عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبدالقوي العبسي / لا ميديا -
عشرة أخطاء قاتلة -من وجهة نظرنا- ارتكبها الحزب الاشتراكي اليمني طيلة العشرين عاماً الماضية، أي طيلة مسار التراجع والنكوص والموات البطيء، وهي الأخطاء التي قوضت الكثير من شعبيته ومصداقيته لدى أبناء الشعب اليمني. وسنتناول فيما يلي هذه الأخطاء العشرة بالشرح:
الخطأ الأول: التخلي الأحمق الساذج والمتسرع عن المنهج العلمي الاشتراكي.
الخطأ الثاني: التخلي عن الانتماء الطبقي الشعبي كحزب للكادحين، حزب الغالبية الشعبية الفقيرة الكادحة، والتسرع في الحكم على صوابية هذا النهج والوقوع في فخ أوهام اليسار الليبرالي!
والغريب أن هذا التوجه الجديد حدث في فترة تنامي وصعود الموجة الاجتماعية العالمية الثامنة التي شهدت أبرز أحداثها عودة اليسار الثوري في أمريكا اللاتينية وانتصار الثورة البوليفارية في فنزويلا، وتصاعد حركات مناهضة العولمة الرأسمالية، والنجاح المذهل للتجربة الصينية التي يقودها حزب لم يتخل عن نهجه اليساري حتى الآن. والغريب أن قادة الحزب كانوا مايزالون غارقين في الإصرار على النهج الجديد حتى بعد اندلاع الأزمة الرأسمالية المالية عام 2008، وعودة اكتشاف كبار الباحثين والمفكرين والعلماء البورجوازيين لكارل ماركس.
لا نرى أي اعتبارات مقبولة تبرر الوقوع والاستمرار في هذا الخطأ؛ لا سياسية ولا اجتماعية ولا أمنية حتى مهما كانت الادعاءات، ولا حتى فكر المراجعة ولا ميزان القوى، ولا حتى متطلبات التكتيك السياسي المرحلي يسمح لنا بهذا الانزلاق السياسي المريع وهذا الانتكاس الفكري السياسي الفاضح.
وهذا المسار المهرول نحو القاع والمتجه نحو حالة شبه الغياب السياسي عن مشهد الدفاع عن مصالح الشعب، لكنها اللعنة ذاتها في تاريخ أحزاب مشوهة التركيب الطبقي، اللعنة المتمثلة في حرص القيادات على العودة السريعة إلى السلطة والانتفاع بمكاسبها الضيقة والتشعبط بذيلها حتى وإن كانت سلطة فاسدة خائبة منبوذة جماهيرياً وآيلة إلى السقوط.
الخطأ الثالث: الانضمام إلى منظمة الاشتراكية الدولية سيئة الصيت، باعتبارها منظمة إمبريالية دولية في التحليل الأخير، وهي المنظمة التي كانت تدعي الإنسانية والديمقراطية وحقوق الإنسان وفي الوقت نفسه كان أبرز أعضائها يباركون جريمة الغزو الإمبريالي الفاشي للعراق وما تلاه من انتهاك واسع النطاق لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب، وهي المنظمة التي فشل أغلب أحزابها في سياساتها الداخلية والخارجية، وهو ما أضعف تأثيرها في سنوات كثيرة وعكس نفسه على ضعف تعافي وقوة هذه المنظمة الدولية الكبيرة التي قيل عنها إنها ثاني منظمة أممية من حيث الحجم والأهمية.
بدأ الحزب منذ دخوله في المدرسة الفكرية السياسية «الجارللية»، (نسبة إلى المناضل والمفكر القائد الشهيد جار الله عمر)، أواخر التسعينيات، يتجه غرباً في استدارة 180 درجة جغرافياً وسياسياً وفكرياً على قوس الطيف السياسي، في وقت كانت تحقق فيه أحزاب يسارية كبرى بعضها حاكمة من الشرق والغرب ومن خارج هذا الإطار المفلس المسمى «الاشتراكية الدولية» نجاحات هائلة على صعيد الفكر والممارسة والاستقطاب الجماهيري وتحقيق الإنجازات الاجتماعية والتنموية المدهشة، مما جعلها تكسب صيتاً عالمياً كبيراً، على سبيل المثال الحزب الشيوعي الصيني الحاكم.
