سبعة أعوام من الفشل الأممي الإنساني والسياسي في اليمن
- محمد محمد السادة الجمعة , 1 أبـريـل , 2022 الساعة 11:37:39 PM
- 0 تعليقات
السفير محمد محمد السادة / لا ميديا -
تطلع الشعوب المستضعفة إلى المستقبل الذي يضمن لها الحرية والسيادة الكاملة يُعد أحد أسباب نشأة الأمم المتحدة، ومع ذلك فمنذ قيامها عام 1945 فشلت الأمم المتحدة في حل الصراعات والأزمات العالمية، ولم تُقدم شيئا لما تعرضت له دول كالعراق وسوريا وليبيا وأفغانستان وغيرها، وظلت مجرد مظلة تُشرعن وتُنفذ التوجهات الأمريكية، ويُعد اليمن شاهداً جديدا على الفشل الأممي الإنساني والسياسي، حيث ظلت هذه المنظمة مُلتزمة طيلة سنوات العدوان بتوجهات واشنطن وحلفائها من خلال تسييس ما هو إنساني، وتمييع ما هو سياسي، كما يتضح الدور الأممي أكثر من خلال تطابق الرؤى لكلا المبعوثين إلى اليمن، الأممي هانس غروندبرغ والأمريكي تيموثي ليندركينج.
على مدى سنوات العدوان السبع كان العجز في التمويل هو القاسم المشترك لكل خطط الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، لاسيما في المجالات الإنسانية الهامة كالصحة والتعليم والنازحين والغذاء، كما شهد الاهتمام الدولي بالأزمة الإنسانية تراجعا كبيرا. يتضح ذلك من خلال التدني الكبير في مستوى التعهدات المالية للمانحين منذ عام 2020، الأمر الذي يُشير إلى التصاق ما هو إنساني بما هو سياسي واستخدامه كورقة ضغط على صنعاء، وما يؤكد ذلك هو نتائج مؤتمر المانحين الذي عُقد منتصف شهر مارس الجاري، حيث طالبت الأمم المتحدة بمبلغ 4.5 مليار دولار للوفاء باحتياجات خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن للعام 2022، فيما خرج المؤتمر بتعهدات بلغت 1.3 مليار دولار وبعجز تمويلي نسبته 70%.
تنفيذ الأجندات وتحقيق المصالح وإن كان من خلال ازدواجية المعايير هو نهج أممي تجلى في سُباته في اليمن وحراكه في أوكرانيا، فبعد أسبوع من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا صوت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لصالح فتح تحقيق في الانتهاكات التي ارتكبت، وهو ذات الأمر الذي قامت به الأمم المتحدة تجاه الوضع في اليمن، ولكن بعد مرور ثلاث سنوات من العدوان الذي ارتكب الآلاف من جرائم الحرب، حيث تم تشكيل فريق الخبراء البارزين عام 2018 للتحقيق في الانتهاكات وجرائم الحرب، ولكن لم يسمح تحالف العدوان للفريق بزيارة صنعاء، كما ظل النظام السعودي يتجسس على هاتف رئيس الفريق التونسي كمال الجندوبي عبر برنامج "بيغاسوس" الذي اشتراه من العدو "الإسرائيلي"، بالإضافة إلى ذلك فقد تمكن النظام السعودي العام الماضي 2021 من إنهاء مُهمة هذا الفريق من خلال دفع العديد من أعضاء المجلس للتصويت لصالح عدم تجديد ولاية الفريق مستخدماً أساليب الترغيب والترهيب.
كما تُتاجر الأمم المتحدة بدماء ومعاناة اليمنيين، ففي عام 2016 وبضغط من النظام السعودي أزال الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون اسم السعودية من قائمة العار لمنتهكي حقوق الأطفال في اليمن، حيث كشف كي مون عن خضوع الأمم المتحدة للابتزاز السعودي الذي هدد بوقف تمويل برامج الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، وفي عام 2018 أزال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اسم تحالف العدوان بقيادة السعودية من قائمة الأطراف التي شنت هجمات على المدارس والمستشفيات، رغم توثيق الأمم المتحدة 19 استهدافا للتحالف على المدارس في اليمن خلال العام 2017، كما أن غوتيريش قام في عام 2020 بحذف اسم تحالف العدوان من قائمة العار لمنتهكي حقوق الأطفال، رغم أن غوتيريش أشار إلى أن التحالف بقيادة السعودية مسؤول عن مقتل 222 طفلا، وشن أربع غارات على مدارس ومستشفيات في اليمن عام 2019.
