محمد محمد السادة

السفير محمد محمد السادة / لا ميديا -

أمين عام الأمم المتحدة، غوتيريش، لخص الأزمة الإنسانية في اليمن قائلاً: "الوضع في اليمن هو أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، فيما قال مساعده للشؤون الإنسانية، لوكوك، إن اليمن يحتاج لقرن من الزمن لمعالجة أزمته الإنسانية. أما رئيس برنامج الغذاء العالمي، بيسلي، فقد انتقد تقصير المجتمع الدولي حيال الوضع الإنساني قائلاً: "اليمن على شفا كارثة ويجب على البشرية أن تخجل من نفسها". وغيرها من التصريحات والتقارير والمؤتمرات الدولية التي لَّا تُسْمِنُ ولَا تُغْنِ من جُوعٍ، فالمعاناة الإنسانية للشعب اليمني العزيز مستمرة، فيما يستمر الخداع الأُممي مُجسداً المثل العربي القائل: "أسمع جعجعة، ولا أرى طحيناً".
رغم الإجماع الدولي على أن اليمن يشهد أسوأ كارثة إنسانية في العالم إلا أن حجم الاهتمام الدولي لايزال ضعيفاً، ولا يُلبي الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية. وما يؤكد ذلك هو تقارير خطط الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، فخلال 5 سنوات (2016-2020) بلغ إجمالي تعهدات المانحين الدوليين لمساعدة اليمن 14,46 مليار دولار، ولكن لم يُدفع منها سوى 9.50 مليار دولار، وكانت حصة اليمن الفعلية من هذا المبلغ هو مساعدات بقيمة 6.87 مليار دولار أي ما نسبتُه (47.5%)، فيما بلغت حصة المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني في اليمن مبلغ 2,63 مليار دولار ما نسبتُه (25%) من إجمالي قيمة المنح المدفوعة، صُرفت في العمليات اللوجستية التي تشمل النقل جواً وبراً وبحراً، وتوفير المخازن للمساعدات في دبي وجيبوتي واليمن، بالإضافة إلى النفقات التشغيلية للمنظمات، بما فيها الرواتب العالية لما يُسمى "خبراء أجانب".
هذه المعطيات تؤكد التنصل الدولي والأممي في التعاطي مع الأزمة الإنسانية اليمنية التي تسبب بها العدوان والحصار السعودي- الأمريكي، فيما نالت دول صغيرة ومستقرة، وأقل سكاناً من اليمن، مساعدات أكثر خلال الفترة المشار إليها، فالأردن على سبيل المثال تلقى خلال الفترة (2016-2020) مساعدات مختلفة بقيمة تجاوزت 13 مليار دولار. وهذا يؤكد أن الدوافع الأساسية لتقديم المساعدات يتجاوز التعاطف والقيم الإنسانية ليُكرس المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، فيما يُشكل الالتزام الأخلاقي مجرد غطاء تُغلف به تلك المصالح، فالمصالح الدولية والأجندات السياسية بما فيها الضغوط التي يُمارسها تحالف العدوان، أثرت سلباً على جهود المجتمع الدولي وما يقدمه من مساعدات لمواجهة الأزمة الإنسانية في اليمن.

جدوى المساعدات الأممية!
البيانات والإحصائيات للخطط الأممية للاستجابة الإنسانية في اليمن تُوضح الضعف الكبير لتمويل المساعدات، خصوصاً في المجالات الحيوية، كالأمن الغذائي والنازحين والصحة، فعلى سبيل المثال هناك نزوح داخلي لقرابة 4 ملايين يمني، ومع ذلك لم يُشكل هذا النزوح عبئاً إضافياً مباشراً على المجتمع الدولي من خلال عدم تحوله إلى مشكلة لاجئين في الخارج، كما هو حاصل في بعض الدول التي تُعاني من الحروب، فقد ساهم الموروث الثقافي، والارتباط الروحي لليمنيين بأرضهم في تقليص أعداد اللاجئين بالخارج بشكل كبير، حيث تؤكد بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين أن اليمن لايزال خارج نطاق أكبر عملياتها التي تشمل دولاً مثل السودان والأردن والعراق وسوريا.
رغم أن مشكلة التمويل عامل رئيسي يحد من فاعلية المساعدات الإنسانية المقدمة لليمن، إلا أن هناك عوامل أخرى تواجه عمل المنظمات الدولية الإنسانية، مثل: صعوبة الوصول إلى بعض المناطق نتيجة تدمير تحالف العدوان عدداً من الطرق والجسور التي تربط المدن، وعرقلته دخول سفن المساعدات عبر ميناء الحديدة، ومنها شحنات الأدوية التي فترة صلاحيتها قصيرة، وتصل والبعض منها مُنتهيه الصلاحية أو شارفت على الانتهاء، ولا يُمكن وضعها ضمن خطط التوزيع لأنها قد تصل للمستفيد النهائي وهي غير صالحة للاستخدام.
كما أن العديد من المنظمات الأممية تفتقر للقدرات اللوجستية، وتعتمد على خبراء أجانب في عملية تصميم وإدارة المساعدات دون خبرة أو اعتبار لطبيعة البيئة المحلية وخصائصها وتعقيداتها المختلفة، بالإضافة لوجود بعض مظاهر الفساد المالي والإداري التي كشف جزء منها موقع "أسوشييتد برس" (AP) في تقرير نشره في أغسطس 2019 حول فساد المنظمات التابعة للأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني في اليمن، راصداً عدداً من المخالفات المالية والإدارية وضعف عملية الرقابة.
وعلى المستوى الرسمي، فرغم الجهود الطيبة التي تقوم بها حكومة "الإنقاذ" من خلال المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية، لايزال هناك عوامل تحد من فاعلية المساعدات، منها: ضعف العمل المؤسسي والرؤية الشاملة للتعامل مع المساعدات، وضعف الثقة المتبادلة والتنسيق والتعاون بين الجهات المعنية والمنظمات، بالإضافة لعدم وجود قاعدة بيانات متكاملة ونظام متطور لإدارة المساعدات، والافتقار للكوادر المؤهلة والمتخصصة في مجال المساعدات. ومع ذلك نأمل أن يكون ما قام به مؤخراً المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية من إقرار لآلية التعامل مع المنظمات بداية لمرحلة جديدة تُسهم في تفعيل المساعدات، وضبط أداء المنظمات.