هنا كان الأحرى بالحزب الاشتراكي اليمني تحقيق التقارب وتقوية العلاقات الفكرية الثقافية والسياسية مع هذه المؤسسات النضالية العملاقة، والاستفادة من تجربتها وخبراتها العلمية والإدارية، بدلاً من الدخول في نادي الفاشلين الأممي من جوقة اليسار الاستعماري المتصهين! مع تأكيدنا من واقع المشاهدة والمتابعة أن وجود أجنحة يسارية فاعلة في بعض هذه الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية والديمقراطية الاجتماعية لا يقدم ولا يؤخر في التأثير والفائدة.
للأسف، الحزب الاشتراكي اليمني تحول إلى حزب ليبرالي بائس، أو هكذا يبدو لمتابعيه ومريديه، تأثيره هامشي حتى أقل من تأثير منظمات المجتمع المدني عندنا! في الوقت الذي يحتاج البلد فيه إلى حزب يساري ثوري مناضل مستقل فاعل يدافع عن مصالح الأغلبية الفقيرة، وليس مهما الحجم والمصالح والارتباط بالسلطة أو دوائر القرار الإقليمي والعالمي بقدر ما إن المهم هو الفاعلية والتأثير في أوساط المفقرين من أبناء الشعب وفاعلية الضغط السياسي والجماهيري على السلطة لانتزاع مكاسب شعبية اجتماعية مهمة على طريق السير نحو الثورة وفق استراتيجية النفس الطويل.
البلد يحتاج إلى حزب ينطلق من خصوصيات الواقع الاجتماعي اليمني ويصحح أخطاء التجربة الماضية وينأى بنفسه عن الدوجمائية والشطط الطوباوي وعن النزعات اليساروية الطفولية، حزب يشتق أفكاره وبرامجه من واقعه الاجتماعي المدروس جيداً ومن تراثه الفكري العلمي والنضالي، ولا ينجر إلى أفكار وسياسات ووصفات ومشاريع قوى ودوائر استعمارية وبلدان صناعية متمدنة حديثة تبعد عنا مسافة زمنية تاريخية تصل إلى ما يقارب المائة عام.
لا نحتاج إلى حزب نفعي مرتبط ببعض أجنحة السلطة وله علاقات انتهازية مع منظمات أجنبية معادية مشبوهة كالمعهد الديمقراطي الأمريكي أو مع قوى رجعية معادية في الإقليم وعلاقات مشبوهة مع دوائر استعمارية.
لا نحتاج إلى حزب يشغل قياداته العليا والوسطى كوادر بورجوازية صغيرة في الفكر والسلوك والشعور.
البلد يحتاج إلى حزب ثوري وطني تقدمي مناضل يدافع عن مصلحة الكادحين العمال والفلاحين الفقراء والفئات الدنيا المتوسطة، وليس إلى نادٍ سياسي للثرثرة، نادٍ بورجوازي نخبوي ثقافي منكفئ على نفسه في أبراجه العالية معزول عن الجماهير وملحق بالجهاز السياسي للبورجوازية الكمبرادورية والطفيلية ومدافع عن رؤيتها ومصالحها وخاضع لهيمنة أدواتها الإدارية ومؤسسات سلطتها القمعية التي أمعنت تخريباً وإضعافاً للحزب واستخفت به وأذلته في توجيه نشاطاته وخطابه وكوادره القيادية منذ مطلع العقد الأول لهذا القرن الجديد.
الخطأ الرابع: التحالف المتسرع وغير المدروس مع حزب الإخوان المسلمين «التجمع اليمني للإصلاح»، وقبول عضوية هذا الحزب في تكتل «اللقاء المشترك»، هذا التكتل السياسي الذي كنا ننظر إليه في فترة سابقة على أنه بمثابة كتلة تاريخية للتغيير الوطني الديمقراطي في استعارة ربما غير موفقة واستخدام مغلوط لمصطلح جرامشي الشهير «الكتلة التاريخية».
كان الهاجس آنذاك في تلك السنوات الأولى من تأسيس «اللقاء المشترك» هو البحث في وسيلة التحالف لتقوية مسار النضال السياسي. البعض كان لديهم أفكار عن تحالف انتخابي مؤقت، لكن آخرين كانوا يبحثون عن تحالف تاريخي يستمر لفترة أطول ويشمل الالتقاء على استراتيجية مرحلية مشتركة للنضال.
