اليمن يجدد حضوره في معركة الوعي والموقف
 

علي القرشي

علي القرشي / لا ميديا -
على امتداد عامين من التضامن الشعبي والرسمي مع غزة، لم يكن اليمن مجرد متضامن صامت، بل كان حاضراً بروحه وموقفه، في قلب مشهد المقاومة والدفاع عن القضية الفلسطينية. وفي الذكرى الثانية لانطلاقة هذا الدعم، تتوافد الجماهير مجدداً إلى الساحات في صنعاء وعدد من المحافظات، لتؤكد أن ما بدأ لم يكن رد فعل عاطفي، بل توجّهاً استراتيجياً وثقافياً يعكس تحولاً عميقاً في وعي الشعوب، وتحديداً في وعي الشعب اليمني.
البعد الرمزي: اليمن وسط العاصفة لا ينسى فلسطين: منذ بدء العدوان «الإسرائيلي» على غزة في السنوات الأخيرة، ورغم ما يعانيه اليمن من حرب وحصار وانهيار اقتصادي، ظل الموقف الشعبي تجاه فلسطين ثابتاً، بل تصاعد في زخمه وتنظيمه. هذا ما يمنح الفعاليات التي شهدتها صنعاء وعدة محافظات اليوم بعداً رمزياً كبيراً: شعب جائع ومحاصر يصرّ على أن يقول «أنا معكم»، في وقت تخلّى فيه كثيرون ممن يملكون كل مقومات الدعم.
هذا الثبات لا يُقاس بعدد الحشود فقط، بل بالاستمرارية، والقدرة على تحويل التضامن إلى حالة مجتمعية تتوارثها الأجيال، وتُترجم في الثقافة والتعليم والإعلام، وهو ما يميّز النموذج اليمني في دعمه لغزة.
من التضامن إلى الموقف السياسي: ما يلفت في مشهد التفاعل اليمني مع القضية الفلسطينية، هو التحول من مجرد تعاطف إنساني إلى موقف سياسي وثقافي واضح المعالم. لم تعد غزة مجرد قضية يتم إحياؤها في المناسبات، بل أصبحت جزءاً من الهوية السياسية للموقف اليمني المقاوم، الذي يرى في فلسطين مرآة لقضاياه الداخلية والخارجية، وفي انتصارها خطوة في طريق تحرير الشعوب من الهيمنة الغربية والصهيونية.
رسالة تتجاوز الجغرافيا: حين تخرج الجماهير اليمنية اليوم إلى الساحات تحت شعار «عامان من الثبات.. وماضون حتى النصر»، فهي لا توجّه رسائلها إلى الداخل فقط، بل إلى المحيط الإقليمي والدولي. الرسالة الأبرز أن الوعي الشعبي لا يمكن كسره مهما اشتدت الأزمات، وأن الشعوب -حين تتحرر من قبضة الإعلام الموجّه والأنظمة العميلة- قادرة على اتخاذ مواقف تتجاوز حدود الأنظمة والمصالح السياسية.
كما أنها رسالة إدانة صريحة لكل الأصوات التي تبرر التطبيع أو تسوّق له على أنه «خيار السلام»، فالسلام الذي يتغافل عن العدالة والكرامة لا يعدو كونه غطاءً للاستسلام.
الإعلام الشعبي اليمني: منصة مقاومة: لا يمكن تجاهل الدور الكبير الذي لعبته المنصات الإعلامية اليمنية، التقليدية والرقمية، في ترسيخ هذا الموقف الشعبي. فقد تحوّل الإعلام في اليمن إلى منصة مقاومة ثقافية وفكرية، تواجه الرواية «الإسرائيلية» وتفكك أدوات الدعاية الغربية، وتعيد تقديم فلسطين كقضية مركزية أخلاقية، وليست نزاعاً سياسياً فحسب.
الثبات استراتيجية لا حالة طارئة: الاحتشاد اليمني المتجدد في دعم غزة، بعد عامين من الحراك المتواصل، يكشف عن وعي استراتيجي وليس رد فعل عاطفي مؤقت. فالثبات لم يعد مجرد صمود أمام الحصار، بل تحول إلى رؤية لبناء وعي جمعي، يرى أن الحرية الفلسطينية جزء لا يتجزأ من معركة الشعوب نحو التحرر والكرامة.
وفي الوقت الذي تسعى فيه قوى الهيمنة إلى تفكيك القضايا العادلة وربطها بالمصالح والصفقات، يقف اليمن اليوم ليقول: «فلسطين ليست ورقة سياسية.. إنها عنوان الكرامة وميزان المبادئ».

أترك تعليقاً

التعليقات