إيهاب شوقي

إيهاب شوقي / لا ميديا -
مع كل فشل عسكري وأمني أمريكي وصهيوني تبرز التنظيمات التكفيرية على الساحة وتخرج من تحت الرماد تحت عنوان يفضله الباحثون، وهو «استغلال الخواصر الرخوة»، بينما العنوان الأدق هو توظيف القنابل الأمريكية الموقوتة.
وليس صدفة أن يخرج الهجوم على حلب في محاولة للسيطرة عليها بعد ساعات من وقف إطلاق النار في لبنان وفشل الصهاينة في احتلال القرى وهزيمة المقاومة عسكرياً، وفشل الضغوط المكثفة سياسياً وعسكرياً على سورية للتخلي عن خيار المقاومة واحتضان فصائلها والتخلي عن دورها السياسي واللوجستي في دعم حركاتها.
وقبل مناقشة الهجوم الحالي على حلب وتعدد رعاته واستعراض أهدافه ودلالاته، لا بد من تأكيد أنه برعاية أمريكية وصهيونية رئيسية لا تخطئها أعين المراقبين، وقد فضحها الإعلام الصهيوني، وخاصة إذاعة «الجيش الإسرائيلي»، التي فضحت عبر مراسلها نصاً ما يلي: إن «هجوم قوات المعارضة السورية على حزب الله والمليشيات الإيرانية قد يخدم المصالح الإسرائيلية إلى حد ما. حزب الله والمليشيات منشغلون بصد الهجوم وليس بالتحضير لأعمال إرهابية ضد إسرائيل».
وأضاف: «يوجد في مدينة حلب مركز للبحث العلمي التابع لحكومة الأسد تستخدمه الصناعات الدفاعية السورية وينتج منظومات دفاعية. وقد أعلنت قوات المعارضة السورية بالفعل سيطرتها عليه. ويجب على إسرائيل أن تراقب هذا الأمر بعناية أيضاً، لأن رصيداً مهماً وقع في أيدي فصائل المعارضة».
وبعد ذكر ما قاله الكيان نصاً دون تدخل، فلا بد من إلقاء الضوء على هذه النقاط والعناوين:
• آلة القتل الإجرامية الصهيونية والأمريكية، التي قتلت في غزة ما يقرب من 45 ألف شهيد وفي لبنان ما يقرب من 4000 شهيد، لم تفكر في القضاء على عدد يتراوح بين 3000 إلى 5000 مقاتل من «داعش» في سورية والعراق، رغم تدشين تحالف دولي بقيادة أميركا للقضاء عليه!
كما يترك العالم مخيمين بهما عوائل ومقاتلون من داعش من 60 دولة بما يشكل قنبلة موقوتة، وخاصة مخيم الهول، تحت حماية قوات «قسد» المحمية أمريكياً، دون حل وعرضة لتحرير المخيم وإطلاق هذه الوحوش في أي لحظة يراد إعادة توظيفهم فيها.
• تزامن تهديدات مجرم الحرب الهارب من الجنائية الدولية، بنيامين نتنياهو، لسورية مع الهجوم الذي تقوده ما تسمى «هيئة تحرير الشام»، والتي تواطأ العالم على رفعها من قائمة المنظمات الإرهابية وابتلع الكذبة بانفصالها عن تنظيم القاعدة بعد تغيير تسمية «جبهة النصرة» فقط، يدل بما لا يدع مجالاً للشك على أنها إشارة البدء وكلمة السر لبدء الهجوم الذي كان مبيتاً ومخططاً له وينتظر ساعة الصفر.
وهو أمر له دلائل عديدة، وليس مجرد شواهد أو استنتاجات، منذ معالجة الكيان لجرحى «جبهة النصرة» (الاسم السابق للتنظيم الإرهابي الحالي الذي يقود العدوان).