كان الانطلاق من حاجات تحالفية جبهوية شعبية مرحلية، لكنها -للأسف- لا تنطبق على هذا الكيان السياسي الفاشي الديني المسمى «التجمع اليمني للإصلاح» والمشارك في الحكم العسقبلي المستبد والذي تم التأسيس له تاريخياً ليلعب دوراً وظيفياً محدداً هو الإطاحة بالحكم الوطني وقواه السياسية الوطنية وإسقاط الدولة الوطنية الاجتماعية العادلة إبان فترة مكافحة ما سمي «المد الشيوعي».
هذا الحزب الديني الفاشي المرتبط باستخبارات النظام واستخبارات المستعمر هو الذي لعب الدور الأبرز في تحطيم وتدمير الحزب الاشتراكي اليمني وشطب تاريخه ومسحه من خارطة العمل السياسي الوطني.
نحن لا نتجنى، ولكن وقائع تلك الفترة وما قبلها من موجة الاغتيالات شاهدة على ذلك طوال سنوات التسعينيات، وما حرب 94 وما قبلها إلا خير شاهد على ذلك، وحتى الممارسات اللاحقة إبان فترة «اللقاء المشترك» وإبان فترة الثورة الشعبية كلها عامرة وطافحة بالسلوكيات الفاشية والقرارات والمواقف التهميشية الإقصائية والاحتوائية والانفرادية.
كان السؤال الذي يتمتع بقدر من المصداقية والذي بدا في حينه مغرضاً تفتيتياّ شاقاً للصف هو: كيف تتحالف مع عدوك التاريخي والسياسي والطبقي الذي كان يسعى إلى تدميرك ولا يزال يسعى إلى تهميشك واحتوائك واستغلالك لأغراضه السلطوية النفعية الضيقة؟!

لم يكن أبداً الحزب الإسلامي المسمى «حزب الإصلاح» حزباً يخدم مصالح الشعب، بل كان حزباً للبورجوازية الكمبرادورية والطفيلية والبيروقراطية ولبقايا الإقطاع والارستقراطية المشيخية القبلية، كان واحداً من حزبي السلطة العسقبلية الحاكمة العميلة للرجعية الخليجية والإمبريالية الأطلسية، ولم يكن في جذور نشأته الأولى حتى مقتنعاً بأهداف ومبادئ الثورة السبتمبرية والأكتوبرية الستينية، بل لم يكن مقتنعاً حتى بفكرة الثورة من أساسها، بل كان ينادي بالإصلاح وليس الثورة وليس التغيير الجذري للمجتمع، ودليلي على هذا ما قاله ذات مرة أحد القادة الإسلاميين الإصلاحيين مطلع التسعينيات في اعتراف صريح. «كنا نقول لهم إصلاح وليس ثورة.. إصلاح وليس ثورة»، بل إن مفهوم الثورة نفسه لم يكن مفهوماً بالنسبة للغالبية من كوادر وأعضاء هذا التيار الإسلامي ذي النزعة الفاشية الدينية الصريحة، وكان للثورة معنى آخر لديهم، معنى قديم قروسطي لا علاقة له بالمفهوم الحديث!
كما أنه لم يكن في حقيقة الأمر حزباً من أحزاب المعارضة، وإنما كان حزباً حاكماً التصق بالمعارضة ذات نهار أسود لأغراض نفعية سلطوية وأمنية واحتوائية! ثم كان انضمامه وركوبه موجة الثورة الشعبية، ثورة فبراير 2011، أكبر عملية خداع تاريخي سياسي مارسها حزب سياسي يمني في التاريخ اليمني المعاصر!
إذن، هذا هو الاستنتاج الذي وصلنا إليه، وهو أن قرار التحالف مع حزب الإخوان (الإصلاح) في إطار «اللقاء المشترك» كان قراراً غير مدروس بما فيه الكفاية، كان القرار المتسرع الأهوج الذي نتجت عنه لاحقاً أثار سياسية كارثية مدمرة على المسار السياسي النضالي للحزب أولاً، وعلى القوى السياسية الشعبية التي كانت منضوية في إطار «اللقاء المشترك».
