أساليب العرقلة والتأخير والاحتواء بالأساليب العقابية الاقتصادية والسياسية والإعلامية والتخريبية الأمنية السيبرانية أو بمحاولة إنشاء تحالفات جديدة كما هو حال المحاولة البائسة مع الهند وأستراليا وكوريا الجنوبية واليابان، مع إدراك صعوبة تغيير المسار أو إيقافه والوصول إلى مسألة التعامل مع الأمر الواقع، وهو ما نلمسه من بعض تصريحات (الإمبراطور الأخير) جو بايدن عندما يتحدث عن الرغبة الصينية المحمومة في قيادة العالم، وهو الرئيس الذي سيدخل التاريخ بوصفه آخر الرؤساء الأمريكيين الإمبراطوريين في التاريخ.
إن محاولات بايدن التاريخية تأتي متأخرة، وهي تشبه بلغة كرة القدم ما يسمى "اللعب في الوقت بدل الضائع"، ولكن يبدو أن نصائح العشرات من كبار رموز النخبة العالمية أمثال كيسنجر وطلال أبو غزالة وغيرهم بدأت تؤتي أُكلها، حيث يستعد السياسيون الأمريكان ومعهم حلفاؤهم الأوروبيون ونزولا عند نصائح الخبراء والمستشارين الكبار للتعامل مع الواقع العالمي الجديد وضرورة الدخول في ماراثون حوار طويل مع الصين وحلفائها من أجل بحث ترتيبات النظام العالمي الجديد الذي سيتم تقاسم النفوذ فيه بين المعسكرين الجديدين الشرقي والغربي، ولكن ليس لفترة طويلة وإنما على المدى القريب، فقط عقدين أو ثلاثة.
فالقرن الواحد والعشرين هو قرن الشرق الجديد القائد لمسيرة الحضارة العالمية، وهو القرن الصيني بامتياز، والتسمية هنا تتجه للدولة القائدة والرائدة ذات النموذج العالمي الجديد الطموح القابل للتقليد والتصدير، كما ألمح إلى ذلك قبل أعوام ولأول مرة القائد العالمي الشجاع "شي جين بينغ" بعد فترة انكفاء طويلة وعدم تدخل في شؤون الدول الأخرى، وهو النهج الذي لم يعد له معنى في الوقت الراهن، خصوصا إذا كان للرفاق في مجلس الشعب الصيني والمكتب السياسي وقيادة الجيش الشعبي رغبة شديدة في إنقاذ البشرية ووضع حد للعبث والجنون الأمريكي الأطلسي الإمبريالي والهوس الماسوني بالنخبوية والتفوق العرقي الذي يقود شعوب العالم إلى شفير الهاوية والهلاك والاستعباد! وتفشي الظلم والتمييز اللاإنساني.
نعم، الوضع يتغير الآن والصين بحاجة إلى الحشد والتعبئة الأممية الواسعة النطاق للدول الصديقة والحليفة من أجل صياغة النظام الدولي الجديد العادل، وهي مسألة تكاد تكون حتمية ومفروغاً منها، مهما حدث من صراعات وأحداث كبرى عالمية مفاجئة وغير متوقعة، ومهما تفننت قوى الحلف الغربي الشيطاني في ابتكار أساليب التدمير الموجهة للقوى الشرقية الصاعدة المستنيرة بنور الأممية والعدالة للشعوب المستضعفة في وجه بقايا الغطرسة الاستعمارية.
نقول مهما تفننت القوى الإمبريالية في ابتكار أساليب التدمير إلا أنها لن تكون بمستوى ضخامة وتسارع النهوض الشرقي العظيم الذي سيشمل العشرات من الدول الكبيرة والمتوسطة التي ستتقارب معا وتتعاون لتشكل جبهة عالمية شرقية من أجل التنمية والأمن والتقدم، وستنضم إليها لاحقا حتما العديد من الدول الإسلامية والعربية أيضاً.
فمهما كان حجم التدخل الغربي الأطلسي العدواني فهذا لن يغير من الأمر شيئاً، واتجاه التاريخ الراهن يسير في تجاوز حقبة الغرب وطي صفحة الحضارة الغربية إلى الأبد، أو لنقل بالأحرى وراثة الشرق الناهض للحضارة الغربية بملامحها، حيث "الحداثة والفكر العلمي العقلاني والعلمانية والتمدن والصناعة والثورات العلمية الصناعية والرأسمال وظهور طبقتي البورجوازية والبروليتاريا والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأخيراً الاشتراكية الجديدة وغيرها" وانتقالها إلى الشرق فيما يشبه تحققا مدهشا لنبوءة الفيلسوف الألماني الشهير "شبنجلر" مطلع القرن الماضي، الذي تكلم عن انحطاط وأفول الغرب وصعود الجنس الأصفر، ويلتقي هنا –ويا للمصادفة التاريخية المدهشة والسعيدة!- مساران يندمجان في مسار تاريخي واحد:
أولهما: مسار عودة الشرق إلى الصدارة الحضارية في عملية يحب الكثيرون أن يسموها "وراثة الحضارة الغربية".
