محمد محمد السادة

السفير/ محمد محمد السادة / لا ميديا -
يواجه الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي أولى المهام على الصعيد الخارجي من خلال التعامل مع التصعيد الأمريكي ـ الصهيوني إثر استهداف السفينة «إم تي ميرسير ستريت» التابعة للعدو الصهيوني في بحر عُمان، وما تلا ذلك من حوادث للسفن واتهام إيران بالوقوف وراء تلك الحوادث، في محاولة متجددة لممارسة أقصى الضغوط على إيران والحد من حق سفنها في الملاحة البحرية بهدف تضييق الحصار عليها وعلى حلفائها في محور المقاومة.
يبدو أن الرئيس إبراهيم رئيسي، وهو شخصية محافظة بارزة، سيتعاطى مع هذا التصعيد في إطار رؤيته للقوة بأبعادها المختلفة كمحور للعلاقات الخارجية، حيث من المتوقع أن تتسم السياسة الخارجية الإيرانية بمستوى أعلى من الندية، مع إعطاء أولوية لرفع الحصار والعقوبات المفروضة من خلال محاولة إحياء الاتفاق النووي كتوجه طبيعي لإزالة أسباب التوتّر القائم مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، كما سيكون الردع أولوية إقليمية للسياسة الخارجية الايرانية لمواجهة الأعمال العدائية للتحالف الأمريكي ـ الصهيوني.
منذ وقت طويل يقوم العدو الصهيوني، بشكل مُمنهج وبدعم أمريكي، وتنسيق مع بعض دول الخليج، بأعمال عدائية وحرب ظل تستهدف إيران وطموحاتها كقوة رئيسية في المنطقة، من خلال الهجمات السيبرانية وعمليات الاغتيالات للقيادات والعلماء، بالإضافة لاستهداف مصالح إيران الإقليمية، لاسيما تلك المرتبطة بمحور المقاومة. وتُمثل حرب السفن أحد عناصر حرب الظل التي تعرضت فيها عشرات السفن الإيرانية للاستهداف من قبل العدو الصهيوني بشكل مُعلن وغير مُعلن، وبدعم من واشنطن، حيث تُشير صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أن هناك 12 سفينة إيرانية تعرضت لهجمات منذ عام 2019، وتقف وراء هذه الهجمات وحدة الكوماندوز (فلوتيلا 13) التابعة لبحرية العدو الصهيوني، وهو الأمر الذي فرض على إيران ضرورة الرد في أكثر من مرة على تلك الهجمات التي تعرضت لها سفنها ومصالحها في المنطقة، ومع ذلك فقد ظلت حرب الظل بين العدو الصهيوني وإيران في إطار الفعل ورد الفعل، وتوجيه رسائل متبادلة، مع محدودية الأثر لتلك الهجمات المتبادلة. ولكن يبدو الأمر مختلفاً هذه المرة من حيث طبيعة المعطيات الإقليمية والدولية المتمثلة بمحاولات الولايات المتحدة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، والتطبيع القائم بين العدو الصهيوني وبعض الدول العربية، بالإضافة لوصول شخصية محافظة للرئاسة في إيران.
مثل هذه المعطيات دفعت كيان العدو الصهيوني لمحاولة توظيف استهداف السفينة التابعة له في خليج عُمان وما تلاها من حوادث لسفن أخرى بشكل أكبر، وخارج إطار الفعل ورد الفعل من خلال خلط الأوراق، ومحاولة تدويل القضية لممارسة ضغوط دولية جماعية للحد من نفوذ إيران في المنطقة. ويأتي هذا التحرك في إطار الخطوة الاستباقية المُعلنة لكيان العدو الصهيوني الذي سبق أن هدد بمهاجمة إيران إذا ما خففت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن العقوبات عنها، وإعادة العمل بالاتفاق النووي.
إيران وبشكل رسمي نفت صلتها بالهجوم على السفينة الصهيونية. ولمن يعتقد أن إيران تقف وراء هذا الهجوم، فهو عمل مُبرر يأتي في إطار حق الرد والردع المشروع لمواجهة الأعمال العدائية الصهيونية التي تستهدف إيران ومصالحها المشتركة مع حلفائها في محور المقاومة، وفي مقدمة ذلك الاعتداءات الصهيونية المستمرة على سفن الوقود الإيرانية، بالإضافة للمواقع الإيرانية في سورية.
لاشك أن أي تصعيد غير مدروس يُمكنه إخراج حرب السفن عن السيطرة وتحولها لحرب مفتوحة من شأنها تعطيل ممرات الملاحة وإلحاق أضرار بالاقتصاد على مستوى دول المنطقة خصوصاً والعالم عموماً، لذا تستبعد واشنطن و»تل أبيب» وحلفائهما في المنطقة القيام بأي عمل عسكري مباشر ضد طهران، كونه لن يحقق أهدافه، بل وستكون عواقبه وخيمة على المنطقة برمتها، بما فيها مصالح الولايات المتحدة وتواجدها، فطهران لم تعد اليوم لوحدها في مواجهة العدو الأمريكي ـ الصهيوني وحلفائه، حيث ترتبط بتحالف إقليمي قوي في إطار محور المقاومة، كما ترتبط بتحالفات مع قوى دولية كُبرى كروسيا، لذا من المتوقع أن يكون الرد الجماعي الذي هدد به وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ضد إيران ذا أثر محدود على المستوى العسكري، وقد يكون من خلال رفع وتيرة غارات العدو الصهيوني على ما يسميه التموضع العسكري الإيراني في سورية، وعلى المستوى السياسي لن يتجاوز التصعيد ضد إيران محاولة تدويل القضية في أروقة الأمم المتحدة.
من جانبها لا شك أن طهران سترد على أي عمل عدائي جديد قد تتعرض له. كما ستتحدد طبيعة وكيفية الرد بناءً على طبيعة ومستوى الهجمات التي قد تتعرض لها، حيث قد يكون الرد الإيراني بشكل منفرد أو في إطار محور المقاومة.
الهجمات المتكررة التي تعرضت لها السفن في المياه الإقليمية لدول المنطقة والتي تجاوزت خلال العامين الماضيين أكثر من عشرين استهدافاً وفق ما ذكره موقع «لويد سبلت» للملاحة البحرية، تؤكد هذه الهجمات عجز الأساطيل الحربية الأجنبية لاسيما الأمريكية عن منع تلك الهجمات، كما تدعو لوقف التدخل الخارجي وتحقيق الأمن والاستقرار كضرورة مُلحة للوصول إلى الأمن الجماعي لدول المنطقة، الأمر الذي بلا شك سيُنهي مثل تلك الهجمات، ويضمن حرية حركة الملاحة البحرية الإقليمية والدولية.
ختاماً، من المتوقع زيادة وتيرة حرب الظل والهجمات المتبادلة بين إيران والعدو الصهيوني، واتساع رقعتها الجغرافية، مع إمكانية لجوء الطرفين لتكتيكات وأنظمة جديدة، بالإضافة للتنوع في طبيعة بنك الأهداف، الأمر الذي يُرجح الكفة الإيرانية التي تملك عناصر التفوق والاستعداد لخوض مثل هذه الحرب بمعية محور المقاومة إن تطلب الأمر، ومن المتوقع أيضاً أن تفرض إيران في نهاية المطاف تفوقاً ووجوداً عسكرياً بحرياً أكبر يُرغم الولايات المتحدة والعدو الصهيوني وحلفاءهما في المنطقة على الإقرار بهذا الوجود والتفوق.

أترك تعليقاً

التعليقات