الخطأ الخامس: الخطأ الفادح والقاتل في تأييد انتخاب عبد ربه منصور هادي رئيسا للبلاد وهو المعروف عنه تاريخه الأسود والمخجل ومعاداته للحركة الوطنية الثورية واشتراكه في مؤامرة تصفية القيادة التاريخية للحزب الاشتراكي في الحادثة المشؤومة المسماة بأحداث يناير العام 1986 في عدن وفراره إلى الشمال كمحكوم عليه بالإعدام! ثم قيادته جيشاً ضخماً مرة أخرى واجتياح الجنوب في صيف العام 94 تحت إمرة الرئيس الاسبق الجنرال علي عبدالله صالح، ثم صمته المخزي طوال سنوات حكم صالح كأراجوز بصفة نائب رئيس صامتاً عن تنكيل صالح ونظامه بأبناء الجنوب وتهميشه وإقصائه للمعارضة وشنه لحروب صعدة الست وتسببه في كل المآسي والكوارث التي لحقت بالبلاد.
لم يكن عبد ربه منصور هادي وطنياً، بل كان متآمراً على القوى الوطنية، ولهذا السبب رفض الآلاف من أبناء الشعب الذهاب إلى انتخابه وقاطعوا عملية انتخابه في 2012، وهو الانتخاب الذي باركته الأغلبية الساحقة من أعضاء الحزب وكافة الأحزاب السياسية من دون استثناء.
وكان لي الشرف كمواطن أنني كنت من القلة التي رفضت انتخابه، وكان جوابي ببساطة أمام انتقاد الرفاق والأصدقاء لهذا الموقف أنني أرفض انتخابه لسببين:
أولهما: أنه عميل بريطاني! وثانيهما: أنه اشترك في مؤامرة تصفية القيادة التاريخية للحزب، وهذان سببان يكفيان بشدة لتأييد موقفي كعضو في الحزب الاشتراكي.
الخطأ السادس: الموقف المكابر والمصدوم من انتفاضة أو ثورة 21 أيلول الشعبية، واعتبارها انقلاباً وهي ليست كذلك على الإطلاق.
الخطأ السابع: الموقف المخجل من الحرب العدوانية الإمبريالية الرجعية العبثية على اليمن.
الخطأ الثامن: الخطأ المخزي في ذهاب القيادة إلى مؤتمر الرياض في بداية الحرب.
الخطأ التاسع: الخطأ المخجل في الاستمرار في المشاركة في حكومة فاشلة وفاسدة كحكومة «الشرعية» طوال سنوات الحرب، ولم يكترث الحزب أو يلق بالاً لكل الهبات والاحتجاجات الشعبية المتكررة في تعز وعدن والمكلا المنددة بفساد الحكومة ضدا على الإفقار والغلاء وتأخير الرواتب وتدني الخدمات وانفلات الأمن وتدهور قيمة العملة والبذخ في رواتب المسؤولين.. تخيلوا معي وكيل محافظة على سبيل المثال يتقاضى آلاف الدولارات شهرياً مقابل أناس يأكلون من القمامة أو يعيشون على الإغاثة والتسول وغالبية الموظفين لا يتجاوز راتبهم المائة دولار فقط، فيما الحزب الاشتراكي وقيادته في صمت مريع ومخجل!
والآن سنأتي إلى الشرح أكثر للأخطاء الأربعة الأخيرة.
أكبر هذه الأخطاء القاتلة التي أضرت بسمعة الحزب وقضت على مصداقيته لدى قطاع واسع من أبناء الشعب اليمني كان في الانضمام اللاحق إلى جوقة مؤيدي العدوان الرجعي الإمبريالي وتجميله وتبريره على أنه تحالف عربي قومي لحماية الأمن القومي العربي من الخطر الإيراني المزعوم، ولم يسأل نفسه ما هو هذا التحالف القومي العربي الذي تقوده الإمبريالية الأطلسية والرجعية الخليجية والصهيونية.. أليس غريباً الزعم أن تحالف العدوان الخليجي الأطلسي عبارة عن تحالف عربي قومي تم تشكيله عربياً واستدعته «الحكومة اليمنية الشرعية» لردع «جماعة انقلابية» مدعومة من دولة مجاورة بزعمهم أنها تعادي الأمن القومي العربي؟!
هذه الدولة، للمعلومة التاريخية، وقف إلى جانبها الحزب الاشتراكي تاريخياً في الثمانينيات عندما كان حاكما في الجنوب أثناء حربها مع الزعيم الفاشي القومي العربي صدام حسين، كانت جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية آنذاك جزءاً من تكتل دول الصمود والتصدي إلى جانب سوريا وفلسطين وآخرين.
