إيهاب شوقي

إيهاب شوقي / لا ميديا -
منذ نحو ست سنوات، وتحديدا في كلمته بمناسبة «عيد المقاومة والتحرير» في العام 2017، وجه أمين عام حزب الله، سماحة السيد حسن نصر الله، حديثه للسعودية قائلا إن «الحوار مع إيران هو الحل الوحيد، لمصلحة المنطقة ولمصلحتكم أنتم، وغير ذلك لن يؤدي إلى نتيجة».
كان الحديث متزامنا مع البيان الصادر عن «القمة العربية الإسلامية الأمريكية» في الرياض، التي حشدت فيها السعودية 55 دولة بحضور ترامب أثناء زيارته للرياض، كتعبير عن أكبر حشد دولي مناهض لإيران ومحور المقاومة، وبرعاية مباشرة من الرئيس الأمريكي.
بعد هذه السنوات الست، وما مر بها من أحداث كبرى ومتغيرات، ظل محور المقاومة هو الوحيد الثابت على مبادئه وخياراته وتحالفاته، بينما انقلبت الموازين الدولية والإقليمية رأسا على عقب، وفي النهاية تم الاستماع لصوت العقل ولكلام سماحة السيد، حتى لو لم تعلن أطراف الاتفاق ذلك أو تشير إلى نصيحة سماحته.
ولا شك أن الاتفاق الإيراني السعودي على استئناف العلاقات، والذي تم برعاية صينية، هو حديث الإعلام، بل وحديث مراكز الدراسات الاستراتيجية في معظم أنحاء العالم. وكغيره من الأحداث التي تتميز بالتطور المفاجئ، فإنه يدور حوله الكثير من الجدل والتحليلات المتباينة.
ومن بين التحليلات الكثيرة التي ناقشت الحدث يمكننا فرز نوعين رئيسيين من التحليلات، وهذان النوعان يتميزان بالمبالغة، وأيضا بغلبة التسييس، وهو أمر قد يضر بالوعي العام وتترتب عليه أضرار في التعاطي اللاحق مع المستجدات، ولهذا كان لزاما مناقشة هذين النوعين ومحاولة إبراز ما نراه الجانب الأقرب للموضوعية من هذا التطور الهام بالمنطقة.

أولاً: رؤية مغرقة في التفاؤل غير الموضوعي:
تذهب هذه الرؤية إلى أن الأزمات التي تعاني منها المنطقة يمكن إزالتها بكبسة زر، وأن الصين أصبحت اللاعب الرئيسي بالمنطقة، وأن السعودية خرجت نهائيا من العباءة الأمريكية، وبالتالي ستنتهي جميع أزمات سورية واليمن والعراق بمجرد التفاهم السعودي الإيراني!
ومصدر الخلل في هذه الرؤية هو إغفال دور اللاعبين الآخرين في الأزمات، مثل الدور الإماراتي و»الإسرائيلي» ومن ورائهم الأمريكي في اليمن، وكذلك الدور التركي والأمريكي في سورية والعراق.
والأهم من ذلك هو أن النفوذ الإيراني لا يقوم على قاعدة الهيمنة وإعطاء الأوامر للأصدقاء والحلفاء، والحكومات وحركات المقاومة التي لها كلمة فاصلة في الأحداث ليست أدوات يمكن أن تتلقى أوامر بالتسوية تقوم على مقايضات أو تنازلات.
وبالتالي فإن هناك ملفات شائكة قد تتطلب جهدا كبيرا ومزيدا من اقتناع المعسكر المقابل باستقلالية حركات المقاومة ومزيدا من التخلي عن الرهانات الخارجية.

ثانياً: رؤية مغرقة في التشاؤم:
وتقوم هذه الرؤية على أن هناك قرارا اتُّخذ بالحرب على إيران، وأن ما يحدث هو مجرد مناورة سعودية للتمويه ولإبراء الذمة، حتى لا تتورط في الحرب، وأن ما حدث هو مصلحة أمريكية بتنفيذ صيني، باعتبار أمريكا لا تمتلك أهلية للوساطة، وأن إيران ستكون مجبرة على التنازل حتى لو لم يمس ذلك الثوابت؛ ولكنها ستعطي فرصة للمعسكر الآخر للملمة أوراق قوته وإعادة الكرة مرة أخرى.
ومصدر القصور في هذه الرؤية هو إغفال المستجدات وافتراض أن السيطرة الأمريكية لم تتأثر وأن جميع أوراق اللعبة لاتزال بيديها وتتمتع بالقدرة على الخداع والمناورة، كما تقع أيضا في نفس خطأ الرؤية الأخرى بافتراض أن إيران يمكن أن تتنازل أو تجبر أصدقاءها وحلفاءها على التنازل، ناهيك عن أن أي تفاهم حقيقي بين إيران والسعودية هو تفاهم يقضي على الفتنة، وبالتالي لا يمكن أن يشكل مصلحة أمريكية، حيث تقتات أمريكا على الفتنة.

ثالثاً: توصيات للوصول لرؤية موضوعية:
ومن أجل التوصل لرؤية هي الأقرب للموضوعية، يمكننا ذكر بعض من الأمور كما يلي:
1 - الاتفاق هو اتفاق أمني ـ دبلوماسي بالأساس، ولا يجب تحميله أبعادا أكثر في هذه المرحلة. وقد كانت العلاقات الدبلوماسية قائمة قبل سبع سنوات، أي بعد نشوب الحرب في اليمن وحدّة الاستقطاب بين المعسكرات وتعاظم الخلافات، وبالتالي فإن الاتفاق قد يفتح المجال للحوار ويمنع الانزلاقات الناجمة عن غياب الدبلوماسية وانسداد منافذ الحوار، وهذا يعد شيئاً إيجابياً في حد ذاته.
2 - وجود علاقات دبلوماسية، وحدّ أدنى من التواصل، هو مطلب دائم لمحور المقاومة، الذي يمد يده دوماً بالسلم والحوار مع دول الجوار، مهما كانت الخلافات والتجاوزات، باعتبار المعركة الرئيسية هي مع العدو الصهيوني وأمريكا وقوى الهيمنة والاستكبار، وأن مصير المنطقة سيتحدد بالحوار بين أصحاب المنطقة وطرد الهيمنة والتدخل الاستعماري، وبالتالي فإن هذه الخطوة تعد إيجابية وتحقق مطالب محور المقاومة.
3 - الاتفاق يحقق مصالح جميع الأطراف المشاركة فيه، ولا يحقق بالضرورة طرحا أو توجها جديدا، بمعنى أنه يحقق اختراقا صينيا ولو على المستوى الدبلوماسي، وهو أمر هام حيث يضاف للاختراق الروسي، ويمنع الهيمنة الكاملة لأمريكا، كما يحقق مصلحة سعودية بتهدئة الأجواء وتوسيع آفاق التسوية السلمية بعيدا عن المعارك الصفرية، ومصلحة إيرانية بثبوت صوابية رؤيتها بأن الحوار والتفاهم هو الخيار الوحيد لمصلحة الشعوب، وليس الحصار والتهديد والتخويف ومحاولات العزلة.
لا شك أن ما حدث هو خطوة تتطلب التروي والانتظار؛ ولكن على خلفية الثقة بانتصار خيار المقاومة ورهاناتها على الصمود والتمسك بالثوابت. وهذا التروي يتطلب عدم الإغراق في التفاؤل أو التشاؤم؛ ولكن التزام الحقائق والموضوعية وقراءة الواقع بدقة كبيرة.

كاتب مصري

أترك تعليقاً

التعليقات