النظرة السلبية الشعبية والرسمية في اليمن تجاه الأمم المتحدة هي نظرة واقعية منصفة، غير تحريضية كما يدعي البعض، فهناك من الشواهد الدامغة التي تؤكد أن حقيقة الوضع في اليمن بالنسبة للمنظمة الأممية ووكالاتها العاملة لا يعدو عن كونه مجرد فرصة لتنفيذ الأجندات دون اكتراث لما يتعرض له اليمن من عدوان وحصار، وما التقارير والنداءات والتباكي الأممي المحذر من المعاناة الإنسانية وتداعياتها الكارثية إلا لأجل استمرار تلك الأجندات والامتيازات التي يحظى بها الموظفون الأمميون والتي لا يحظى بها بعض رؤساء دول من حيث المرتبات المرتفعة وما يُسمى بدل مخاطر وغيرها، لذا لا غرابة بأن نسبة ما تستحوذ عليه المنظمات الأممية من أموال المنح والمساعدات تتجاوز 60%، وتذهب في النفقات التشغيلية واللوجستية، فعلى سبيل المثال فقد بلغت القيمة الإجمالية لما قدمته منظمة الصحة العالمية لليمن (شمالاً وجنوباً) من أدوية ومعدات طبية منذ عام 2016 وحتى 2021 مبلغ 191 مليون دولار، فيما تلقت المنظمة في اليمن خلال نفس الفترة مبلغ 1.4 مليار دولار تقريباً.
كما أن العديد من المنظمات الأممية تُعاني من بعض مظاهر الفساد لاسيما إدارياً ومالياً، ولديها مشاكل مع بعض شركات الخدمات اللوجستية المحلية، الأمر الذي يتطلب من الجهات المعنية كفاءة ومهنية أعلى لضبط وتوجيه عمل تلك المنظمات وفق معايير العمل الإنساني، والتشريعات والقوانين اليمنية، وبما يحقق ولو سقفا مقبولا من الفائدة المرجوة من المساعدات المقدمة.
السلام في اليمن بعيداً عن الأمم المتحدة
كسابقيه لم ينجح المبعوث الأممي غروندبرغ حتى الآن في الدفع بمختلف الأطراف للانخراط في إجراءات بناء الثقة وهي إجراءات لا تحتاج مفاوضات، بل نوايا حسنة، وهي تفصل الجانب الإنساني عن السياسي وتتطلب انصياع تحالف العدوان للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وكذا ميثاق الأمم المتحدة، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، حيث تمنع جميعها فرض الحصار الإنساني القائم على الشعب اليمني وحرمانه من أبسط حقوقه من خلال إغلاق التحالف لميناء الحديدة ومنع دخول سُفن الوقود والغذاء، بالإضافة لإغلاق مطار صنعاء أمام المواطنين وحركة الملاحة.
اختار المبعوث غروندبرغ القفز على الملف الإنساني والشروع في الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية كأولوية يراها، مع توسيعه لدائرة المشاورات كمطلب أمريكي لتشمل مزيدا من الجهات والفئات اليمنية، حيث بدأ ما يُسميه بناء إطار عمل من خلال المشاورات الثنائية التي انطلقت يوم 8 مارس الجاري في العاصمة الأردنية عمان، وبذلك يعتقد المبعوث أنه يمضي نحو تحقيق تسوية سياسية شاملة، في الوقت الذي يقوم فيه بتمييع الملف اليمني من حيث يدري أو لا يدري.
ختاماً، لا ينسجم الفشل الأممي مع الإصرار على استقبال صنعاء للمبعوث غروندبرغ دون مطالب مسبقة، فصنعاء لن تقبل استقبال المبعوث لمجرد تسجيل حضور سياسي وإعلامي على حساب استفزاز مشاعر ملايين اليمنيين الذين لم يعودوا يثقون بالأمم المتحدة ومبعوثيها، ويطالبون بإجراءات أممية ملموسة لتخفيف وطأة المعاناة الإنسانية.
كما يبدو أن الفشل الأممي في اليمن يُعزز الفرصة لخيارات أخرى لإحلال السلام في اليمن بعيداً عن الأمم المتحدة وبشكل أكثر جدوى، ويُوفر كثيرا من الوقت والجهد، فالرؤى الأممية لم تنجح كونها ترتبط برؤى ومصالح أمريكية -بريطانية، فيما إتاحة الفرصة لوسيط إقليمي أو دولي يتمتع بالنزاهة، ويحظى بالقبول لدى كل من صنعاء كطرف أول، والرياض وأبوظبي وأدواتهما المحلية كطرف ثان سيُمكن من تجاوز الحسابات والمصالح الأمريكية المُعطلة ليُقدم حلولا عملية تنطلق من واقع المعطيات الجديدة، وبما يُحقق مصالح تلك الأطراف دون غيرها، لذا فهناك حاجة ومصلحة لصنعاء والرياض وأبوظبي وبقية الأطراف اليمنية للبحث عن الحلول في الإطار الثنائي، ومن خلال وسيط مُحايد بعيداً عن التمييع الأممي لملف اليمن.
المصدر محمد محمد السادة
زيارة جميع مقالات: محمد محمد السادة