محمد محمد السادة

السفير محمد السادة / لا ميديا -

قبل أكثر من 4 سنوات، وفي الوقت الذي كان فيه وزراء حكومة ما تُسمى «الشرعية» يستمتعون بالاستجمام في فنادق الرياض ذات الـ5 نجوم، كانت حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء تستشعر مسؤولياتها وواجباتها الوطنية، فكانت أول من نبه إلى خطر الناقلة صافر التي تُعد أحد أكبر خزانات النفط العائمة في العالم، وترسو بالقرب من ميناء رأس عيسى بالبحر الأحمر، ويحوي خزانها أكثر من مليون برميل من النفط. وانطلاقا من خطورة وضع الناقلة قامت وزارة الخارجية في صنعاء بمخاطبة الأمم المتحدة مراراً وتكراراً حول ضرورة إجراء عملية الصيانة للناقلة، وطالبت بالسماح لفريقها المعني بتشغيل مولدات التبريد للسفينة لمنع تآكل خزاناتها مع إجراء الصيانة الدورية لتفادي حدوث كارثة بيئية كُبرى ستطال اليمن ودول المنطقة جراء تسرب النفط أو حدوث انفجار بفعل تراكم الغازات المتطايرة المنبعثة من النفط الموجود داخلها، ولكن تحالف العدوان رفض مطالب صنعاء ومنع وحذر فريقها الفني من الوصول للناقلة، كما لم تلق مطالبات صنعاء أي تجاوب أممي في حينه.
لذا فهذا الموضوع ليس وليد اليوم، ولكن الجديد هو التباكي الأمريكي-البريطاني الطارئ من خلال البيانات والتصريحات التي تُزايد باسم الناقلة صافر والضرورة العاجلة لإجراء الصيانة لخزانها حفاظاً على الحياة البحرية، فهل يُعقل أن تكون الولايات المتحدة وبريطانيا حريصتين على البيئة وحياة الأسماك أكثر من حياة اليمنيين الذين تقتلانهم من خلال المشاركة في دعم جرائم تحالف العدوان على اليمن، حيث تقوم طائراتهما وصواريخهما وقنابلهما بالقصف والتدمير للمستشفيات والأسواق والمدارس وصالات العزاء والأفراح، الأمر الذي أدخل الحزن إلى كل بيت، في انتهاك صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية والقيم والأخلاق الإنسانية، لذا فالأمر ليس أكثر من مجرد مزايدة مكشوفة تحمل في طياتها قنبلة بيئية موقوتة لشرعنة التصعيد وممارسة ضغوط على صنعاء وتحميلها كامل المسؤولية، وهذا ما يؤكدهُ التلكُّؤ الأممي والبيانات والتصريحات المتطابقة الصادرة عن عواصم العدوان، ومكتب المبعوث الأممي لليمن، ومجلس الأمن الدولي، والتي تختزل القضية والمسؤولية في طرف واحد هو صنعاء التي ترفض الإملاءات وتدعو لاتفاق حل واضح ومتكامل يضمن نجاح عملية إنقاذ الناقلة ويمنع الكارثة، دون مزيد من التلكُّؤ الأممي المكشوف. 