من يستحق جائزة نوبل؟!
العام 2020 هو الأسوأ من حيث حجم المساعدات الإنسانية المقدمة لليمن. ومن المتوقع ألا يتجاوز إجمالي تمويل المانحين مبلغ مليار دولار حتى نهاية العام، فجائحة كورونا التي استنفرت لمواجهتها كل دول العالم مثال آخر على تخلي المجتمع الدولي عن مسؤولياته تجاه اليمن، حيث انشغلت الدول بإجراءات وتدابير قُطرية قاصرة، افتقرت لآليات مشتركة لمواجهة هذا الوباء العابر للحدود، فيما تُرك اليمن وحيداً لمواجهة هذا الوباء دون تقديم يد العون، عدا بعض المساعدات الأممية الرمزية، بل إن العديد من الموظفين الأمميين تركوا عملهم الإنساني وغادروا اليمن خوفاً من الإصابة بالفيروس.
كما أن ما يُثير التساؤل والسخرية هو أنه في الوقت الذي كان ينتظر اليمن وصول كميات من المساعدات لمواجهة وباء كورونا، وصل بدلاً عنها كميات من المساعدات الخاصة بوباء الكوليرا الذي تم تجاوزه، حيث كانت هذه الكميات مُخزنه طوال الفترة الماضية في مخازن منظمة الصحة العالمية بدبي، ولم تُرسل وقت الحاجة لها. والأدْهَى والأمَرُّ من ذلك هو السقوط الأخلاقي، والصمت الأممي تجاه جرائم تحالف العدوان، واستمراره في الاحتجاز التعسفي لسفن المشتقات النفطية الحاصلة على تراخيص أممية لتعطيل ما تبقى من خدمات القطاع الصحي المعتمد في تشغيله على مادة الديزل.
ما سبق من معطيات يستوجب اللوم والنقد للأمم المتحدة، لا تكريمها، فالجوائز تُمنح لمن يتفانى ويتميز في ما يُقدمه من جهود تخدم الإنسانية، وفق معايير موضوعية غير مُسيسة، فمن المفارقات أن يُمنح "برنامج الغذاء العالمي" جائزة نوبل تقديراً لجهوده في مكافحة الجوع في عدد من الدول، منها اليمن الذي زُج باسمه وهو لا ناقة له ولا جمل، فما يقوم به "برنامج الغذاء العالمي" في اليمن من جهود لايزال في حده الأدنى، كما سبق أن رفضت الجهات المعنية العديد من شُحنات المساعدات المقدمة من البرنامج كونها غير صالحة للاستخدام، وقامت بإتلاف كميات كبيرة من المساعدات الغذائية نتيجة انتهاء صلاحيتها، أو سوء تخزينها، وتم مخاطبة الأمم المتحدة بشأن هذه المخالفات. أضف إلى ذلك القرار الذي اتخذه "برنامج الغذاء العالمي" في أبريل الماضي بقطع نصف المساعدات الإنسانية الممنوحة للمناطق التي تُديرها حكومة "الإنقاذ" بحُجة وجود أزمة في التمويل، فيما حقيقة القرار أنهُ جاء كرد فعل ومحاولة ضغط على حكومة "الإنقاذ" التي رفضت تحكُّم البرنامج بنظام القياسات الحيوية عبر البصمة والبيانات للمستفيدين من المساعدات، كونه موضوعاً مرتبطاً بالأمن القومي.
إذا كانت المعايير المزدوجة لمنح جائزة نوبل لا تنطبق على المواطن اليمني العظيم الصامد في وجه العدوان والحصار، والمرابط في جبهات العزة والشرف، والمحتسب في ما يتعرض له من ظلم وأذى، فهو يستحق وبجدارة كل الجوائز والأوسمة الإنسانية تتويجاً لكل بطولاته وانتصاراته التي ستُخلدها الأجيال.
ختاماً، لا شك أن آلاف السنين من التاريخ والحضارة اليمنية تشهد بتراكم ثقافة السلام لديه حتى استحق لقب اليمن السعيد، ولذا فالمساعدات الإنسانية ليست غاية المطلب لشعب يتطلع للسلام، وتحمُّل المجتمع الدولي مسؤولياته من خلال مواقف دولية تضغط على تحالف العدوان لإيقاف عدوانه وحصاره، من أجل استئناف عملية المفاوضات وصولاً للسلام العادل والمُشرف.

أترك تعليقاً

التعليقات