أليس مضحكاً وسخيفاً أن الثلاثي «الأمريكي ـ البريطاني ـ الصهيوني» يقدمون دعماً للتحالف الذي يسمي نفسه عربياً؟! وهل أمريكا وبريطانيا و»إسرائيل» ستدافع عن الأمن القومي العربي؟! وهل الاستعمار والصهيونية يدافعون عن الأمن القومي العربي؟! هل يوافق على هذا الكلام السيد جمال عبدالناصر والقذافي وحافظ الأسد وغسان كنفاني وجورج حبش ووديع حداد وعبدالفتاح إسماعيل والرفيق يوسف سلمان «فهد» وخالد بكداش وجورج حاوي ومهدي عامل وهواري بومدين و.. و.. و.. و..؟!
من هو هذا الجاهل الذي سيقول هذا الكلام؟! فلو وافق أي من هؤلاء ـ لو كان حيا ـ على هذا الكلام، لكنت التزمت الصمت نهائياً في حياتي أنا ورفاقي في اليمن والعالم العربي.. مالكم كيف تحكمون! ألا تستحون!
هل الأنظمة الملكية الخليجية ستدافع عن الجمهورية السبتمبرية والأكتوبرية؟! هل عرف التاريخ أن هناك ملكاً يقاتل بكل ماله وقوته من أجل الدفاع عن جمهورية؟! ما هذا الغباء والهراء؟!
هل الملك والمستعمر والمرتزق والإرهابي والشيخ الإقطاعي وأمراء السلاح وتجار الفساد وعسكري الناتو والصهيوني سيدافعون عن الأمن القومي العربي؟!
من يعتقد هذا لا شك بأنه معتوه!
يتكلم قادة الحزب ومنظروه عن المشروع الإيراني المزعوم، وتناسوا أن هناك مشروعاً أمريكياً وبريطانياً وسعودياً وصهيونياً واضحاً، مخاوفه واضحة تتمثل في فقدان النفوذ الذي استمر لعقود من الزمن في البلد، وأطماعه واضحة تتمثل في ثروات البلد ومزاياه الجيوسياسية.
هل سمعتم بحكاية نفط الجوف بمخزونه العالمي الهائل وحوضه الجوفي المشترك والذي تمنعنا السعودية من الاستثمار فيه؟! هل تعلمون أنه أكبر أسباب الحرب العبثية العدوانية الظالمة؟!
ألم يؤكد هذا الكلام ويفضح السبب الرئيس ترامب في إحدى جولاته الدعائية الانتخابية في 2016؟!
هل نسيتم الأراضي اليمنية المحتلة «عسير ونجران وجيزان والوديعة والشرورة» وحرب الثلاثينيات واتفاقية الطائف ومعاهدة جدة في 2000 حيث بيعت الأرض وقبض الثمن من كان في السلطة؟!
هنا الحزب الاشتراكي بتأييده مثل هذه التحركات والقرارات والاستراتيجيات الرجعية الاستعمارية كان يغالط نفسه ويغض الطرف عن الأطماع الرجعية الخليجية والإمبريالية الأمريكية والصهيونية لاحقاً، ويغض الطرف عن نهب الثروة وانتهاك السيادة وبناء القواعد العسكرية واحتلال الجزر والموانئ وأجزاء واسعة من الأرض في احتلال صريح ومباشر!

كان الحزب الاشتراكي اليمني يغالط نفسه ويخادع الجماهير بادعائه الحياد تارة وبادعائه تنديده بما سماه التدخل الخارجي والانقلاب في آن معاً، في الوقت الذي كانت سياساته ومواقفه العملية الفعلية هي التأييد والخذلان، معظم قيادة الحزب وقواعده التزمت الصمت حيال كل هذا، ناهيك عن تخلي الحزب تماماً عن القضية الفلسطينية الذي هو موقف خياني كارثي بالنظر إلى أن الحزب أصلاً كان في الستينيات إلى الثمانينيات من أبرز المدافعين عن القضية في الساحة العربية، والمعسكرات في عدن شاهدة على ذلك، ومئات الجنود اليمنيين المنخرطين في الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» شاهد على ذلك، وتهديد الحزب أثناء حرب أكتوبر بإغلاق مضيق باب المندب شاهد على ذلك.
