محمد محمد السادة

السفير محمد السادة / لا ميديا -
حالة من الذهول والإنكار يعيشها النظامان السعودي والإماراتي أمام العمليات العسكرية النوعية الكُبرى لقوات صنعاء رداً على التصعيد ضدها، حيث لم تكن مثل هذه العمليات الخاطفة في حُسبان قيادة تحالف العدوان، لاسيما في هذا التوقيت الحساس الذي يُصعد فيه التحالف عدوانه في محاولة يائسة لوقف المرحلة الأخيرة من معركة استعادة قوات صنعاء لمركز مدينة مأرب، والضغط على صنعاء للقبول برؤى واشنطن الزائفة والمنقوصة التي لا تهدف لإحلال السلام في اليمن، بل لإطالة أمد الصراع، بما يُحقق مصالحها ومشاريع تمزيق وتقسيم اليمن، وبما يخدم هيمنة العدو الصهيوني، حليف واشنطن الموثوق في المنطقة.
صنعاء من خلال ضرباتها العسكرية والاستخباراتية لأدوات واشنطن تُرسل رسالة واضحة تقول: "إذا كان رفع وتيرة التصعيد العسكري ضد صنعاء قراراً أمريكياً غير محسوب العواقب، فصنعاء قادرة على ضبط وتيرة هذا التصعيد وبما يضبط قواعد الاشتباك ومآلات التصعيد لصالحها"، حيث تمكنت خلال مدة لم تتجاوز عشرة أيام من توجيه ثلاث ضربات عسكرية واستخباراتية قاصمة لأبوظبي والرياض.
الضربة الأولى للإمارات في المياه الإقليمية اليمنية من خلال عملية نوعية خاطفة مكنت القوات البحرية اليمنية من احتجاز السفينة العسكرية الإماراتية "روابي" ومصادرة شحنتها العسكرية، وقد سبق هذه العملية ورافقها تفوق استخباراتي لصنعاء التي قدمت للمجتمع الدولي الدلائل الدامغة التي تُثبت أن السفينة وحمولتها عسكرية، وأن ما قامت به قوات صنعاء تجاه السفينة عمل مشروع يتوافق مع القوانين الدولية، وبذلك أخرست صنعاء أي مزايدات ونفاق للمجتمع الدولي لصالح إمارة النفط، كما لم يجرؤ بيان مجلس الأمن الدولي الذي صاغته بريطانيا بطلب إماراتي على دحض تلك الدلائل التي قدمتها صنعاء، لتظل واشنطن وبعض حلفائها في المنطقة في حالة إنكار اضطراري يُخفف حجم الفشل ويُبرر مزيداً من التصعيد ضد صنعاء، التي أكدت من خلال الإجراءات التي قامت بها تجاه السفينة العسكرية الإماراتية أن أمن الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب جزء لا يتجزأ من أمن اليمن، وأن من تتواجد بوارجه الحربية ويفرض حصاراً على الموانئ اليمنية هو الذي يُزعزع أمن واستقرار البحر الأحمر والملاحة فيه.
الضربة الثانية: فضحت صنعاء فبركات الناطق باسم تحالف العدوان تركي المالكي الذي أعلن أن ميناء الحديدة أصبح هدفاً عسكرياً، مُقدماً مقطع فيديو حصلت عليه استخبارات التحالف "يُثبت تصنيع صواريخ باليستية داخل حرم ميناء الحديدة"، لترُد صنعاء على الفور، وتكشف للمجتمع الدولي زيف ادعاءات المالكي الذي استند في إعلانه استهداف التحالف ميناء الحديدة إلى مقطع فيديو من الفيلم الأمريكي (Severe Clear)، وهو ما اعترف به المالكي، معتبراً ذلك خطأ هامشياً، ليتجلى مستوى التخبط والاختراق الاستخباراتي لدى تحالف العدوان ومدى الاستخفاف بأرواح المدنيين والبُنى التحتية لليمن التي تظل رهينة فبركات معلوماتية وأخطاء هامشية تُحول كل ما هو مدني إلى عسكري ليطاله القصف وجرائم العدوان.