والأهم هنا هو المصلحة الصهيونية في قطع طرق إمداد السلاح عن المقاومة، وريف حلب يعد أحد أهم هذه الطرق. كما يكمن الهدف في إخراج فصائل المقاومة من سورية واستهداف تمركزاتها، وهو ما ناقشه علناً الإعلام الصهيوني، وما تستهدفه دوماً طائرات العدو الصهيوني، ويبدو أنها وظفت هذه التنظيمات كقوات برية لها بعد فشل القوات البرية الصهيونية في تحقيق أي إنجازات وهزيمتها الفاضحة في لبنان.
• الدور التركي أوضح من أن تخطئه عين، فهو الراعي الرئيسي للمنطقة الخاضعة لخفض التصعيد، والتي يطلق عليها منطقة «بوتين - أردوغان»، وصاحب المصلحة الحقيقية في السيطرة على حلب، وقد ابتلعت تركيا مساحات من حلب التاريخية وضمتها لها، أهمها لواء الإسكندرون، والتي تعاني من مشكلة اللاجئين السوريين وتحولها لخطر وورقة بيد المعارضة التركية. وتكمن مصلحة تركيا في إعادتهم إلى مناطق تحت سيطرتها. وبعد فشل تركيا في الحصول على تطبيع مع الرئيس السوري لشرعنة النفوذ، وبالتالي جاءت الخطوة كانتقام وقلب للطاولة تحت تقدير تركي بأن هناك انشغالاً روسياً وإيرانياً بالمعارك الكبرى في أوكرانيا ومعركة المقاومة مع الكيان الصهيوني.
• وفي إطار تمهيد الأرضية لاستلام الرئيس الأمريكي الجديد، يبدو أن هناك تقديماً لأوراق اعتماد أدوار المرحلة القادمة التي أفرزتها نخبة الحرب الأمريكية ووضعت في واجهتها الرئيس ترامب، والذي أعلن في برنامجه الانتخابي أنه سيوقف الحروب.
ووقف الحروب هنا لا يعني السلام والتسويات بالضرورة، بل السعي لتكريس أوضاع قسرية أو نصر حاسم أو إخلال بالتوازنات، بما يعني استسلام الأطراف المناهضة لأمريكا، وهو ما يشمل النفوذ الخارجي الروسي ومحاولة إجباره على تسوية أو مقايضته بملفات استراتيجية، وكذلك الحال مع محور المقاومة باستنزافه في جبهات أخرى بعيدة عن جبهة الصراع مع الكيان.
وهنا تسعى تركيا وأوكرانيا ودول خليجية ترعى التنظيمات التكفيرية لإبراز أهميتها في الاستراتيجية الأمريكية.
إن عودة سورية منتصرة إلى الجامعة العربية مع احتفاظها بثوابتها وعدم مقايضة نيلها حقوقها الشرعية بتنازلات عن السيادة والخيارات، لا تروق للهيمنة الأميركية، ما يجعل إعادة الكرة أمراً لازماً لاختبار موازين القوى بعد حرب طويلة سطرت خلالها المقاومة صموداً وبطولات أسطورية، وتحت مظنة أن المقاومة ضعفت وتم استهلاكها وبالتالي ستنزوي وتتخلى عن معاركها الخارجية وتفقد وسائل إمداداتها.
ويبدو أن الأعداء نسوا أن معركة التحرير الثاني التي دشنها الشهيد العظيم السيد حسن نصر الله كانت لحماية المقاومة ودرء الخطر عن لبنان، وكانت جزءاً أصيلاً من استراتيجية المقاومة، ونسوا أن الجيش السوري وقيادته لم يرضخا يوماً لكل عوامل الترهيب والترغيب، ونسوا أن كل هجمة شرسة على إيران والمقاومة يتبعها استنفار ودفاع شرس وصمود أسطوري يقلب الطاولة بما يحول التهديد إلى فرصة وبما يفشل أهداف العدوان، في تكريس لمقولة الشهيد العظيم: «إن زمن الهزائم ولى ولا عودة بالزمن إلى الوراء».

أترك تعليقاً

التعليقات