الحزب انحدر في معظم تكوينه السياسي والجماهيري من حركة القوميين العرب فرع اليمن، وتتلمذ منظروه الأوائل وقادته ومناضلوه على يد أساتذة الحركة الكبار المناضلين الفلسطينيين حبش وحواتمة وغيرهما.
حركة القوميين العرب تاريخياً نشأت كرد فعل تاريخي على احتلال فلسطين وتشريد الشعب الفلسطيني، والحزب كان فرع الحركة الوحيد الذي وصل إلى الحكم في العالم العربي وقاد ثورة تحرر وطني في جنوب البلاد تمكن من خلالها من طرد الاحتلال البريطاني الذي دام 128 سنة، الحزب -للأسف- نسي أصله ونسي تاريخه النضالي.. رمى بكل ذلك التاريخ المجيد في سلة المهملات.. ويا عيبااااااااااااااه.. يا عيباااااااه.
راحت قيادة الحزب تغطي على وجود الواقع والحقيقة التاريخية التي تقول إن هناك قبضة إمبريالية رجعية خليجية على البلد منذ عقود، وتحديداً منذ سقوط الثورة السبتمبرية الأكتوبرية تحت ثلاث ضربات مدمرة، إحداها أواخر السبعينيات، والثانية منتصف الثمانينيات، والضربة القاضية في منتصف التسعينيات.. ضربات ممولة ومدعومة سياسياً وعسكرياً وأمنياً من هذه القوى الأجنبية الاستعمارية.. راح يغطي على حقيقة ساطعة للعيان من أن حكم قوى النظام السابق هو حكم قوى الثورة المضادة العسقبلية المدعومة من السعودية وأمريكا، والتي أسقطت ثورة الستينيات السبتمبرية الأكتوبرية على مراحل، وكانت لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بهذه الثورة ومبادئها وأهدافها، وراحوا يستغفلون الشباب والجيل الجديد من الحزبيين ويضللون الرفاق وعوام الناس من جماهير الحزب مستغلين الجهل المتفشي بالتاريخ لدى العوام والشباب وطلاب الجامعات، واستغلوا حقيقة أن هذا شعب عربي كبقية الشعوب العربية ذاكرته الجمعية مثقوبة وذاكرته -للأسف- ليست سوى ذاكرة يومية.
وعندما جاءت الثورة الشعبية الثانية بانتفاضاتها الشعبية الثلاث (2007، 2011، 2014) تحت قيادة قوى ثورية جديدة في الجنوب والوسط والشمال، هي الحراك الجنوبي والشباب وأنصار الله ومعهم مجاميع واسعة من أحزاب يسارية وطنية معارضة سبتمبرية وأكتوبرية المبادئ والأهداف، ناضلت هذه القوى طوال سنوات الثورة من أجل إسقاط حكم هذه القوى العسقبلية الحاكمة المتمثلة بتحالف قبيلة حاشد وجناحيها المشيخي في عمران الداعم لحزب الإخوان المسلمين والعسكري في سنحان الداعم لحزب المؤتمر الشعبي العام، لكن نفس القوى العسقبلية المضادة الحاكمة تحركت تاريخياً للمرة الثانية بفعلها المضاد من أجل وأد الثورة الشعبية الجديدة وتحطيم قواها أو تمزيقها واحتوائها وحرف بعضها عن المسار الثوري الصحيح، والاحتفاظ بالحكم مدعومة للمرة الثانية من الرجعية الخليجية والإمبريالية الغربية والغزو الإمبريالي الرجعي وصولاً إلى الاحتلال المباشر الصريح لأجزاء واسعة من أرض الوطن، وتوسلت استخدام شعارات براقة مضللة وعناوين مخادعة كـ»المقاومة الشعبية»، ولم تتح المجال للمواطن بسبب كثافة القصف الإعلامي المستمر للعقول أن يسأل نفسه وينتبه إلى السؤال التالي: ما هي هذه «المقاومة الشعبية» التي يتم تمويلها وتوجيهها من النظام السعودي وتقاتل صفاً بصف مع المرتزقة والخبراء الأمريكان والصهاينة والجنود السعوديين؟!
