إيهاب شوقي

إيهاب شوقي / لا ميديا -
هناك جراح قديمة يخلط البعض بين شفائها وبين سكون ألمها، إلى أن يأتي أحد لينكأ هذا الجرح، فيصرخ صاحبه ويعي جيدا أنه لم يندمل. وهذا هو ما حدث للعدو الصهيوني مع العملية البطولية المصرية للشهيد المجند محمد صلاح.
فقد ظن العدو وهماً أنه قد أغلق جبهة الصراع مع مصر، وأن السلام الذي تم فرضه بمعاهدات لا تتوافق مع الوجدان المصري قد أغلقت هذا الملف. وتجاهل العدو أن هذا الشعب نما على الوعي بعدوه وعانى من غدره وجرائمه، واستقر لديه أنه لا سلام ولا أمن في وطنه وأمته إلا بعد زوال هذا العدو.
وحتماً قد تابع العدو عبر مؤسساته وشعبه طوفان التأييد الشعبي المصري والعربي للعملية البطولية، وولادة أيقونة جديدة في سجل الأيقونات العربية المقاومة بانتشار صور الشهيد محمد صلاح، ومن المؤكد أن العدو وشعبه تيقن من أن عقود السلام الزائف تبخرت في لحظة واحدة أعقبت العلم بالعملية ومنفذها ليسترد العدو معها ذاكرة الصراع على الجبهة المصرية، حتى لو كانت عملية فردية، إلا أن تتابع هذه العمليات ولو على فترات متباعدة يعني الاحتفاظ بثوابت الصراع وبإمكانية تجدده في أية لحظة.
ورغم الاحتواء الرسمي للعملية من الطرفين الصهيوني والمصري، إلا أن العملية كشفت عن أزمات صهيونية كانت كامنة تحت رماد السلام المزعوم. كما تدحرجت تداعياتها على الداخل الصهيوني وتعددت أبعادها الأمنية والمجتمعية.
وقبل رصد هذه الأزمات والتداعيات التي فجرتها العملية، ينبغي التوقف أمام دلالات اتصال نتنياهو بالرئيس المصري، وهي لا تخلو من التالي:
1 - جاء الاتصال متأخراً بعد نحو ثلاثة أيام من العملية، ما يدل على أن العملية فاجأت العدو وشكلت له ارتباكاً ولم يستطع بلورة رؤية يترتب عليها موقف سياسي إلا بعد هذه المدة وبعد الاجتماعات المكثفة على مستويات متعددة، وفي النهاية توصل لموقف سياسي أعقبه الاتصال بالرئيس المصري.
2 - كانت المبادرة بالاتصال من نتنياهو، وهو ما يعني أن العدو لا يستطيع التفريط في التنسيق مع الجانب المصري، ولا يمتلك رفاهية القطيعة والتصعيد، خاصة وأن الجانب المصري لم يصدر اعتذاراً رسمياً، رغم إصرار الكيان الصهيوني على اعتبار الشهيد مخرباً وإرهابياً.
3 - يعلن الاتصال في حد ذاته أن هناك تسوية للقضية، وأن هناك اتفاقاً مشتركاً على احتواء العملية ونزع البعد الوطني منها والارتضاء بتسييد حالة مفادها أنه عمل فردي لا يتطلب تكريماً مصرياً للبطل ولا تصعيداً صهيونياً بسبب "حادث إرهابي".
أما بخصوص الأزمات التي كشفتها العملية وتدحرج تداعياتها فيمكننا رصدها على هذه المستويات:
أولاً: على المستوى العسكري والأمني، فقد انكشف اهتراء إجراءات العدو وتدابيره الأمنية الحدودية وضعف التواصل والدعم بين قواته، وكذلك ضعف المستويات القتالية لجنوده.
كما انكشف ضعف الاستخبارات العسكرية وتقديراتها للموقف على الجبهة والخلل في منظومة المراقبة والمعلومات، بدليل المفاجأة وبطء الاستجابة والتأخر في بلورة صورة كاملة ورواية دقيقة.
ثانياً: على المستوى الاستيطاني، فإن معبر العوجة، الذي يسميه العدو "معبر نتسانا"، وهو مجاور لقرية زراعية كبيرة في النقب المحتلة تحمل الاسم نفسه، وهناك مشروع استيطاني ضخم أقره "الكنيست الإسرائيلي" لإقامة مستوطنة تضم 2200 عائلة في هذه المنطقة، ولا شك أن حدوث أي قلاقل بهذه الجبهة يلقي بظلال ثقيلة على مستقبل هذا الاستيطان.
ثالثاً: على المستوى المجتمعي، فهناك جدل حاد داخل المجتمع الصهيوني بخصوص تجنيد النساء، وقد أفتى كبار الحاخامات المتشددين بحرمة الاختلاط داخل الجيش وحرمة تجنيد النساء.
وقد أثيرت القضية مجدداً عقب العملية بعد مقتل مجندة من الجنود القتلى الأربعة، وحفلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الصهيونية باتهامات بعدم كفاءة الكتائب المختلطة واتهامات بممارسات غير أخلاقية ينتج عنها انشغال الجنود وعدم يقظتهم، وخاصة بعد تواتر شكاوى من الجنود (المتدينين) من المساس بمشاعرهم الدينية عندما تتخفف بعض المجندات من ملابسهن، وهي قضية مثارة بشكل حاد في أوساط اليهود المتشددين المتحالفين حالياً مع نتنياهو.
وقد استبدل العدو بعض الجنود من كتائب الفهد بجنود من كتائب النخبة ناحال. كما استعان بمعالجين نفسيين لعلاج بعض الجنود على الجبهة مع مصر، وهناك إعادة تنظيم للجبهة سواء على مستوى التشكيلات أو عدد ساعات الخدمة.
وهذا يشكل ارتباكاً للعدو، لأن قضية تجنيد النساء كانت حتمية، بسبب قلة عدد الصهاينة والحاجة لعدد كبير من الجنود لشعب "يعيش بالسيف" وفقاً للمقولة الصهيونية السائدة، وبالتالي تم الدفع بالكتائب المختلطة من الذكور والإناث على الجبهات الخاملة، وحالياً يضطر العدو لدعم هذه الجبهة بعد العملية، وهو ما يربك التوزيعات ويؤثر في كفاءة الجبهات الساخنة في الشمال مع المقاومة في لبنان وفي الداخل مع المقاومة الفلسطينية وكذلك الانتفاضات الشعبية.
وهنا لا يملك العدو التخلي عن تجنيد النساء، وقد يعيد توزيعهن على جبهات أخرى لتتجدد المشكلة مع نشاط الجبهات، وهي أزمة متجددة تتصاعد بتصاعد المقاومة وعملياتها.
لا شك أن العدو بدأ يعاني من الانكشاف الاستراتيجي على مختلف الجبهات في الداخل والخارج، ولن ينفعه التظاهر بالقوة والتهديد الأجوف لإيران ولحزب الله؛ لأنه مع كل تهديد يجد تطويراً صاروخياً جديداً في إيران ومناورات ذات رسائل نارية من لبنان، ناهيك عن تنامي المقاومة بالداخل وإحياء الجبهات التاريخية التي توهَّم أنها ماتت مثل جبهة مصر والتي أحياها مجند شاب ولد بعد أكثر من عشرين عاما من اتفاقية السلام الوهمي.

أترك تعليقاً

التعليقات