وثانيهما: مسار تجاوز النظام الرأسمالي الراهن الذي طبع الحضارة الغربية بطابعه الخاص أو تطبع هو بطابع الحضارة الغربية الخاص، والانتقال عبر مرحلة انتقالية طويلة إلى نظام اقتصادي اجتماعي جديد يتسم بالعقلانية والعدالة والإنسانية، وهو ما أطلق عليه علماء الاجتماع والاقتصاد تسمية "النظام الاشتراكي".
هذه الحقبة كان أبرز ملامحها تغول الإمبريالية الأطلسية وأيديولوجيتها النيوليبرالية المتوحشة، حيث هيمنة الاحتكارات الغربية على العالم وانتشار الاقتصاد غير الحقيقي، الفقاعي المالي على حساب الإنتاجي الصناعي وسيادة مفاهيم العنصرية والاستخفاف بالبيئة، وسياده نمط من الاقتصاد الاستهلاكي القائم على مبدأ الربح المدمر للطبيعة ولأخلاق الإنسان، والبعيد كل البعد عن الترشيد والعقلانية والاستدامة.
ويكفينا أن نعلم أن كارثة "كورونا"، وقارة النفايات الثامنة، والاحتباس الحراري، وعسكرة العالم، واندلاع الحروب، وتفشي الفساد الممنهج، وتصاعد معدلات الجريمة والعنف والإرهاب والعنصرية، والمهاجرين ضحايا الغرق في البحر، وعودة انتشار الخرافات، وتسطيح الثقافة و... و... و... كلها دلائل فشل النظام الرأسمالي وتؤكد الحاجة إلى البديل الأفضل.
مإذا نتوقع من اقتصاد مأزوم يلجأ طواغيته للخروج من نفق الأزمات إلى استخدام القوة العنفية أو الناعمة لنهب ثروات الشعوب واستعبادها وتحطيم ممانعتها لتبقى مجتمعاتها أسواقا لتصريف المنتجات وعمالها عبيدا للإنتاج وأوطانها أبقاراً حلوبة للتزويد بالطاقة والمعادن والمال؟! هذه الحقبة السوداء في التاريخ البشري تميزت بمفارقات عجيبة على صعيد الأيديولوجيا والثقافة والعلم، ففي الوقت الذي يسود فيه نهج التفكير العلمي التقدمي الإنساني لدى الكثيرين نرى سيادة ثقافات عرقية رجعية يمينية متطرفة بخلفية ماضوية دينية في أوساط الغالبية الشعبية ولدى الكثيرين من أبناء النخب والطبقات البورجوازية العليا، أو نرى سيادة ثقافة أخرى شبيهة لها في بعض الجوانب، ثقافة كوزموبوليتانية ليبرالية أورومركزية أطلسية واهمة بنفس عنصري، ولا تخلو هي الأخرى من رواسب الفكر الرجعي الديني وأحاديث بلهاء من قبيل تفوق عرق أو جماعة دينية مختارة بمباركة من رب السماء، وتجدها منتشرة في الأوساط الاجتماعية ذاتها!
ومثل هذه التفاهات يشترك فيها ويتشابه فيها الكثير من المسيحيين والنازيين والصهاينة والماسونيين، وهم بمجموعهم يمثلون ظاهرة الانحطاط الفكري والثقافي والأخلاقي في هذه الحضارة الغربية المفلسة.
في المقابل ولدى الطرف الآخر، الذي يمثل في الوقت الراهن حقا طرف النور والاستنارة الحقيقية ويمثل الضمير والإنسانية واللب الحضاري والذي ظهر على مسرح التاريخ كنتاج إبداعي ثوري تاريخي لأعظم الثورات الإنسانية، الثورة الروسية والصينية والفيتنامية وغيرها (المعسكر الشرقي وحلفائه في الجنوب)، ستسود مفاهيم وسياسات عن الإنتاج والاقتصاد الحقيقي والمنفعة التجارية المتبادلة واحترام سيادة الدول وخصوصياتها الثقافية والتضامن الأممي والحاجة إلى صياغة نظام دولي جديد عادل يتسم بالتكافؤ والندية والحوار والتعاون والتعاضد في سبيل تقدم البشرية ورخائها، ويبرز فيه دور متعاظم للدولة الوطنية في تنظيم الاقتصاد وتحقيق قدر من إعادة توزيع الثروة في صالح الطبقات الشعبية الكادحة بدلا من نظام لا يخدم إلا الأغنياء الطفيليين فقط.
وستختفي النزعة التسلطية الإمبريالية على الدول الضعيفة لمصلحة الشريك الصديق الأممي الحريص على مبدأ رابح -رابح في العلاقة- بدلا من النهب السائر في اتجاه واحد من الأطراف إلى المتروبول الإمبريالي حيث احتكار التكنولوجيا والسيطرة على الأسواق وتحكم الخبراء والجواسيس وسيطرة القوة العسكرية وغسيل الأيديولوجيا للعقول وتسطيح الثقافة والترويج للخرافة وشن الحروب الاستعمارية التدميرية ونشر الأوبئة وتدمير البيئة وتحطيم محاولات تحقيق الأمن الغذائي للشعوب، وهي العناوين التي يحركها دافع الربح الرأسمالي الشرير.

أترك تعليقاً

التعليقات