المدهش في وقاحتها هو أنها راحت تقدم نفسها على أنها مدافعة عن الثورة الجديدة ونظامها الوليد، ما هو هذا النظام الثوري الوليد؟! وهل علي محسن وهادي وحميد وعفاش لهم علاقة بهذه الثورة؟! وهل جموع الإرهابيين من السلفية المجاهدة لهم علاقة أو يعترفون بالثورة القديمة والجديدة حتى يتم إشراكهم في قوات ما تسمى «الشرعية»؟!
عجبي كيف راحت تخادع وتضلل حتى ينسى الناس الأمس القريب أنها كانت هي المستهدفة من هذه الثورة باعتبارها قوى النظام السابق، وكانت هي التي تمثل القوى المضادة عندما استفادت من المبادرة الخليجية في إعادة تثبيت نفسها وإعادة تموضعها في الحكم، وعندما سعت لاستخدام القوة ضد الثوار وتجيير أجهزة القمع وأجهزة الدولة الإدارية لمصلحتها من أجل البقاء ولتحقيق استعادة النفوذ وتكريس المزيد من السلطة بيدها وصولاً إلى سعي السلطات الخليجية إلى إعادتها ثانية إلى الحكم باللجوء إلى الحرب والعدوان والحصار والاحتلال وحشد المجتمع الدولي للتأييد -للأسف- وهو الذي لم يفهم حقيقة الصراع في اليمن ومازال حتى الآن.
لقد جرى تحميل الكوارث وسوء الأوضاع لقوى هي من صميم الثورة ومن مكوناتها، كانت هي طرفاً معتدى عليه وليس معتدياً، وتم تفسير انتفاضة أو ثورة 21 أيلول 2014 على أنها انقلاب وليس تحركاً شعبياً لإسقاط قوى النظام السابق التي عادت إلى الحكم على جناح المبادرة الخليجية وما بعدها.
لم تكن حكومة «الوفاق الوطني» سوى حكومة محاصصة لحزبي الحكم السابق (المؤتمر والإصلاح)، لم تكن سوى النظام السابق اللاحق، وهي لكونها في الأساس فاقدة للشرعية الثورية والمشروعية الشعبية منذ لحظة اندلاع الثورة، راحت هذه القوى العسقبلية المضادة تحكم بذات الأساليب البائدة خلال سنوات ما سميت «الفترة الانتقالية»، وغرقت في صراع وانقسام ثنائي جانبي كصراع مراكز قوى وأجنحة الحكم، وأغرقت البلاد معها في الفوضى والخراب، ودفع المواطن الضحية الثمن، وقف الحزب الاشتراكي اليمني آنذاك موقف المتلهف على فتات السلطة الجديدة فرحاً بمقعد أو مقعدين في الحكومة وبعض السفارات والامتيازات، وكأنه كان مثلها يسعى إلى المناصب والامتيازات الضيقة.
وقف الحزب -للأسف- موقف المؤيد لبقاء هذه القوى وراح يخلع عليها صفات الشرعية، ويدعي أنها نتاج الثورة في الوقت الذي كانت هي نتاج عملية الوأد المبكر للثورة والتآمر الجهنمي عليها، وفي الوقت الذي كانت هي نفسها قوى النظام العسقبلي الحاشدي السابق، وهي نفسها القوى المضادة التي تحركت لمنع القوى الجديدة في الجنوب والوسط والشمال من الوصول إلى الحكم وأرادت الاحتفاظ بنظامها المركزي العصبوي الضيق.
الخطأ العاشر: هو أن الحزب لم يذهب إلى انعقاد المؤتمر السادس قبيل الحرب واكتفى بدلاً من ذلك بانعقاد ما سماه «الكونفرنس الحزبي» الذي أصبح أداة لتثبيت الأوضاع وإقرار ذات السياسات والتوجهات وانتخاب نفس القيادات النفعية الانتهازية حارماً الحزب من فرصة التجديد والانبعاث من جديد.
في الختام، أقول هذه وجهة نظر، وأعرف أن هناك ردوداً يمكن أن تُقال ومحاولات للدفاع عن الحزب وقيادته، وأن هناك تبريرات كثيرة يسوقها هؤلاء، لكم رأيكم ولنا رأينا والتاريخ يحكم ما بيننا.
أتمنى منكم المراجعة والعودة إلى جادة الصواب والتزام نهج الحزب التاريخي وتراثه الوطني والقومي والأممي النضالي.

أترك تعليقاً

التعليقات