نهاية «إسـرائيل»
 

موفق محادين

د. موفق محادين / لا ميديا -
ليس من قبيل المبالغة أو المزايدة أو التمنيات القول إن كيان العدو الصهيوني دخل مرحلة العدّ العكسي الاستراتيجي لزواله وأفوله ورحيله عن مسرح التاريخ بعد عقود من دور الشرطي الأمريكي في المنطقة، ومن المذابح والتهجير والتطهير العرقي الذي مارسه بحق الشعب العربي والفلسطيني.
بالإضافة إلى تصاعد الحديث من قلب المجتمع الصهيوني عن نهاية "إسرائيل" في العقود القادمة، على غرار ما كتبه أكثر من صحافي "إسرائيلي" قبل عام تقريباً، مثل آري شبيت وروغل ألفر، وكذلك الفيلم الذي كتبه وأخرجه يارون كفتوري وحدد فيه هذه النهاية عام 2048 لأسباب تتعلق بالانهيار الاجتماعي الداخلي، ما يذكّر برأي الباحث الفلسطيني الراحل نزيه قورة، "إسرائيل في مواجهة أزمتها الداخلية".
فليس من قبيل المبالغة أو المزايدة أو التمنيات القول إن "دولة" العدو الصهيوني دخلت مرحلة العدّ العكسي الاستراتيجي لزوالها وأفولها ورحيلها عن مسرح التاريخ بعد عقود من دور الشرطي الأمريكي في المنطقة، ومن المذابح والتهجير والتطهير العرقي الذي مارسته بحق الشعب العربي والفلسطيني.
هذه المقاربة التي ترى أن هذا الكيان زائل لا محالة في العقود المنظورة، لا تنتمي إلى عالم التمنيات أو العزاء الروحي أو الاعتماد على تكهنات قديمة في بعض الأسفار في الكتب المقدسة، بل إلى عالم القراءة والتمعن في ما وصلت إليه الحالة الصهيونية في فلسطين.
ولا نريد أيضاً تحويل هذه القراءة إلى سلوك انتظاري ينتمي إلى ذهنية الحتميات العمياء، فأكثر أوراق الشجر إصفراراً ويباساً لا يسقط من تلقاء نفسه، ولا بد من ريح ما، أياً كانت قوتها وسرعتها حتى تسقط هذه الأوراق لتذروها الذاريات إلى مصيرها المحتوم.
وما من رياح وذاريات تقوم بذلك خارج ثقافة المقاومة وخطابها واستحقاقاتها، ويتذكر الباحثون السياسيون كيف كانت تتضاعف أعداد الهجرة اليهودية المضادة من الكيان إلى أوروبا والولايات المتحدة في كل لحظات الاشتباك الحقيقية مع العدو، وكيف تتسع دائرة الإحباط واليأس في تلك اللحظات، ولماذا كان يسارع العدو حينها إلى طلب التهدئة وإظهار الرغبة في السلام والمفاوضات، قبل أن يعود إلى سيرته العدوانية في كل مرة.
أما المعطيات الماثلة أمامنا، التي تخدم الاستنتاج السابق وتعزز فكرة نهاية العدو وأفوله فأبرزها:
أولاً: تراجع الأهمية الدولية للشرق الأوسط والقوى الإقليمية الوظيفية مثل "إسرائيل" لمصلحة التحولات الجديدة نحو أوراسيا حيث يتشكل العالم الجديد.
صحيح أن الإمبريالية الأمريكية ليست بصدد الانسحاب الكلي من "الشرق الأوسط"، فلاتزال الطاقة هنا عاملاً مهماً في الاقتصاد العالمي، ولاتزال بحاجة بهذا القدر أو ذاك للقوى الوظيفية، إلا أن رقعة الشطرنج العالمية باتت تميل بقوة إلى الدائرة الأوراسية ومحيطها، روسيا وطريق الحرير الصيني وانعكاسات ذلك على "إسرائيل" وما يماثلها.
ثانياً: الأعراض السياسية -الاجتماعية -الثقافية التي تسيطر على مشهد الكيان الصهيوني منذ سنوات، وتذكرنا بالثقافة المأثورة عند معظم الشعوب حول موت الأنهار الآسنة وجفافها.
فما إن تطفو الأسماك الميتة على سطح المياه، المرة تلو المرة ويصبح تنظيف النهر أمراً عقيماً (فالج لا تعالج) حتى يدرك الناس من حوله أنهم دخلوا في تحوّل بيئي استراتيجي يقتضي المغادرة، أو البحث عن بيئة أخرى من أجل مياه جديدة وهرباً من رائحة المستنقعات الآسنة.
جرياً على هذا المأثور، تعالوا نقف عند المشهد السياسي -الاجتماعي -الثقافي الذي يسيطر على الكيان الصهيوني ويعيد إنتاجه بصورة أسوأ في كل مرة.
مقابل جماعات الهستدروت العمالية الأولى (سواء كان مغرراً بها أو كانت على درجة عالية من الاحتقان الطائفي) التي شكلت العقود الأولى من حياة الكيان وتاريخه، واحتفظت برواسب اجتماعية -ثقافية من الأمم التي تحدرت منها (السلاف، الأتراك، البولنديون، الأنجلوسكسون، الغال والجرمان)، ها نحن أمام دولة الجماعات الطائفية العنصرية الدموية الأكثر شططاً وإجراماً، التي لا تختلف عن "داعش" وجبهة النصرة والجماعات التكفيرية في شيء، بل إن ما يجمعها أيديولوجياً وثقافياً وسياسياً (الهمجيات الدنيا) أكثر مما يفرقها، الفرقة الناجية مقابل الشعب المختار المزعوم، تأويلات آية السيف مقابل رب الجنود، والتعامل مع ما عداها ككفار أو غوييم (بهائم) يحل للجماعة قتلهم واستباحة أموالهم وأعراضهم.
وإذا كانت الظواهر التكفيرية المذكورة شكلاً من أشكال الهمجيات الدنيا وليست تعبيراً عن أي صحوة إسلامية مزعومة، فالحال الصهيوني كما الجماعات التكفيرية تعبير عن أزمة عميقة وهبوط استراتيجي لا تنفع معها كل "إنجازات" الثورة المعلوماتية التي باتت بلا قاعدة اجتماعية متحضرة.
ويشار كذلك إلى أن الفرق كبير وشاسع بين مجتمعات تعاني من "أزمات صعود" وبين مجتمعات دخلت مرحلة التحلل والتفسخ الاجتماعي بدلالة الانحيازات الطائفية العامة للناخبين في حالة العدو، وللجمهور الطائفي في الحالة التكفيرية.

أترك تعليقاً

التعليقات