د. محمد النهاري

د. محمد النهاري / لا ميديا -
كان القدر  كريماً  بي حين لم ألبّ دعوة صديق للتعرف على هذا الرجل الذي اسمه سلطان سعيد البركاني، باعتباره شاعراً ينتمي أبوه إلى فئة الصوفية وله صلة قرابة بـ"زاوية" الشيخ حسان بن سنان، صاحب "الصراهم" و"العقيرة" من أعمال جبل حبشي محافظة (التي كانت) "تعز". ولحسن حظي قبل الموعد بيوم رأيت الشيخ، سليل الشيخ الجليل سعيد البركاني، وقد انتقى عبارة جامعة مانعة -بحسب أهل المنطق- أنه وباسم الشعب قد "قلع العداد"، وهي متخذة بعناية من باب الكناية في البلاغة العربية - فرع علم البيان، وهو إعلان يُنسب إلى صيغة كنسية قالها أحد الكهنة "المشدوف" عبدالله صعتر، الذي أصدر فتوى شهيرة بقتل ملايين الذين لا ينتمون للحزب المعصوم (الإخوان المسلمين). فالعلاقة بين صعتر والشيخ البركاني (عضو البرلمان المخلوع) هي أنه باسم الله قد "قلع العداد"، ليستمر "البابا" صالح على كرسي البابوية يحكم باسم الإله إلى الأبد، وتستمر طلعات طيران العدوان لتقصف اليمنيين إنفاذاً لحكم الله؛ إذ الحرب ضد اليمن بأمر الله وعز وجل!
وأعترف أني إنسان فيه غفلة، انخدع بالكلمة، ليس بحكم اختصاصي في النقد والأدب، بل بحكم ما يخدع المؤمن الذي إذا قال صدَق وإن قيل له صدّق، فقد قُدِّم لي الشيخ البركاني شاعراً ومؤمناً وبرلمانياً شجاعاً، ثم هو من -التي كانت- تعز، وأنا أعلن أني حفيٌّ بهذه المدينة الرائعة، عاصمة الرسوليين وحاضرة الأولياء، ففيها مرقد الشيخ العارف بالله أحمد بن علوان، والشيخ عبدالهادي السودي، الذي فجَّر السلفيون مسجده وضريحه لأنه يُعبَد من دون الله - بزعمهم، وقد قال ذات مرة العلامة مفتي تعز إبراهيم عقيل باعلوي رحمه الله إن تحت كل حجرة في تعز ولياً من أولياء الله... أقول إني "تعزي" الولاء والهوى والانتماء، أسعد عندما أسمع نوابغ من أبناء هذه المدينة وهذه المحافظة، أسعد بنوابغ كعبده محمد المخلافي، أحد مؤسسي الإخوان المسلمين المعروف بوسطيته واعتدال سلوكه، وبعبدالله الفضول، آسر القلوب بعبقريته شاعراً أصيلاً فذاً، وبأحمد بن علوان صوفياً ثائراً بارز الطغاة واستنهض الجماهير والرعايا للخروج على ظلم الرسولي الدخيل، كما أعتز بياسين عبدالعزيز، والشيخ المقرمي، وبصلاح الدكاك، المبدع الذي رفض -بإباء وشموخ وكبرياء- الالتحاق بركب الريال والدرهم والدينار، معتزاً بثروة وطنية وشرف انتماء يتخطى المجد الزائل والذل، وفضَّل أن يعيش كريماً في وطنه كيلا تسقط المروءة الشريفة والمواطنة الطاهرة العفيفة. كما سعدت بآل الحروي، وعبدالغني مطهر الذي كان له الفضل في مد الثورة بكل عون وجهد. كما سعدت بأسرة هايل سعيد، الذين ينفقون عشرات الملايين على الفقراء والمساكين ولا يتبعون ما أنفقوا منّاً ولا أذى، على نهج المؤسس الحاج هايل سعيد، الذي نرجو أن يسير الأولاد والأحفاد سيرته وأن يستقيموا.
سعيد أن أنتسب إلى تعز، التي أنجبت بطلاً كعبدالرقيب عبدالوهاب، ابن ذبحان – الحُجَرية، الصامد في وجه فلول الملكية ومانع سقوط الجمهورية في شوالات ذهب بني سعود، رافعاً شعار "الجمهورية أو الموت"، وقد دفع روحه شهيداً.