حماقات لإحداث الكارثة تُعرقل مساعي منعها 
تدرك صنعاء أكثر من غيرها أن اليمن ودول المنطقة المستفيد من عملية إجراء الصيانة للناقلة صافر، كون ذلك سيمنع وقوع الكارثة البيئية وآثارها المدمرة، وسيُحافظ على مصدر الرزق لآلاف الأسر التي تعتمد على الصيد، بالإضافة إلى أن تفريغ حمولة الناقلة وبيعها وصرف العائد كرواتب لموظفي الدولة سيجعل اليمن وأبناءه المستفيد الأول، وهذا ما تستكثرُه دول العدوان على اليمن، وتعتبرُه نصراً سياسياً وشعبياً لصنعاء وفي توقيت حساس، وفي ظل توالي الانتصارات العسكرية لقوات الجيش واللجان الشعبية التي تستكمل عملية استعادة آخر محافظات الشمال، وهي مدينة مأرب المعقل الرئيس لتحالف العدوان، لذا تسعى الولايات المتحدة وبريطانيا من خلال مظلة الأمم المتحدة لعرقلة عملية إنقاذ الناقلة صافر، وترك الكارثة تحدث لتحميل حكومة الإنقاذ المسؤولية، وتوظيف ذلك سياسياً عبر تَأْليب المجتمع الدولي على صنعاء، ذات الأيادي البيضاء، بل لا نستبعد الضغط باتجاه إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يُدين صنعاء ويفرض عقوبات جديدة عليها، مع شرعنة إغلاق ميناءي الحديدة والصليف، بالإضافة لمزيد من الخروقات والتصعيد العسكري في جبهة الساحل الغربي وصولاً لانهيار اتفاق ستوكهولم، وتوظيف كل هذا التصعيد بالضغط على صنعاء لمنع قوات الجيش واللجان من دخول واستعادة مأرب، عبر خلق اتفاق عسكري شبيه باتفاق ستوكهولم حول الحديدة ليظل الوضع مُراوحاً مكانه لاستنزاف صنعاء وقواتها، بل استنزاف كل أدوات ومرتزقة العدوان الداخلية، لتمكين تحالف العدوان من استكمال مخطط الوصاية والإضعاف والتفتيت لكل الأطراف اليمنية دون استثناء. 
تؤمن صنعاء بأن المدخل لحل قضية الناقلة صافر يتمثل في عدم تسييسها لتحقيق مكاسب غير مشروعة على حساب قضية بيئية هامة لليمن ودول المنطقة، بل الإنسانية جمعاء، لذا فصنعاء تمُد يد التعاون الكامل، بل تُطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته وواجباته، وحث الأمم المتحدة على سرعة إرسال فريق الخبراء بكامل معداته وقطع الغيار لإجراء التقييم والصيانة والإصلاحات الفورية كعملية واحدة متكاملة لا تقبل التجزئة، واحترام تنفيذ الأمم المتحدة لاتفاقها مع صنعاء التي تُطالب بالشفافية والوضوح، مع ضمان الجدية في العمل على منع وقوع الكارثة من خلال إشراك طرف دولي ثالث كالسويد أو ألمانيا أو غيرهما، للإشراف على عملية الصيانة والإصلاح. 
حماقات تحالف العدوان المدعومة من الولايات المتحدة وبريطانيا أعيت حلول صنعاء التي لا تملك أكثر من حُسن النوايا المصحوبة بالإرادة للتعاون مع الأمم المتحدة لإنقاذ الناقلة، وما المخاطبات والمناشدات الرسمية الموثقة، والمؤتمر الصحفي لنائب وزير الخارجية في حكومة الإنقاذ الذي عُقد في شهر أغسطس الماضي، لتوضيح موقف صنعاء للمجتمع الدولي، إلا دلائل تكشف سوء نوايا دول تحالف العدوان، ومتاجرتها السياسية والعسكرية بقضية الناقلة التي إن حدثت كارثتها فستكون جريمة كُبرى تضاف لسجل الجرائم والانتهاكات لدول تحالف العدوان الذي يتحمل كامل المسؤولية، كما تحتفظ صنعاء بحقها في الرد، والملاحقة والمُقاضاة لكل أطراف هذه الجريمة سواء كانوا دولاً أو أفراداً. 
ختاماً، وبغض النظر عن مآلات الناقلة صافر التي نسأل الله أن تتم عملية الصيانة لها منعاً لوقوع الكارثة، فإن موقف صنعاء الثابت من هذه القضية نابع من امتلاك القرار، ورفض الوصاية والإملاءات الأمريكية-البريطانية في شأن يمني يمُس السيادة، فالناقلة يمنية، وترسو على ساحلها اليمني، وحمولتها ملك للشعب اليمني، والخلاصة أن ما عجز عنه التحالف بالعدوان والحصار على اليمن وشعبه المكلوم الصامد، هو أبعد للنيل بالابتزاز والمساومات الرخيصة.

أترك تعليقاً

التعليقات