فتش عن الاستعمار!!
 

عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبدالقوي العبسي / لا ميديا -
إذا جعلت من الاستعمار (قديمه وجديده) شماعة تعلق عليها الأخطاء والمصائب والكوارث التي حلت بشعوب أمتنا العربية والإسلامية، بل وشعوب الجنوب ككل، فإنك تكون على صواب.
ولو قلت في مستهل كل حكاية خراب، وحكاية جمود، وحكاية صراع جانبي عبثي، وحكاية ثورة مضادة، وحكاية سقوط أو انتكاسة، وحكاية ردة ثورية، وحكاية سقوط نظام سياسي وطني، وحكاية فشل مسار تنموي... لو قلت في مستهل كل حكاية من هذه الحكايات: في البدء كان الاستعمار وفي المنتهى أيضاً، تكون على صواب، نعم، وبنسبة عالية جداً.
فاصرخ بملء فيك: هي التبعية يا صديقي، لعنة هذا الزمان، وهو النظام البنيوي الكولونيالي البغيض، الأساس في كل هذا الواقع المرير. واستحضر حين التفكير في هذا أبرز أفكار الأستاذ الشهيد مهدي عامل في هذا الخصوص.
اصرخ أيضاً بملء فيك وقل: هو الغزو المتجدد والأساليب المتجددة للهيمنة، وهي كل العناوين والمفردات المخادعة التي تسمعها. إعادة الانتشار وإعادة التموضع وإعادة الأمل ومكافحة الإرهاب والإغاثة والمعونات وإعادة بناء التحالفات وتقديم الدعم والمشورة و... و... و... و... إلخ من تلك المفردات الخبيثة في باطنها، المريحة في ظاهرها.
ولو أنك تعمدت إغفال جوانب أخرى وعوامل أخرى في السياق وفي المشهد وفي الصورة، وركزت فقط على التدخل والتأثير الاستعماري، بل والارتباط البنيوي بالاستعمار، فإنك لا تجافي الحقيقة ولم تتعسف الواقع والتاريخ كثيراً.
حتى لو وجدت بعض معشر البورجوازيين وبعض المطاوعة يسخرون منك فلا تبتئس أو تكترث لقولهم، ومد رجليك ما أمكن ولا تبالِ.
نعم يا صديقي، فعوامل الثقافة والذهنية والأيديولوجيا والتركيبة القبلية والخصائص الأنثروبولوجية والبيئة والمناخ والجينوم والسيكولوجيا، كلها -على أهميتها في الوصول إلى ما نحن عليه من تأخر وتفكك وانهيار وضياع- فإن تأثيرها ودورها يكاد يتضاءل أمام ما نراه من تعاظم الدوافع الاستعمارية والغزو والاستغلال والهيمنة والتبعية البنيوية الكولونيالية وبناها وإفرازاتها والسياسات الاستراتيجية الاستعمارية المتجددة على الدوام والتدخلات الكارثية للمستعمر بكل أنواعها والمصممة لاحقاً لتحقيق هيمنتها وإعادة إنتاج ديمومتها على أساس تلك المعطيات والمتغيرات المتعلقة بها والمتكونة أولاً منذ النشوء بالدرجة الأولى على أساس المصالح والبحث عن الثروة، بمعنى المصممة على أساس دوافع الجغرافيا وأطماعها وخصائصها من موقع وموارد طبيعية وبشرية ومكامن ثروات.
فالاستعمار يا صديقي مغروس في بنية الداخل مذ وطأت قدماه النجسة أرض بلادنا الطاهرة قبل مائتي عام، ويكاد يكون متجذراً في كل شيء؛ في الثقافة والذهنية والفكر والاجتماع والاقتصاد والسياسة... و... و... إلخ، وهو ينتج ويعيد إنتاج كل شيء، ويدخل في التكوين البنيوي لكل البنى المادية والروحية لهذه المجتمعات المتأخرة والمنكوبة بلعنة تاريخية اسمها الاستعمار، الذي أعاد إنتاج -ولا يزال- كل البنى المادية والروحية تقريباً، وأعاد تصميمها وصياغتها وفق مصالحه وحاجاته غير المشروعة، حتى الأفكار الدينية عبث بها وشوهها وأعاد إنتاجها بشكل خبيث على مقاس أجنداته ومصالحه ورؤاه الشريرة.
إذن، الاستعمار هو الداء منذ البداية، وفك الارتباط هو الدواء. والاستعمار ما زال باقياً ما بقي النظام الرأسمالي العالمي، ومستشرساً ما بقيت الأزمة وبقي تغولها وتعاظم حدتها.
نعم، لم تنتهِ الظاهرة الاستعمارية بعد، وهي في لحظتها الراهنة، وإن تكشف أفق اضمحلالها القريب، لا تزال تنتج كوارثها بشكل عنيف، لكنه عنف ما قبل السقوط المرتبط باستفحال الأزمة إلى عتبة الانهيار الكبير، حيث العنف لحظة ما قبل السقوط وأثناء السقوط لا يضاهيه أي عنف آخر في التاريخ.
ولا مناص أو افتكاك لهذه المجتمعات من الاستعمار إلا بالمقاومة والثورة، ثورة التحرير الوطني والتحرير الاجتماعي معاً، والتي على هذا الجيل من البشرية أن يبحث عن خصائصها وعوامل نشوئها والتحضير والاستعداد لها.
أخيراً نقول: لعنة التاريخ على كل مثقف أو مواطن أو حاكم أو جهة أو مؤسسة أو نظام سياسي خائن جعل نفسه مطية أو أداة من أدوات الاستعمار وحقق مصالحه الذاتية على حساب سيادة وكرامة وحرية وطنه وتحرر مجتمعه الذي ينتمي إليه. والمجد كل المجد لأبطال المقاومة الشرفاء من زمن عمر مكرم إلى زمن مادورو وأحمد سعدات ومروان البرغوثي... ولكل الشهداء والجرحى والأسرى كل المجد.

أترك تعليقاً

التعليقات