أما الشيخ سلطان، شاعر "العداد" وفنان "الكذب بالألوان"، فإننا نذكّره أن للكذب عند الكذابين مناهج وقواعد يجب أن تراعى، ولا بد أن يعرف الكذاب ماهية الكذب منطقياً، فالكذب هو نسبة كلامية تخالف الواقع. وبناء على هذا التعريف ينبغي للكذاب أن يعرف الموقف الذي يناسب متى يكون الكذب فعلاً، ومن ذلك لا بد أن يقدر أن المتلقين يجهلون الواقع ديناً وعرفاً وتقاليد، فعبدالله صعتر يعرف أنه لا نبي بعد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فإذا ادعى أن الحرب التي دمرت اليمن إنما هي بأمر الله، فإنه لا يزيد عن أن يكون كاذباً، فهو ليس بنبي وليس بولي تترى عليه أمارات الولاية. وإذا قال النائب العام لأي دولة أو حكومة بأنه حاكَمَ السُّرَّاق ونُهَّاب الشعب فإنه ملابس للكذب، لأن النهب مستمر والسراق مستمرون. ومن آداب الكذب -إن كان للكذب آداب- أ لا يستخف الكاذب بعقول الجمهور، كما هو الحال عند الشيخ سلطان بن سعيد البركاني، الذي استخف بعقول البرلمانيين في العراق، إذ ادعى أن "الحوثيين الانقلابيين" اتخذوا المدارس والمعاهد والجامعات ثكنات عسكرية! وسيخبرنا أطفالنا أنهم رأوا أي سلاح في غرف دراسية! وأنا لم أشهد -وأنا أستاذ في الجامعة- أي سلاح، لا في قاعات الدرس ولا في غرف الحراسة ولا... ولا...
يقول الشيخ سلطان، وبثقة أعلى من العليا، إن جماعات من الخبراء الإيرانيين يسرحون ويمرحون في صنعاء وبقية المدن التي تقع تحت سيطرة "الحوثيين"! وأنا لست من العاكفين في المنزل، بل أخرج وأدخل وآكل الطعام في مطاعم العاصمة وأمشي في أسواق العاصمة، لم أشاهد إيرانياً واحداً، ولو أن كلام الشيخ صحيح لكانت صور الإيرانيين قد غطت شاشات تلفونات طوابير المخابرات العميلة، وعرضتها قنوات "العربية" و"اسكاي نيوز" الإماراتية، التي تكرر خبر انفجار أسطوانة غاز أو حادث سيارة كما لو كان حدثاً دهرياً خطيراً لا ينسب إلا "للحوثيين المجوس"... بل لا أدري ما هو انطباع أي يمني وهو يسمع هذا "الكذب الملون"!
وأخيراً: لقد أشفقت على عضو البرلمان المخلوع وهو يستحمر أعضاء البرلمان العربي حينما ادعى أن "الحوثيين" اتخذوا المدارس والمعاهد والجامعات ثكنات عسكرية؛ فإنه كلام أقل مستوى من أكاذيب الأعراب. ولم ينسَ أن يشكر أشقاءه السعوديين والإماراتيين، الذين سبقوه بالكذب حين صنعوا "عاصفة الحزم" ليستردوا "الشرعية"، فكانت كذبة حقيرة وموظفة لسرقة النفط اليمني والثروة البحرية والبرية. فالشيخ سلطان افترى فرية عظمى كذَّبها الواقع اليمني في الداخل وأعضاء البرلمان في الخارج، إذ غادر أكثريتهم قاعة المجلس، لكذب البركاني.
يا "شيخ العدادات" في اليمن، والكاذب في مؤتمر البرلمانيين العرب، في سورية، كان يكفيك أن تكون أهلاً لما أعده الله للكذَّابين في "سقر" ودركها الأسفل من النار؛ ولكن أن تشكر أشقاءك في السعودية والإمارات على ما قاموا به من عدوان أكل الشجر والحجر، فهذا دليل واضح وبرهان جلي على أن السيد والدكم المرحوم "قد سفخك دعوة" لقيت باب السماء مفتوحاً في ليلة قدر مباركة.
لقد كذب البركاني سلطان، وظن أن لم يره أحد. ونسأل الله تعالى حُسن الخاتمة.

أترك تعليقاً

التعليقات