إيهاب شوقي

إيهاب شوقي / لا ميديا -
رغم اعتياد العدوّ ارتكاب المجازر، واعتياد الأنظمة والجيوش والشعوب العربية -إلا في ما ندر- على الصمت، إلا أن مجزرة المواصي يمكن أن تشكل مفترقاً للطرق بحكم السياق الملازم لها وبحكم دلالة المجزرة وتفاصيلها، وبحكم ما فضحته ردود الأفعال الرسمية من نوايا سياسية مبيتة.
وقبل الدخول في التفاصيل، ينبغي لفت الأنظار إلى قضية نراها في غاية الأهمية، وهي أن جبهات الإسناد، التي لم تربط قواعد اشتباكها مع العدوّ بتفاصيل وقواعد اشتباك غزة بشكل مباشر، إلا أنها ربطت معادلاتها العامة بحتمية انتصار غزة، وبالتالي يجب ألا يتوهم العدوّ أنه يستطيع الانفراد بغزة وتصفيتها ويفلت بهذه الجريمة وعليه إعادة حساباته التي تقود المنطقة كافة إلى انزلاقات خطيرة.

أولاً: السياق الملازم للمجزرة
جاءت المجزرة التي استهدفت منطقة خيام النازحين في مواصي خان يونس، وأسفر عنها استشهاد 71 فلسطينياً وأكثر من 289 جريحاً، وبأعداد قابلة للزيادة، في توقيت يشهد مناورات سياسية بعضها انتخابي، كما يحدث في أمريكا ومحاولات لملمة أشلاء رئيس أمريكي فقد تأييد حزبه الديمقراطي، ولا يزال يتغنى بوقف الحرب في غزة في حين تستخدم طائرات الكيان «الإسرائيلي» قنابل أمريكية ثقيلة للفتك بالمدنيين والأطفال، وفي وقت يرسل مجرم الحرب نتنياهو وفوداً للتفاوض ويطلق تصريحات تناقض أي منطق تفاوضي في مشهد استهزاء وسخرية من عملية التفاوض وبالوسطاء... وفي توقيت يشهد نذر انزلاقات على جبهات أخرى في مقدمتها الجبهة اللبنانية التي أعلنت وقوفها مع غزة ومقاومتها إلى آخر الشوط وإلى أن تعلن حماس أنها قررت وقف إطلاق النار، وبالتالي فقد جاءت المجزرة لتلقي بعملية التفاوض برمتها وبالوساطات والوسطاء في القمامة، ولتؤكد أن العدوّ ماضٍ في حرب الإبادة دون اكتراث بقانون دولي أو رأي عام دولي أو محلي، وبتقدير أحمق وخاطئ لنذر انزلاق الجبهات الأخرى.

ثانياً: تفاصيل المجزرة ودلالاتها
جاءت هذه المجزرة لتؤكد أن العدوّ في إطار بحثه عن أي صورة للنصر لا يفكر بعواقب ولا يكترث بقوانين، ولا يعبأ بإحراج حتى رعاته والمتواطئين معه، فقد أضيفت هذه المجزرة لمجازر أخرى حاول بها العدوّ أن يبحث عن انتصار ولو وهمي، مثل مجزرة النصيرات التي حاول أن يخرجها في صورة تحرير لعدد من أسراه، ومجازر المستشفيات التي حاول ادعاء أنها استهداف لأنفاق أو لمقاتلين من المقاومة، ومؤخراً هذه المجزرة في المنطقة التي أعلن أنها آمنة، والتي استخدم فيها قنابل أمريكية ثقيلة، وحاول إخراجها بأنها استهداف لقائد كتائب القسام محمد الضيف، والقيادي رافع سلامة، وإلى جانبهما عناصر من حركة حماس.
وهنا لا بد من التوقف عند ثلاث دلالات:
- استخدام القنابل الأمريكية الثقيلة في المجزرة، والتي أفاد مدير شركة «سجارد» للتكنولوجيا العسكرية بأنها أمريكية الصنع من طراز (JDAM)، أو كما كشف إعلام العدوّ أنها قنابل (إم كيهMK84) التي تزن الواحدة منها طناً من المتفجرات، وفي هذا دلالة على قيادة أمريكا للحرب، وليس مشاركتها أو تواطئها فقط، وأن كل ما أشيع عن تعطيل شحنات القنابل لم يكن إلا دعايات فارغة، بدليل استخدام القنابل التي تم تصدير الخلاف المزعوم بشأنها، وإعلان الإفراج مؤخراً عن شحنة من هذه النوعية، وهو تطور يأتي في وقت أصبح التسابق الانتخابي الأمريكي فيه حول دعم العدوّ وإنقاذه وأمنه على أشده.
- عدم اكتراث العدوّ بمئات الشهداء والجرحى في عمليات يهدف منها الى انتزاع أي إنجاز، مثل تحرير أسرى أو اغتيال قائد، هو دلالة على أزمة فشل عسكري وعدم احترافية، وهو يفسر حقيقة تصريحات نتنياهو بأن الضغط العسكري على حماس هو الذي سيجبرها على الاستسلام، حيث مفهوم الضغط العسكري عند نتنياهو هو زيادة الكلفة من المدنيين والأطفال لجلب النقمة الشعبية على حماس وتحميلها مسؤولية الدماء وإظهارها في صورة المتعنت الذي لا يأبه لدماء شعبه.
 ما يقدم عليه الكيان من مجازر دامية يعني بشكل مباشر عدم اكتراثه بالشعوب العربية ولا أنظمة العرب الرسمية، واطمئنانه التام لجانب الأنظمة والجيوش والوصول لتوصيف عسكري وسياسي مفاده أنها جيوش مدجنة، وأنها سقطت تماماً من الحسابات العسكرية الصهيونية عند اتخاذها لهكذا قرارات، وأنها لم تعد في إطار المجازفات.

ثالثاً: ما فضحته ردود الأفعال الرسمية
كالعادة لم تخرج ردود الأفعال عن إطار التعبير عن رفض المجازز ومطالبة العدوّ بعدم الاستهانة بأرواح المدنيين ومطالبة المجتمع الدولي بوقف العدوان؛ إلا أن الرئاسة الفلسطينية أضافت لذلك تحميل حماس المسؤولية وطالبتها بوقف ذرائع «إسرائيل»، أي طالبت حماس بالاستسلام.

هل تطورت الرهانات؟
يبدو من الاستمرار الصهيوني في المجازر ومن استمرار رعاية أمريكا لهذه الجرائم، ومن عدم استخدام الأنظمة العربية أي ورقة قوة أو ضغط، وهذا التواطؤ العلني مع العدو، ومما يرشح من تصريحات الرئاسة الفلسطينية، فإن الرهانات تطورت إلى الضغط على حماس والمقاومة بتحميلها المسؤولية عن المجازر والدماء وبمقاربة مفادها أن العدوّ مجرم ولا يستطيع أحد ردعه، وبالتالي فإن على حماس الاستسلام لتحمي الشعب الفلسطيني من إجرام العدوّ ورعاته، حيث لا قِبَل لأحد بمواجهتهم!
وفي ظل رهانات كهذه يجب أن يتوقع العدوّ ورعاته والضعفاء والانهزاميون والمتواطئون أن المقاومة لن تستسلم، وأن جبهات الإسناد لن توقف حربها، وأن كل خطوة يخطوها العدوّ لتصفية القضية هي خطوة تقربه من الانزلاقات الكبرى ولا تشكل خطوة في طريق النصر المطلق بل في طريق الزوال.

أترك تعليقاً

التعليقات