الضربة الثالثة: عملية "إعصار اليمن"، وترجمت صنعاء فيها بشكل عملي وسريع تحذيراتها للإمارات، ولم تتردد بتوجيه صفعة عسكرية لأبوظبي التي صعرت خدها لتحذيرات صنعاء، فرغم استمرار الإمارات في مُمارساتها الاحتلالية والعدائية على الأراضي والجُزر اليمنية، بالإضافة لدعمها وتسليحها لفصائل وجماعات متطرفة سياسياً مثل ما يُسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي"، ومتطرفة فكرياً مثل ما يُسمى "ألوية العمالقة"، و"حراس الجمهورية"، ومع ذلك فقد ظلت منذ إعلانها الشكلي الانسحاب من الحرب في اليمن عام 2019 في مأمن من ضربات صنعاء العسكرية التي سبق أن جاب طيرانها المسير العمق الإماراتي طولاً وعرضا راصداً إحداثيات بنك الأهداف الحيوية والحساسة في هذه الدويلة الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها محافظة المهرة اليمنية.
العملية العسكرية التي سمتها صنعاء "إعصار اليمن" وطالت العمق الحيوي الإماراتي لم تكن مُفاجئة، بل كانت متوقعة، حيث أعلنت صنعاء أنها سترد على التصعيد العسكري الإماراتي الحالي ضدها، ومع ذلك فشلت الدفاعات الجوية الإماراتية في إيقاف الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية لصنعاء التي قطعت مسافة تجاوزت 1000 كيلومتر لتصل إلى أهدافها الرئيسية في مطار أبوظبي، ومصفاة المصفح التابعة لشركة "أدنوك" أكبر الشركات النفطية الإماراتية، كما لم تستطع الإمارات هذه المرة إنكار هذه العملية العسكرية النوعية الكُبرى على غرار إنكارها عمليتي استهداف سابقتين طالتا محطة "براكة" النووية عام 2017 التي تم تأجيل افتتاحها عقب الاستهداف، بالإضافة لعملية استهداف مطار أبوظبي عام 2018، ونشر صنعاء فيديو للعملية.
 حفاظاً على عصب الاقتصاد الإماراتي القائم على الموانئ والمطارات والسياحة والنفط، حاولت الإمارات طمأنة الداخل الإماراتي والخارج من خلال تحجيم عملية "إعصار اليمن" التي تلقتها في عمقها الحيوي، حيث حاولت التصريحات الرسمية والإعلامية تبسيط عملية الاستهداف واختزالها في رواية رسمية تقول بأن "أجساماً طائرة صغيرة يُعتقد أنها طائرات مسيرة تسببت بالانفجار في مصفاة المصفح وحريق صغير في مطار أبوظبي الدولي"، كما باشرت شرطة أبوظبي التعامل مع عملية الاستهداف كما لو كانت حادثاً عرضياً.
في الوقت ذاته قامت الإمارات عقب عملية الاستهداف برفع أعلى حالات الطوارئ، واتضح ذلك من خلال إلغاء اجتماع ولي العهد محمد بن زايد مع رئيس كوريا الجنوبية لدواعٍ أمنية، كما ذكرت وكالة بلومبرغ. كما تسببت العملية بحالة من الإرباك وتوقف حركة الملاحة الجوية في مطار أبوظبي، بالإضافة إلى انخفاض الأسهم في بورصة أبوظبي وهو ما يتناقض مع تبسيط أبوظبي ويستحيل معه تحجيم مثل هذه العملية العسكرية الكُبرى، لتُصبح الإمارات "دويلة غير آمنة" كما جاء في بيان الناطق العسكري للقوات المسلحة اليمنية.
ختاماً، الضربة العسكرية التي وجهتها صنعاء للإمارات ما كانت لتتم لولا تماهي أبوظبي مع تعليمات واشنطن و"تل أبيب" التي زجت بها لتتصدر مشهد التصعيد العسكري ضد صنعاء بشكل يتعارض مع سياسة التواري والتحايل التي تمارسها في اليمن. وانطلاقاً من ذلك، على أبوظبي أن تعي أنها ستظل في مرمى النيران إن لم تُبادر إلى استيعاب رسائل وتحذيرات صنعاء وتنجو بنفسها، وإن كان في ذلك إغضاب لواشنطن التي تأكل الثوم بأفواه الآخرين وتجعل منهم دروعاً أمامية لمصالحها.

أترك تعليقاً

التعليقات